للكبار والصغار: إليك فوائد السباحة وتأثيرها الإيجابي على الدماغ

5 دقائق
فوائد السباحة للكبار والصغار
shutterstock.com/ Maridav

ليس سراً أن التمارين الهوائية يمكن أن تساعد في إيقاف بعض عوامل التلف التي تسببها الشيخوخة؛ لكن مجموعةً متزايدةً من الأبحاث تشير إلى أن السباحة قد تعزز صحة الدماغ بشكلٍ فريد. إليك فوائد السباحة للكبار والصغار.

ثبت أن السباحة المنتظمة تعمل على تحسين الذاكرة والوظائف الإدراكية والاستجابة المناعية والمزاج. قد تساعد السباحة أيضاً في إصلاح الضرر الناتج عن الإجهاد، وتكوين وصلات عصبية جديدة في الدماغ؛ لكن العلماء ما زالوا يحاولون كشف كيف ولماذا تنتج السباحة تحديداً هذه التأثيرات الإيجابية للدماغ.

بصفتي عالمة بيولوجيا عصبية مدربة في فيزيولوجيا الدماغ، وشغوفةً باللياقة البدنية، وأمّاً أيضاً، فإنني أقضي ساعات في المسبح المحلّي خلال فصل الصيف. من المألوف في هذا الوقت رؤية الأطفال يسبحون ويرشون الماء ببهجة، بينما يتمتّع آباؤهم بالاستلقاء تحت أشعة الشمس، وقد كنت أحد هؤلاء الآباء الذين يراقبون ما يحدث من جانب المسبح مرّات عديدة؛ لكن إذا أدرك عدد أكبر من البالغين الفوائد المعرفية والعقلية للسباحة، فقد يميلون أكثر لمشاركة أطفالهم السباحة.

تشكيل خلايا ووصلات دماغية جديدة ومحسّنة

حتى ستينيّات القرن الماضي، اعتقد العلماء أن عدد الخلايا والوصلات العصبية في الدماغ البشري محدود، وأنه بمجرد تلف خلايا الدماغ هذه، فلا يمكن استبدالها؛ لكن تم دحض هذه الفكرة عندما بدأ الباحثون في إيجاد أدلة وافرة على ظهور خلايا عصبية جديدة (وهي ظاهرة تدعى «تخلّق النسج العصبية») في أدمغة البالغين من البشر والحيوانات الأخرى.

الآن؛ هناك أدلة واضحة تشير على أن التمارين الهوائية يمكن أن تساهم في تكوين الخلايا العصبية، كما أنها تلعب دوراً رئيسياً في المساعدة على عكس أو إصلاح الأضرار التي تصيب الخلايا والوصلات العصبية في الثدييات والأسماك.

تُظهر الأبحاث أن إحدى الطرق الرئيسية التي تحدث بها هذه التغييرات استجابةً للتمرين هي من خلال زيادة مستويات بروتين يسمى «عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ». ثبت أن «المرونة العصبية» (أو قدرة الدماغ على التغيّر) التي يحفزها هذا البروتين، تعزز الوظائف الإدراكية؛ ويتضمّن هذا وظيفتيّ التعلم والذاكرة.

وجدت الدراسات التي أُجريت على البشر، وجود علاقة وثيقة بين تركيز عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ المنتشر في الدماغ، وزيادة حجم الحُصين؛ وهي المنطقة من الدماغ المسؤولة عن التعلم والذاكرة، كما تبين هذه الدراسات أن زيادة مستويات هذا البروتين تزيد من حدة الأداء المعرفي، وتساعد في تخفيف القلق والاكتئاب. في المقابل؛ لاحظ الباحثون أن المرضى الذين يعانون من انخفاض تركيز عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ، يعانون من اضطرابات المزاج.

تعزز التمارين الهوائية أيضاً إفراز مواد كيميائية تسمى النواقل العصبية؛ إحدى هذه المواد هو السيروتونين المعروف بقدرته على الحد من الاكتئاب والقلق وتحسين الحالة المزاجية عند ارتفاع مستوياته.

