تعد الجروح جزءاً مؤسفاً لا يمكن تجنّبه من الحياة وخاصة بالنسبة لمرضى السكري، إذ يمكن أن تؤدي هذه الإصابات إلى مشكلات صحية خطيرة، نظراً لتراجع خطوط الدفاع الطبيعية لدى مرضى السكري، ما يجعل الجرح البسيط مشكلة صحية تهدد الحياة إن لم يُدبر بالشكل الأمثل.
لماذا يتأخر التئام الجرح عند مريض السكري؟
العلاقة واضحة بين سكر الدم والتئام الجروح، فعندما يبقى سكر الدم مرتفعاً بشكل دائم أو لفترات مطولة، فإنه يضعف من وظيفة خلايا الدم البيضاء التي تعد حجر الأساس في الجهاز المناعي. ولذلك تكون خلايا الدم البيضاء غير قادرة على العمل بشكل صحيح، ما يجعل الجسم أقل قدرة على محاربة الجراثيم وإغلاق الجروح.
كما يؤثر مرض السكري غير المضبوط على الدورة الدموية، حيث تتباطأ حركة الدم في الأوعية الدموية ما يجعل من توصيل العناصر الغذائية إلى الجروح صعباً، لهذا السبب تلتئم الإصابات بشكل أبطأ أو قد لا تلتئم على الإطلاق.
من جهة أخرى، يسبب مرض السكري "اعتلال الأعصاب السكري" والذي بدوره يؤثر على التئام الجروح، حيث يتلف سكر الدم غير المضبوط من الأعصاب، ما يؤدي إلى حدوث خدر في إحساس القطاع الجلدي المُعصب بذاك العصب، وهذا ما يفسّر اكتشاف الجروح والقرحات الجلدية بشكل متأخر عند مرضى السكري، إذ لا يكونون على دراية بالإصابة.
يؤثر مرض السكري على التئام الجروح بطرق أخرى أيضاً، فهو يقلل من إنتاج هرمونات النمو والشفاء، ويقلل من إنتاج المواد المولدة للأوعية الدموية، كما يضعف حاجز الجلد ويقلل من إنتاج الكولاجين.
اقرأ أيضاً: ما النظام الغذائي الملائم لمرضى السكر التراكمي؟
كم يستغرق التئام الجرح لدى مريض السكري؟
تستغرق جروح مرضى السكري بعض الوقت للشفاء، إذ أفادت دراسة أجريت عام 2017 برئاسة "هيلدا ستروم"، وهي باحثة في قسم الصحة والعلوم الاجتماعية في جامعة بيرغن النرويجية للعلوم التطبيقية، تضمنت 105 من الأفراد المصابين بجروح القدم السكرية، بأن متوسط الوقت الذي استغرقته الجروح من بدء الرعاية الطبية إلى الشفاء كان 75.5 يوم دون استخدام أيّ أدوية، مع وجود بعض الجروح التي لم تلتئم إطلاقاً.
ومع ذلك من المتوقع أن يكون استخدام بعض الأدوية قادراً على تقليل هذا الوقت بشكل كبير، مثل موسعات الأوعية والصادات الحيوية ومولدات الكولاجين والزنك وغيره من المواد التي تقوي الجهاز المناعي.
كيف يتم تنظيف الجرح عند مرضى السكري والعناية به؟
علاج الجروح عند مرضى السكري مهمة تتطلب الدقة والتعقيم الجيد، يتم البدء بتنضير وتنظيف حواف الجرح بشكل جيد ومن ثم غسل الجرح بالمحلول الملحي وتعقيمه بشكل جيد، يُنشف بعد ذلك ويُلف بضماد معقم. ينبغي تبديل الضماد كل يوم مع الحفاظ على جفاف المنطقة وإبعادها عن الماء وتبديل الضماد في حال تعرضه له أو عند التعرق الشديد.
