نستيقظ ونحن نتطلع لوجبة الإفطار، ولا نشعر بأن يومنا قد بدأ إلا بعد أن نملأ معدتنا. من الشائع سماع "معدتي تقرقر" أو "أنا جائع معدتي تؤلمني"، ما يرجح القول بأن المعدة هي من تنبهنا لتناول الطعام.
من دون شك جميعنا شعرنا بالجوع من قبل، ولكن قلة منّا عرف حقيقة فيما إذا كانت معدتنا قد أخبرتنا بذلك أم دماغنا، وعلى غرار مفارقة الدجاجة والبيضة، لنحاول معاً الاقتراب خطوة واحدة من تحديد أصل الجوع.
كيف يتشكل الشعور بالجوع؟
الهرمونات هي أصل كل شعور اختبرناه من قبل، فهي تتحكم إلى حد كبير في كل شيء في الجسم، فهرمون النمو يحدد نمو جسمنا، والأدرينالين يحدد مقدار حماسنا، والميلاتونين يقرر ساعة دخولنا إلى الفراش، والأكسيتوسين يُجمل من طاقة الحب لدينا، الهرمونات أيضاً هي التي تتحكم في شعورنا بالجوع والشبع.
يُطلق على الهرمون الذي يثير الجوع اسم هرمون الغريلين (Ghrelin) الذي يحفز الشهية، تنتجه الخلايا الصماوية في الجهاز الهضمي وعلى رأسها المعدة، وهو يخبر الدماغ أن الوقت قد حان لتناول الطعام.
اقرأ أيضاً: ثلاث حيل تساعدك على تفادي الجوع عندما تواجه موقف "حياة أو موت"
يساعد الغريلين على الاستعداد لتناول الطعام وذلك عن طريق زيادة حركة عضلات المعدة والأمعاء، كما ينشط إنتاج الحمض المعدي. ولا يقتصر طيف تأثير هذا الهرمون على المعدة وحسب بل يُنشط أيضاً بعض خلايا الغدة النخامية الأمامية ونواة ما تحت المهاد، تساهم هذه الخلايا أيضاً في تحديد الشهية، إضافة لكونه مسؤولاً عن شعور المكافأة والذاكرة والإحساس بالتذوق.
عندما تنخفض مستويات سكر الدم، يُفرز الغريلين ويبدأ الشعور بالجوع طلباً للطعام، حيث يكون الهرمون في أعلى مستوياته قبل الوجبة مباشرةً، لتعود مستوياته وتنخفض تدريجياً بعد تناول الطعام وتستمر بالانحسار لمدة 3 ساعات بعد الوجبة.
خلال هذا الوقت يسيطر هرمون آخر على الشهية وهو (هرمون الليبيتين)، والذي تنتجه الأنسجة الشحمية في الجسم ويثبط الشهية والشعور بالجوع، فترتفع مستويات هذا الهرمون كلما ازداد عدد الخلايا الشحمية والذي بدوره يثبط الشهية بشكل أكبر في النهاية.
ما دور الدماغ في حلقة (الجوع والشبع)؟
تستشعر منطقة ما تحت المهاد أو (الوطاء) تراكيز هرمونات الغريلين والليبيتين، والوطاء هو المنطقة المسؤولة عن تنظيم درجة حرارة الجسم، كما أنه على ارتباط وثيق بالغدة النخامية، ويتحكم بكل من الجوع والتعب والنوم وسلوكيات الأمومة نتيجة لإفرازه للأكسيتوسين المسؤول عن شعور الحب والتعلق، والعطش نتيجة إفرازه الهرمون المضاد للإدرار ADH المسؤول عن الشعور بالعطش وتنظيم الشوارد، إضافةً إلى دوره في تنظيم ساعات النوم وغيرها من وظائف الجسم الأخرى.
اقرأ أيضاً: المادة السوداء تنتشر: العزلة تثير نشاطاً دماغياً مشابهاً لرغبة الجوع
تتشابه الآلية التي ينظم فيها الوطاء الجوع والشبع إلى حد كبير مع آلية عمل مكيف الهواء، فعندما يستشعر المكيف أن درجة الحرارة تتغير سواء ارتفاعاً أو انخفاضاً، فإنه يتخذ إجراءات لإعادتها إلى حالة التوازن وذلك إما عن طريق تسخين الهواء أو تبريده، الأمر سيان عند الوطاء، فعندما ترتفع مستويات هرمون الغريلين إلى حد معين يتنبه الوطاء ويفرز الليبيتين والعكس، وهذا ما يُطلق عليه "الاستتباب".
إذاً، أيهما يتحكم بزمام الأمور؟
تؤدي الهرمونات بشكل عام، وخاصةً الغريلين والليبيتين، مجموعة متنوعة من الوظائف المعقدة، والتي لا يسمح تعقيدها بفهمها بشكل كامل، وحتّى لو فهمنا آلية عملها تماماً فإننا سنواجه عقبة أخرى ألا وهي فهم فيزيولوجيا الدماغ.
ما زالت كافة العلوم تواجه صعوبة في فهم الدماغ البشري إلى أقصى حد، فكل ما نقوم به وكل ما نفكر فيه ونشعر به ما هو إلا إشارات تُنقل إلى الدماغ لتتم معالجتها، وعلى الرغم من أن العلم يقترب أكثر فأكثر من فهم الدماغ، فإننا ما زلنا في خطواتنا الأولى في هذا الطريق.
مع أخذ هذه المعلومات في الاعتبار، يبدو لنا أن المعدة والدماغ يتحكمان في الجوع والشبع بشكل مستقل، إلا أنهما يعتمدان في نفس الوقت على بعضهما في إتمام ذلك. فالمعدة تفرز الغريلين الذي يشعرنا بالجوع ولكن على الدماغ أن يمنح المعدة الموافقة للقيام بذلك.
اقرأ أيضاً: هوَسُ الطعام: لماذا الفرنسيون نحفاء؟
تبدو هذه العلاقة بسيطة عندما ننظر إليها من الخارج لكن آلياتها معقدة للغاية، وتشكل هذه العملية جزءاً من نظام متكامل يتكون منه جسمنا ويعمل بانسجام تام بين بعضه ومع أنظمة جسمنا الأخرى، وهذا الانسجام هو الذي يسمح لنا بالعيش بالطريقة التي نعيشها.