يمكن أن يسيل لعاب الإنسان بمجرد التفكير في رائحة الشواء وطعم اللحم المقدد اللذيذة. نحن الآن في فصل الصيف، وهو موسم الشواء للكثيرين.
أنا كيميائي يدرس المركبات الموجودة في الطبيعة، وأنا أيضاً من محبي الطعام، بما في ذلك الطعام المشوي. قد يبدو شي الطعام أمراً بسيطاً، ولكن هناك الكثير من الكيمياء التي تميز الشواء عن طرق الطهي الأخرى وتجعله تجربة لذيذة مختلفة.
الطهي بالنار
أولاً، من المهم تعريف الشواء لأن المصطلح يمكن أن يعني أشياء مختلفة في ثقافات أو مواقع جغرافية مختلفة. الشواء في أبسط صوره هو طهي الطعام على اللهب المكشوف، وما يميز الشواء عن طرق الطهي الأخرى هو الطريقة التي تصل بها الحرارة إلى الطعام.
عند الشوي، تقوم شبكات الشواء الساخنة بتسخين الطعام من خلال اتصالها به مباشرةً عبر عملية تسمى التوصيل الحراري. ويسخن الطعام أيضاً ويُطهى عن طريق امتصاص الإشعاع الحراري مباشرة من اللهب تحته. يسمح مزيج طرق التسخين هذه بطهي أجزاء الطعام التي تلامس الشواية بالتزامن مع طهي الأجزاء التي لا تلامسها -مثل الجوانب والجزء العلوي- عن طريق إشعاع الحرارة. ينتج نطاق درجات الحرارة المختلفة الناتج مزيجاً معقداً من النكهات والروائح. عند الطهي على الموقد، يكون هناك إشعاع حراري أقل بكثير، وتحدث معظم عملية الطهي حين يكون الطعام على اتصال مباشر مع المقلاة.
اقرأ أيضاً: تسع نصائح ونصف لتحسين طريقة الشواء علمياً
أما عند الطهي على الشواية، يمكنك إما وضع الطعام مباشرة على اللهب -ما يسمى بالحرارة المباشرة- أو بعيداً عن اللهب على حرارةٍ غير مباشرة. تُعرّض طريقة الطهي المباشر في اللهب الطعام لدرجات حرارة عالية جداً، حيث يمكن أن تتراوح درجة حرارة سطح الشواء من 260 إلى 371 درجة مئوية. بينما تعرض طريقة الطهي بالحرارة غير المباشرة -حيث يكون مصدر الحرارة بجانب الطعام أو بعيداً بعض الشيء أسفله- الطعام إلى درجة حرارة تتراوح بين 93 إلى 149 درجة مئوية.
الطهي عملياً هو استخدام درجات الحرارة المرتفعة لتحفيز تفاعلات كيميائية تغير الطعام على المستوى الجزيئي. عند طهي اللحوم في درجات حرارة أعلى -مثل شيه بواسطة الحرارة المباشرة- فإن أول شيء يحدث هو غليان الماء الموجود في الطبقة السطحية من اللحم. بعد أن تجف الطبقة السطحية، تتسبب الحرارة العالية بحدوث تفاعل ميلارد في كل من البروتينات والسكريات الموجودة على السطح الخارجي للحم. ينتج عن هذا التفاعل مزيجٌ معقد من الجزيئات التي تجعل مذاق الطعام لذيذاً ويضيف عمقاً إلى الروائح والنكهات. يتأثر تفاعل ميلارد والنكهات التي ينتجها بالعديد من المتغيرات، مثل درجة الحرارة والحموضة وكذلك المكونات الموجودة في الصلصات أو التتبيلة.
اقرأ أيضاً: لا تتبع حمية تقتصر على اللحوم فقط لهذه الأسباب
تحدث عملية مماثلة مع الخضار. يسمح الشواء للماء بالتبخر أو بالتقطر دون أن يعلق في المقلاة، ما يمنع الخضار من أن تصبح رطبة ويحفز تفاعلات الكرملة. تحول هذه التفاعلات الكربوهيدرات والسكريات إلى مركبات أصغر مثل المالتول -الذي يتمتع بنكهة مميزة- والفوران الذي يتمتع بطعم الجوز واللحم وبطعمٍ يشبه طعم الكراميل.