أما عند إصابة الجرح بالإنتان، عندئذ يلزم تناول جرعات عالية من الصادات الحيوية بشكل مكثّف، حتى لا يصل الإنتان إلى العظم، إذ إن وصول الإنتان للعظم يعني تجريف المنطقة وصولاً للعظم أو حتّى البتر في بعض الحالات، من أجل استئصال الإنتان بشكل تام.
يمكن أن يكون العلاج بالأوكسجين عالي الضغط مفيداً، إذ يُحسّن التعرض لمستويات عالية من الأوكسجين من إمداد الدم إلى الجرح.
اقرأ أيضاً: كيف تتم العناية بالقدمين عند مرضى السكري؟
متى يكون الجرح خطيراً لدى مريض السكري؟
معاناة مرضى السكري هي إما جروح بطيئة في الالتئام وإما جروح لا تلتئم إطلاقاً، وترفع الراية الحمراء عند تطور الإنتان في الجرح أو انتشار الإنتان إلى مناطق أبعد من الجسم وعند عدم تلقي رعاية طبية طارئة وإهمال الجرح، عندئذ يكون الإنتان مهدداً للحياة أو حتى مميتاً.
كما تزداد خطورة الإصابة بالجروح عند مرضى السكري في حال ترافقت مع ضعف في تعرّق المنطقة أو جفاف وتشقق الجلد بشكل كبير أو حدوث التهاب في أظافر القدم.
ومن مضاعفات الإصابة بالجروح حدوث اعتلال في الأعصاب والأوعية الدموية وانتشار الإنتان إلى العضلات والعظام وحدوث "التهاب العظم والنقي"، وقد يصل الأمر إلى انتشار الإنتان إلى مجرى الدم وحدوث إنتان دم شامل وفشل في الأعضاء، كما قد تتطور الغرغرينا في حال أُهمل الجرح ولم يعالج، إذ تعتبر الغرغرينا السبب الأكثر شيوعاً لبتر الأطراف عند مرضى السكري.
كيف يؤثر كلٌّ من العسل والكركم والأعشاب وضبط الإنسولين على التئام الجروح؟
فوائد العسل مثبتة في علاج الحروق والجروح والقروح المصابة وغير القابلة للشفاء لما له من خصائص مضادة للالتهاب، كما يمكن للمادة اللزجة التي يصنعها نحل العسل أن تعالج جروح السكري كما تساعد في منع تطور الحالة ومنع بتر الأطراف.
كما تعتبر مستخلصات الكركم والزعتر البري مفيدة لتضميد الجروح، حيث يوفر هذا المزيج تركيبة جديدة واعدة لعلاج الجروح بخواصه المضادة للجراثيم والالتهاب والأكسدة.
من جهة أخرى، تؤدي بعض الأعشاب دوراً في تسريع التئام الجروح مثل عشبة "الرحمانية" (Radix Rehmanniae) التي تساعد في تجديد الأنسجة وتكوين الأوعية ومحاربة الالتهاب، وعشبة "أنونا سكواموزا" التي تحتوي على نسبة عالية من الفينول الذي يعزز تخليق الكولاجين، وعشبة "كتارنتوس وردي" (Catharanthus roseus)التي تزيد من معدل اندمال النسيج الظهاري.
اقرأ أيضاً: ما الأغذية التي تساعد في علاج انخفاض سكر الدم؟
يؤدي الإنسولين دوراً حيوياً في التئام الجروح نظراً لأنه هرمون وعامل نمو يعزز من استعادة وإصلاح الجلد التالف، ولأنه متوفر وبتكلفة منخفضة، يقوم مقدمو الرعاية الصحية بدمج الإنسولين في ضمادات الجروح كأحد العلاجات المرغوبة لتسريع التئام الجروح.
يعتبر البيتادين، أو ما يُسمى بـ"البوفيدون"، المعقّم والمطهر الأفضل لتعقيم جروح مرضى السكري، فهو يحتوى على اليود بنسبة 0.9-0.12%، الذي يقتل العوامل الممرضة من خلال اختراق جدارها وتخريب البروتينات والأحماض النووية الخاصة بها، كما له دور في تسريع شفاء الجروح.