هل تشعر وكأن خبراء التغذية يغيّرون آرائهم كثيراً حول نوع الطعام الذي نتناوله؟ هل تريد الحصول على معلومات مبنية على أساس علمي حول الأنظمة الغذائية ولكنك لا تعرف من أو ما يجب عليك أن تصدق؟
إذا كان جوابك نعم، فأنت لست وحيداً؛ يعاني أكثر من 80% من الأميركيين من هذه المشكلة.
إذا كنت عالم تغذية مثلي، فهذه المشكلة أصبحت متعبة للغاية، لدرجة أني غيّرت مجال تركيزي في مسيرتي المهنية للتصدي للادعاءات حول الطعام بطريقة علمية، لأن لها آثاراً عميقةً على الصحة العامة والبيئة. شعاري هو: من المزرعة إلى المائدة، الطعام الذي نتناوله له أثر كبير.
في الواقع؛ هل تعلم أن 80% من الأمراض المزمنة يمكن الوقاية منها من خلال تغيير نمط الحياة، وأن النظام الغذائي هو العامل الأكثر تأثيراً في ذلك؟
نوع الطعام الذي نتناوله: العلم يقول أن النبات أفضل لك وللكوكب
«الحميات النظيفة» أم حمية «كيتو»؟ حمية «باليو» أم الحميات الخالية من الغلوتين؟ حمية «الأطعمة الكاملة 30» أم الحمية الخُضرية؟ انسَ أمر الحميات الرائجة لأن العلم لديه الجواب. يتّفق العلماء حول علاقة الأنظمة الغذائية بالصحة أكثر مما تتوقّع، وقد خلص التقرير العلمي المتضّمن في إرشادات الحميات للأميركيين خلال السنوات بين 2015 و 2020، أن الحمية المبنية على النباتات هي الأفضل بالنسبة للصحة وللبيئة على حد سواء. يجب أن يتألّف أكثر من 75% من وجبتك من الخضراوات والفواكه والحبوب الكاملة، كما يجب أن تشمل مصادر البروتين الفاصوليا، البازلاء، المكسّرات، الحبوب والصويا.
يركّز دليل الطعام الكندي الصادر في 2019 أيضاً على النباتات، وكذلك الأمر بالنسبة لدليل «طبق الطعام الصحي» الخاص بجامعة هارفارد، بينما تركز الإرشادات الرسمية في بلدان مثل البرازيل، على «الأطعمة النباتية عموماً». توضّح كل الإرشادات السابقة وغيرها ضرورة الحد من تناول الأطعمة المعالجة، وفائقة المعالجة.
هناك إجماع علمي أيضاً من منظّمة الأطعمة والزراعة التابعة للأمم المتحدة والمنظّمات الأخرى ينص على أن الأطعمة النباتية أكثر استدامةً، بسبب الاستهلاك الكبير للطاقة والضرر البيئي الناجمَين عن تربية الماشية.
على الرغم من أن الحِميات النباتية تبدو وكأنها حديثة؛ إلا أنها دُرست لعقود. ازداد الوعي حولها مع ظهور مشكلتين طارئتين متعلّقتين بالصحة العامة؛ جائحة الأمراض المزمنة، وأزمة تغيّر المناخ. الأنظمة الغذائية النباتية تفيد البشر والبيئة في نفس الوقت؛ إذ أنها قابلة للتعديل بما يناسب الذوق والتفضيلات الخاصة والتقاليد والثقافات، وذلك كما تعلّمنا من دراسة «المناطق الزرقاء»؛ وهي المناطق التي يعيش فيها البشر لفترة تفوق المتوسط دون انتشار الأمراض المزمنة بنفس الدرجة.
إذا كان العلم يمتلك أسرار تحسين الصحة والوقاية من الأمراض والحميات التي يمكن أن تنقذ العالم، فلماذا يحتار البشر فيما يجب عليهم أن يتناولوا إذاً؟ الحصول على نظرة أعمق حول الأمر سيزوّدك بالمهارات التي تساعدك في التمييز بين الحقائق والخرافات.
اقرأ أيضاً:
الحيرة مرتبطة بالأموال
«العلم الزائف الذي يروّجه المشاهير» يلعب دوراً واضحاً لأنه قد يتنكّر كعلم حقيقي؛ مثل ادّعاءات الدكتور «أوز» (مع أنه عوقب على ما نشره من معلومات مغلوطة على يد مجلس الشيوخ). بشكلٍ عام؛ الأطباء ليس لديهم خبرة كبيرة في التغذية، ونوع الطعام الذي نتناوله.
يحظى المشاهير بمنصات ضخمة، وهم غالباً يحجبون الحقيقة. الاتفاق الذي حصل بين شركة «نتفليكس» والممثلة «غوينيث بالترو»؛ والتي رُفعت دعوى قضائية متعلّقة بأمور صحيّة ضد شركتها «غووب»، يجعل الأمر يبدو وكأن العلم يخسر المعركة.
مع ذلك؛ لا يحتاج المرء إلى أن يكون من المشاهير ليتمتّع بالسُّلطة والتأثير، فقد أظهرت قائمة بأكثر 100 شخصية مؤثرة أن معظم هذه الشخصيات كانت من المدونين أو الرياضيين الذين ليس لديهم خبرة علمية، ولم يكن أي منهم عالِماً. تكتسب هذه الشخصيات زخماً كبيراً على وسائل التواصل الاجتماعي. أجرت «هيلث فيدباك»؛ وهي شبكة من العلماء الذين يراجعون دقة المحتوى في الإنترنت، دراسة مع ائتلاف «كريديبيليتي»، ووجدوا أن أقلية من المقالات المنشورة على الإنترنت حصلت على تقييم إيجابي، وأن معظمها «تبالغ في فوائد ومضار الأطعمة المختلفة».