التفحم والقرمشة
السمة المميزة الأخرى للأطعمة المشوية هي التفحم الفريد الذي ينشأ عليها. عندما تتعرض الأطعمة للحرارة لفترات طويلة من الزمن، تتفكك الذرات اللاكربونية الموجودة في الطعام تاركة وراءها فتات الكربون الأسود المقرمش. تسمى هذه العملية التفحم أو الاحتراق الناقص.
بالطبع لا يحب أحد تناول قطعة لحم محترقة كلياً، لكن القليل من الطعام المتفحم المقرمش يمكن أن يضيف مثل هذه النكهة الفحمية المميزة إلى الأطعمة. يسمح الشي على الحرارة المباشرة بإكساب الطعام كمية التفحم المقرمش التي تناسب ذوقك.
لسوء الحظ، بالنسبة لأولئك الذين يحبون إكساب الطعام المزيد من التفحم، من المعروف أن بعض المواد الكيميائية الموجودة في اللحوم المتفحمة -جزيئات تسمى الأمينات الحلقية غير المتجانسة والهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات- تسبب السرطان. على الرغم من أن مخاطرها أقل بكثير من مخاطر تدخين السجائر، على سبيل المثال، فإن الحد من تفحم اللحوم يمكن أن يساعد في تقليل خطر الإصابة بالسرطان.
النكهات المدخنة
جوهر نهكة الشواء هو الدخان. ينتج الطهي على الحطب أو الفحم الكثير من الدخان، وحتى على شواية الغاز، تتساقط الدهون الذائبة على مصدر الحرارة وينتج عنها دخان. عندما يحيط الدخان بالشواء، يمتص الطعام نكهته.
يتكون الدخان من الغازات وبخار الماء وجزيئات صلبة صغيرة من وقود الاشتعال. يؤدي حرق الخشب إلى تفكيك جزيئات تُدعى اللغنين لتتحول إلى جزيئاتٍ عضوية أصغر -مثل مركبي السرينجول والجاياكول- تُعد المسؤولة أساساً عن نكهة الدخان المثالية.
عندما يتلامس الدخان مع الطعام، يمكن أن يتم امتصاص مكونات الدخان. ويمكن للحوم امتصاص نكهة الدخان بكفاءةٍ عالية نظراً لاحتوائها على الدهون والماء، حيث يرتبط كل منهما بأنواع مختلفة من الجزيئات. من الناحية الكيميائية، الدهون غير قطبية -بمعنى أن لها شحنة كهربائية ضعيفة- وترتبط بسهولة بالجزيئات غير القطبية الأخرى. أما الماء فهو قطبي، أي يحتوي على شحنات موجبة وأخرى سالبة على غرار المغناطيس، وبالتي فهو مثالي للارتباط بالجزيئات القطبية الأخرى. تمتص بعض الأطعمة نكهات الدخان بشكل أفضل من غيرها، اعتماداً على تركيبتها. تتمثل إحدى الطرق في الاستفادة من الخصائص الكيميائية لتدخين الطعام أكثر في رشه بالماء بانتظام أثناء شيه.
اقرأ أيضاً: ما هي أفضل طريقة لحفظ وتخزين اللحوم؟
يمكن أن يحتوي الدخان على المئات من المواد المسرطنة المحتملة اعتماداً على ما المادة التي تحرقها. ليس هناك سوى القليل من الأبحاث حول ما إذا كانت الأطعمة المشوية تمتص ما يكفي من الدخان لتشكل مخاطر صحية كبيرة. لكن الباحثين يعرفون أن استنشاق الدخان يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالسرطان.
في حين أن فكرة شواء طعامك المفضل قد تجعلك تشعر ببعض المتعة، إلا أن العلم الكامن وراءها معقد للغاية. في المرة القادمة التي تطهو فيها طعامك على الشواية وتستمتع بالطعام المدخن، نأمل أن تقدر كلاً من الطبيعة المتنوعة للمركبات والتفاعلات التي ساعدت في إنتاجه.