لاحظ العلماء في الدراسات التي أجريت على الأسماك، حدوث تغيّرات في المورثات المسؤولة عن زيادة مستويات عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ، بالإضافة إلى تعزيز نمو «الأشواك التغصنية» (وهي نتوءات توجد على التغصّنات العصبية، أو أجزاء ممتدّة من الخلايا العصبية) بعد 8 أسابيع من التمرين مقارنةً بالمجموعة المعيارية.

هذه النتائج تكمّل الدراسات التي أُجريت على الثدييات؛ حيث ثبت أن عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ يزيد من كثافة العمود الفقري العصبي، وثبت أن هذه التغييرات تساهم في تحسين الذاكرة والمزاج وتحسين الإدراك لدى الثدييات. تساعد زيادة كثافة العمود الفقري الخلايا العصبية على تكوين وصالات جديدة وإرسال المزيد من الإشارات إلى الخلايا العصبية الأخرى، ومع تكرار الإشارات يمكن أن تصبح الاتصالات أوثق.

ما الذي يميّز السباحة؟

لا يعرف الباحثون حتى الآن ما هو السر وراء فعالية السباحة؛ لكنهم يقتربون تدريجياً من فهمها. لطالما اشتهرت السباحة بفوائدها القلبية الوعائية، فنتيجةً لأن السباحة تنشّط كل مجموعات العضلات الرئيسية؛ يصبح القلب مضطراً أن يعمل بجد؛ مما يزيد من تدفق الدم في جميع أنحاء الجسم. يؤدي هذا إلى تكوين أوعية دموية جديدة؛ وهي عملية تسمى «توليد الأوعية»، ويمكن أن يؤدي تدفق الدم المتزايد أيضاً إلى إفراز كميات كبيرة من الإندورفينات (وهي هرمونات تعمل كمسكّنات طبيعية للألم في جميع أنحاء الجسم)؛ حيث تثير هذه الزيادة في الإندورفينات الشعور بالنشوة الذي غالباً ما يتبع التمرين.

تم إجراء معظم الأبحاث التي هدفت لفهم كيفية تأثير السباحة على الدماغ على الجرذان؛ والتي تعدّ نموذجاً مخبرياً جيداً بسبب تشابهها الوراثي والتشريحي مع البشر.

في إحدى الدراسات التي أُجريت على الجرذان، تَبيّن أن السباحة تحفز المسالك العصبية الدماغية التي تثبط الالتهابات في الحُصين، وتمنع موت الخلايا المبرمَج، وأظهرت هذه الدراسة أيضاً أن السباحة يمكن أن تساعد في زيادة عمر الخلايا العصبية، وتخفف التأثيرات المعرفية للشيخوخة. على الرغم من أن الباحثين ليس لديهم حتى الآن طريقة لفهم موت الخلايا المبرمج وبقاء الخلايا العصبية لدى البشر؛ إلا أنهم يلاحظون نتائجَ معرفيةً مماثلةً عندهم.

إحدى الأسئلة الأكثر إثارةً هو: كيف تعمل السباحة تحديداً على تعزيز الذاكرة قصيرة وطويلة المدى؟ لتحديد المدة التي قد تستمر فيها الآثار المفيدة للسباحة؛ درّب الباحثون الجرذان على السباحة لمدة 60 دقيقة يومياً لمدة 5 أيام في الأسبوع، ثم اختبر الفريق ذاكرة الجرذان من خلال جعلهم يسبحون عبر متاهة مائية ذات 6 أفرع، وإحدى هذه الأفرع يحتوي على منصة مخفية.

حصل الجرذان على 6 محاولات للسباحة بحرية، والعثور على المنصة المخفية. بعد 7 أيام فقط من التدريب على السباحة، لاحظ الباحثون تحسنات في كلٍّ من الذكريات قصيرة وطويلة المدى لدى الجرذان؛ وذلك بناءً على انخفاض نسبة الأخطاء التي ترتكبها هذه الحيوانات كل يوم. اقترح الباحثون أن هذا التعزيز في الوظيفة الإدراكية يمكن أن يمثّل أساساً لاستخدام السباحة كطريقة لتعزيز التعلّم وإصلاح تلف الذاكرة الناجم عن الأمراض العصبية والنفسية لدى البشر.

