اكتشف الأطباء الرومان قديماً أن حبس مرضى الصرع في غرف دون طعام لعدة أيام قد يؤدي إلى علاجهم من مرضهم. ظن الأطباء أنهم بذلك يتخلصون من شياطين المرضى، لكن في الحقيقة كان الصيام هو السر. فالصيام يحفز عملية إنتاج أحماض تعرف بالكيتونات التي تحفز الدماغ لتكوين روابط عصبية جديدة.
واليوم، يتم وصف الحمية الكيتونية، التي تزيد من الكيتونات عن طريق محاكاة الصيام، بشكل متزايد لمرضى الصرع لمساعدتهم في السيطرة على نوباتهم.
وفي عصرنا هذا، كثرت الحميات الغذائية المرتكزة على الصيام، فهناك صيام الماء، وصيام العصير وهناك أيضاً الصيام المتقطع. يزعم متّبعو هذه الحميات أن الصيام يمكنه إنقاص الوزن والشفاء من العديد من الأمراض، بل حتى منع الشيخوخة وإطالة العمر.
ويعتقد آخرون ومنهم بعض الباحثين أن الصيام قد يبدأ نوعاً من عمليات الحماية أو الشفاء في الجسم. لذلك يبحثون في إمكانية تفعيل هذه الآليات البيولوجية دون الاضطرار إلى التخلي فعلياً عن الطعام لفترة ممتدة. فهل ما يقوله هؤلاء صحيح؟
هذا ما سنعرفه في السطور التالية.
هل يساعد الصيام في إنقاص الوزن؟
قد يكون من المنطقي الاعتقاد أن الصيام طريقة مثالية لفقدان الوزن، فعندما يحرم الجسم من الطعام يبدأ في أكل نفسه، وأول ما يبدأ في استهلاكه هو السكريات والدهون. لكن لا يوجد دليل علمي دامغ على أن الصيام وحده يساعدك في إنقاص الوزن بشكل فعال، فالأدلة تشير إلى أن معظم الناس يستعيدون الوزن الذي فقدوه بعد انتهاء فترة الصيام.
يفسر الباحثون ذلك بأن الصيام قد يمنح الصائمين شعوراً زائفاً بالأمان، يدفعهم للإفراط في الطعام في غير أيام الصيام.
وفي دراسة حديثة، وجد الباحثون أن المشاركين الذين كانوا يعانون من السمنة، وصاموا على فترات متقطعة لمدة سنة قد فقدوا وزناً أكبر قليلاً من أولئك الذين اتبعوا حمية تقليدية، لكن النتائج لم تكن ذات دلالة إحصائية.
وجد الباحثون كذلك أن المشاركين كانوا أكثر عرضة للتخلي عن جهود إنقاص الوزن من أولئك المتبعين حمية تقليدية، ما يشير إلى أن الصيام قد يكون من الصعب الحفاظ عليه مع الوقت.
على الجانب الآخر، وُجد أن اتباع نظام غذائي يتضمن الصيام يومين في الأسبوع واستهلاك 25% فقط من السعرات الحرارية في تلك الأيام يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بسرطان الثدي ويساعد في فقدان الوزن، لكن الأمر ما زال بحاجة لمزيد من الدراسات على نسبة أكبر من البشر.
علاوة على ذلك، هناك مجموعة من الباحثين يرون أن الصيام يمكن أن يفاقم من مشكلات الوزن وينطوي على مشكلات صحية أخرى، مشيرين إلى أن النقصان الناتج يعود إلى الفقدان السريع للسوائل، كما أن معدل التمثيل الغذائي يغدو أكثر بطئاً؛ ما يعني أن الصيام سيتسبب في زيادة الوزن.
فيما يرى بعضهم أن الصيام يصرف الناس عن الرسالة الحقيقية لكيفية إنقاص الوزن، وهي تناول كميات أقل من الدهون، وتناول 5 أنواع من الفواكه والخضراوات يومياً، وشرب الماء، والمشي لمدة 30 دقيقة يومياً، والحصول على قدر مناسب من النوم.
