قد يبدو الأمر قاسياً، لكنه صحيح: هناك شوكولاتة عادية وهناك شوكولاتة ذات جودة لا تضاهى. وأي شخص قارن بين أنواع الشوكولاتة العادية المتوفرة في متاجر البقالة والأنواع الفاخرة يدرك الفرق. ولكن ما الذي يميز بالضبط بين قطعة الحلوى اليومية والأنواع الفاخرة؟ للعثور على إجابة، تعمق فريق بحثي في كلية العلوم الحيوية بجامعة نوتنغهام في التعقيدات الكيميائية لواحدة من أكثر الحلوى شعبية في العالم.
تشير النتائج التي توصلوا إليها، والتي نشرت في 18 أغسطس/آب في مجلة نيتشر مايكروبيولوجي، إلى أن الأمر يعود في الغالب إلى عملية التخمير، وهي مرحلة معروفة بعدم القدرة على التنبؤ بها في أثناء الحصاد. ولكن بعد العمل مع مزارعي حبوب الكاكاو، يعتقد الفريق الآن أنهم حددوا مجموعة فريدة من العناصر التي تتحكم في الجودة. ومن خلال تصميم مزارع الكاكاو البادئة على غرار تخمير الجعة، يقولون إننا الآن على أعتاب حقبة جديدة في عالم الشوكولاتة العالية الجودة.
اقرأ أيضاً: ماذا يحدث لجسمك إذا تناولت الشوكولاتة يومياً؟
من الكاكاو الخام إلى الكوكوا
دجنت مجتمعات ما قبل الإسبان في أميركا الجنوبية أشجار الكاكاو (ثيوبروما كاكاو) أول مرة منذ 5,300 سنة على الأقل قبل إدخال هذا النوع الاستوائي الدائم الخضرة إلى مجتمعات أميركا الوسطى. وقد استخدم الكاكاو في الأصل في الطقوس الروحية، بينما استخدمت ثقافات متعددة حبوب الكاكاو نفسها بصفتها عملة.
يبدأ حصاد الكاكاو بفتح قرون بذور شجرة الكاكاو وفصل القشرة عن اللب والبذور. ثم يعمد المزارعون إلى تكديس المكونين الأخيرين معاً وتركهما حتى يتخمر اللب ويتحول إلى سائل. خلال هذه المرحلة، تتحول البذور الصفراء الباهتة إلى لون بني داكن أو حتى بنفسجي، ثم تستخرج لاحقاً لتجفيفها وتخميرها على مدار 3 إلى 7 أيام أخرى. وبعد عملية التخمير هذه، يطلق المصنعون عادة على الحبوب اسم "الكوكوا" بدلاً من الكاكاو. وابتداء من هذه المرحلة، يطحنونها ويشحنونها إلى أنحاء العالم كلها.
بدأ علماء الأحياء بحثهم في هذه الدراسة من المصدر نفسه، حبوب الكاكاو(ثيوبروما كاكاو). فحص الفريق درجة حرارة حبوب الكاكاو ومستويات الحموضة (pH) والتجمعات الميكروبية طوال عملية التخمير لتحديد التحولات والتفاصيل الرئيسية التي تسهم في المنتج النهائي. ووجدوا أن عملية التخمير بحد ذاتها تظل واحدة من أكثر الأجزاء المحورية في اللغز. فهي تحدد معيار تعقيد النكهة ونضوج الرائحة، بالإضافة إلى تقليل مرارة الحبوب الأولية.
وقال المؤلف الأول للدراسة وعالم البيئة الميكروبية، ديفيد غوبولشان، في بيان له: "التخمير عملية طبيعية تديرها الميكروبات، وعادة ما تحدث في مزارع الكاكاو مباشرة، حيث يكدس المزارعون حبوب الكاكاو المحصودة في صناديق أو أكوام أو سلال. في هذه الأماكن، تعمل البكتيريا والفطريات التي تتشكل بصورة طبيعية بفعل البيئة المحيطة على تحليل الحبوب، وتنتج مركبات كيميائية رئيسية تعزز مذاق الشوكولاتة ورائحتها النهائية".
لكن فريق غوبولشان أصيب بالدهشة على وجه الخصوص بسبب عدم القدرة على التنبؤ بهذا التخمير غير المنظم، والذي وصفه بأنه "تلقائي" و"غير خاضع للسيطرة إلى حد كبير".
وأوضح قائلاً: "ليس للمزارعين تأثير يذكر في نوعية الميكروبات المهيمنة أو كيفية حدوث عملية التخمير. ونتيجة لذلك، تتفاوت عملية التخمير؛ ما يعني أن نكهة الحبوب وجودتها تختلفان بشدة باختلاف المحاصيل والمزارع والمناطق والبلدان".
اقرأ أيضاً: ما هو سبب الارتفاع الذي نشهده في أسعار الشوكولاتة؟
"التدجين الفعال" للشوكولاتة
تعاون الفريق بعد ذلك مع مزارعي الشوكولاتة الكولومبيين لمحاكاة ظروف تخمير الكاكاو في المختبر من خلال تطوير مزيج ميكروبي محدد من البكتيريا والفطريات. وبعد إجراء بعض الضبط الدقيق، وفرت تجمعاتهم الدقيقة التي أنشؤوها صناعياً الظروف المناسبة لإنتاج شوكولاتة مماثلة عالية الجودة. باختصار، لقد تمكنوا من تصميم "وصفة" لكبح جماح مشاكل تخمير الكاكاو المتقلبة بشدة.
يقول غوبولشان: "إن الاكتشافات التي توصلنا إليها مهمة حقاً لمساعدة منتجي الشوكولاتة على تحقيق الزيادة القصوى من محاصيل الكاكاو الخاصة بهم باستمرار، حيث أظهرنا أنه يمكنهم الاعتماد على علامات قابلة للقياس، مثل المستويات المحددة من الحموضة ودرجة الحرارة والديناميات الميكروبية، للتنبؤ بصورة موثوقة وتحقيق نتائج متسقة على صعيد النكهة".
وصف غوبولشان العمل الأخير بأنه "تدجين فعال" لعملية تخمير الكاكاو بحد ذاتها، مفتتحاً بذلك حقبة جديدة توفر للمزارعين مزارع بادئة محددة لتوحيد عملهم. وشبه ذلك بتطوير مزارع بادئة لإنتاج الجعة والخبز والجبن، وبالكيفية التي أدى بها تسخير هذه الطريقة إلى إحداث ثورة في صناعاتها.
ومع أن هذه الحقبة الجديدة قد تقدم لنا نكهات لذيذة عما قريب، فإنها لا تحل بعض المشاكل الاجتماعية والسياسية الأكبر في هذه الصناعة. فلطالما تعرضت صناعة الشوكولاتة للانتقاد بسبب آثارها البيئية الجسيمة، فضلاً عن اعتمادها الواسع النطاق على عمالة الأطفال. وحتى لو بدأت الجودة تتحسن عموماً، وأصبح بالإمكان تصنيعها بطريقة أكثر أخلاقية، فقد تظل حلاوة الحلوى مخففة بسبب مرارة القضايا المتعلقة بها.