اقرأ أيضاً: قد تكون التمارين المائية فعالة في الوقاية من أمراض القلب 

على الرغم من أن الفرق بين الدراسات التي تُجرى على الجرذان وتلك التي تُجرى على البشر كبيرة؛ إلا أن الأبحاث التي أُجريت على البشر أدت إلى نتائجَ مماثلة تشير إلى فوائدَ معرفية واضحة للسباحة عبر جميع الأعمار. على سبيل المثال؛ في إحدى الدراسات التي بحثت في تأثير السباحة على الفِطنة لدى كبار السن، خلص الباحثون إلى أن السبّاحين شهدوا تحسّناً في السرعة العقلية والانتباه مقارنةً بغير السبّاحين، ومع ذلك، فإن هذه الدراسة محدودة في تصميمها، نظراً لأن المشاركين لم يتم اختيارهم بشكل عشوائي، وبالتالي فإن أولئك الذين كانوا سباحين قبل الدراسة قد تكون لديهم أفضلية غير عادلة.

قارنت دراسة أخرى الإدراك بين الرياضيين غير السبّاحين والرياضيين السباحين في فئة الشباب البالغين العمرية. في حين أن الغوص في الماء بحد ذاته لم يُحدث فرقاً؛ إلا أن الباحثين وجدوا أن ممارسة سباحة الصدر معتدلة الشدّة لـ 20 دقيقة يومياً حسّنت الوظيفة الإدراكية في كلتا المجموعتين.

اقرأ أيضاً: الجري وحده لا يكفي: يجب أن تمارس تمارين رياضية متنوعة

الأطفال يستفيدون من السباحة أيضاً

فوائد السباحة
shutterstock.com/ Michael Brin

يبدو أن فوائد السباحة المُعززة للدماغ تعزز التعلّم لدى الأطفال أيضاً. نظرت مجموعة بحثية أخرى مؤخراً في الارتباط بين النشاط البدني وآلية تعلّم الأطفال كلمات جديدة، وقام الباحثون بتعليم الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و 12 عاماً أسماء أشياء غير مألوفة بالنسبة لهم، ثم اختبروا دقّتهم في التعرّف على هذه الكلمات بعد القيام بـ 3 أنشطة: التلوين (أثناء الراحة)، والسباحة (النشاط الهوائي)، والتمارين الشبيهة بتمارين «كروس فِت» (النشاط اللاهوائي) لمدة 3 دقائق.

وجد الباحثون أن دقة الأطفال كانت أعلى بكثير في تذكّر الكلمات التي تعلّموها بعد السباحة مقارنةً بالنشاطَين الآخرَين؛ واللذَين تسبّبا بنفس المستوى من استرجاع الكلمات. يوضّح هذا وجود فائدة إدراكية واضحة للسباحة مقارنة بالتمارين اللاهوائية؛ على الرغم من أن الدراسة لا تقارن السباحة بالتمارين الهوائية الأخرى، وتشير هذه النتائج إلى أن السباحة لفترات قصيرة من الوقت مفيدة للغاية للأدمغة الشابة النامية.

لا يزال العمل جارياً على فهم تفاصيل مثل مدة السباحة المطلوبة، وأسلوب السباحة، وما هي التعديلات المعرفية والمسالك التي يتم تنشيطها عن طريق السباحة؛ لكن علماء الأعصاب يقتربون كثيراً من ربط كل الدلائل مع بعضها، ولعدّة قرون كان الناس يبحثون عن ينبوع الشباب، وقد تكون السباحة هي الطريق الأقرب لتحقيق ذلك.

اقرأ أيضاً: 4 طرق تجعل التمارين الرياضية جزءاً من حياتك اليومية

المحتوى محمي