هل يمكن أن يمنعنا الصيام من الأمراض أو يمنحنا بضع سنوات إضافية؟
تشير دراسة نشرت في مجلة Obesity أن الصيام المتقطع له فوائدة عدة، أهمها منع الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، بل وربما تطيل العمر الافتراضي.
ويفسر ذلك بأن الصيام يساعد في حرق الدهون، فعندما ترتفع نسبة السكر في الدم يفرز البنكرياس هرمون الإنسولين الذي يرسل إشارات للكبد كي يخزن فائض السكر بأمان، أما إذا كانت هناك دهون حول هذه الأعضاء؛ فلن تعمل بكفاءة ولن يستطيع الجسم التحكم في مستويات السكر، لكن بعد مضي 12 ساعة من الصيام، يستهلك الجسم مخزونه من الجليكوجين ويبدأ في حرق الدهون، خاصة الدهون التي حول الأعضاء.
وفي الكائنات الحية، عندما لا يكون لديها طعام، فإنها تبدأ في إعادة تدوير الطاقة، وإجراء عمليات تنظيف للخلايا، فتتخلص من الخلايا المعيبة، وعندما تعود إلى الأكل مرة أخرى، تنشأ خلايا أقوى وأصلح.
وفي فئران التجارب المصابة بمرض التصلب العصبي المتعدد، وهو مرض تهاجم فيه الخلايا المناعية الخلايا العصبية للشخص عن طريق الخطأ، وٌجد أن الصيام الدوري منخفض السعرات الحرارية يمكن أن يبطئ من عمليات تدمير الخلايا بل وتجددها أيضاً.
وفي دراسة أخرى، وجد أن الصيام يمكن أن يساهم في القضاء على بعض الأنواع من السرطان عن طريق تجويع الخلايا السرطانية سريعة النمو وقتلها.كما وجد أن تقليل كمية الطعام التي تتناولها فئران التجارب بنحو 30:40% يمكن أن يطيل عمرها بمقدار الثلث وحتى النصف.
كما وجد الباحثون أنه يمكن الشفاء من مرض السكري من النوع الأول والثاني عن طريق الحميات الغذائية المحاكية للصيام.
وتشير التجارب إلى أن الصيام بإمكانه الإبطاء من ظهور أمراض الدماغ مثل الزهايمر والشلل الرعاش، والتخفيف من وطأة القلق والاكتئاب.
لكن من المهم توضيح أن هذا لا يعني أن الصيام سيساعد أولئك المصابين بالسكري، فهذه الدراسات أجريت على فئران التجارب وخلايا بشرية، والفئران ليست في النهاية بشر، لذا نحن بحاجة للانتظار حتى يتم تكرار هذه التجارب على البشر وليس على فئران أو خلايا بشرية وحسب.
هل يساهم الصيام في إزالة السموم من الجسم؟
هنا يحتدم النقاش حيث ينقسم العلماء، فبعضهم يرى أنه لا يوجد دليل علمي على ذلك لأنه ليس هناك أساس بيولوجي لمسألة تطهير الجسم من السموم، فالجسد جيد بالفعل في إجراء ذلك، فالكبد مركز لطرد لإزالة السموم، وكل من الرئتين والقولون والكلى والغدد اللمفاوية والجلد تتخلص من السموم.
وبعضهم يعترض، فكثير من الناس يتناولون أطعمة قليلة القيمة الغذائية ومصنعة، لذا تتراكم السموم في الخلايا وتؤدي إلى تصلب الشرايين والشيخوخة، ومرض السكري، وتلف الأعصاب وتدهور الأعضاء. لذا يرى بعض الباحثين أن الصيام يسمح للجسم بالتخلص من نفايات الخلايا بطريقة أكثر فاعلية، فالصيام يحرق الدهون، والدهون هي المكان الذي يخزن فيه الجسم السموم.
أخيراً، يجب على الأشخاص الذين يعانون من حالات طبية وخاصة مرضى السكري ومرضى القلب والأوعية الدموية استشارة الطبيب أولاً قبل اتباع حمية تتعلق بالصيام.