مع الأسف؛ وسائل الإعلام التقليدية لا تسلّط الضوء على الحقيقة دائماً، كما أن التأثر المبالغ فيه في الدراسات الإفرادية منتشر في كل مكان -مثل دراسة الغليفوسات في الشوفان، ودراسة العلاقة بين زيت جوز الهند ووزن الجسم، وربط القهوة بالإصابة بالسرطان- والنتائج لا تُعرض في السياق المناسب.
تعرّضت أيضاً الصحافة العلمية لضربة كبيرة، وربما يكون هذا هو السبب الذي جعل شبكة سي إن إن الإخبارية تُقابل أحد الأشخاص المتعصّبين المناهضين للعلم، أو السبب الذي جعل صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» تغرّد على موقع تويتر بأن هناك «إيماناً متزايداً» بالفوائد الصحية لعصير الكرفس. (نصيحة احترافية: هذا ليس صحيحاً)
تقبع خلف هذه النصائح الغذائية الزائفة والضجيج الإعلامي خلفية من إنكار العلم؛ وهو أمر يضفي الشرعية على مناهضة العلم عندما يتم تبنيه من أعلى المستويات الحكومية، كما أن الأمية العلمية تلعب دوراً لا يُستهان به.
مع ذلك، فهناك فجوات معرفية: 57% من الأمريكيين لم يروا أبداً الرسم التوضيحي الغذائي الصادر عن وزارة الزراعة الأميركية المسمّى «ماي بليت»، أو يعرفون القليل عنه، كما بلّغ 63% من الأميركيين أنه من الصعب التعرف على الخيارات المستدامة بالنسبة لهم، وادّعى المتسوقون أن تحديد أنواع الغذاء الصحي كان صعباً بنسبة 11% أو متوسط الصعوبة 61%.
قد لا يكون هذا مفاجئاً، نظراً لأن 48% منهم لجؤوا إلى ملصقات أغلفة الطعام للحصول على الإرشادات الغذائية: بعض الملصقات ذات مغزىً، بينما البعض الآخر ليس أكثر من تسويق. في الواقع؛ لا تزال جماعات الضغط الكبيرة في مجال الأغذية والزراعة تؤثّر على الإرشادات الغذائية وتحجب الحقائق العلمية.
اقرأ أيضاً: مستقبل الغذاء: ملصقات ذكية تخبرك موعد انتهاء صلاحية الطعام
من خلال كل هذا؛ أعتقد أن مجتمع علوم التغذية قد ساهم ضمنياً في المشكلة عن طريق الفشل في المشاركة بشكلٍ جماعي في الحوار العام، كما أننا لم ندافع بشكلٍ كافٍ عن مجالاتنا البحثية عندما تعرّصت للهجوم؛ سواءً من قبل الصحفيين أو الأطباء أو كتّاب الطعام.
تغيير الحوار
تخلق القوى المجتمعية القديرة ثقافةً من الارتباك المتعلّق بأمور التغذية، لا يخفي حقيقة الأنظمة الغذائية فحسب؛ بل يُضعف مكانة العلم ككل. يمكن أن تساعدك 3 خطوات حل هذه المشكلة:
أولاً: ابدأ بطرح أسئلة مهمة عند تلقّي الأخبار عن نظام غذائي ما. هل الكاتب حاصل على درجة علمية متقدمة في التغذية أم لديه خبرة في الصحافة العلمية؟ هل هناك مراجع من الدراسات أو المنظمات العلمية المحكّمة؟ هل المصدر موثوق؟ هل تم الوعد بعلاجات سحرية أو نتائج سريعة؟ هل هناك أدوية سحرية باهظة الثمن يتم الترويج لها؟ هل يبدو أن الهدف من الموضوع جذب الاهتمام فقط؟ إن التساؤل حول من وماذا وأين ولماذا وكيف هو أمر بالغ الأهمية.
ثانياً: تذكّر أن ما يتنقل عبر الإنترنت حول نوع الطعام الذي نتناوله غالباً ما يظهر بسبب خوارزميات تمكّن الأخبار من إثارة اهتمامنا وتحيّزاتنا التأكيدية؛ سواء كانت واقعيةً أم لا. من المرجّح أيضاً أن نشارك معتقداتنا مع الأصدقاء والعائلة خارج نطاق الإنترنت، ومن الضروري الشعور بالفضول بشأن الطعام الذي نتناوله: قد تحتاج إلى «نسيان ما تعلّمته من قبل».
أخيراً؛ تذكّر أن التغذية ليست أمراً محيّراً. لدينا جميعاً تقاليد وقيم نعتز بها، وأنواع الأطعمة التي نأكلها لا تتعلق فقط بفوائدها المثبتة بالعلم؛ ولكن حان الوقت لتعلّم الحقائق الغذائية الأساسية التي ستلهمك لتسخير الغذاء لتعزيز الصحة والوقاية من الأمراض، وحماية الكوكب. التغيير ممكن، والحقيقة يمكن إيجادها.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً