فقر الدم المنجلي هو أحد أكثر اضطرابات الدم الوراثية انتشاراً بنسبة عالية في حوض البحر الأبيض المتوسط، يؤثّر فقر الدم المنجلي في شكل خلية الدم الحمراء التي عادةً ما تكون مستديرة ومرنة وقادرة على المرور بسهولة ضمن الأوعية الدموية دون أن تتكسر. لكن يتبدل شكل كرية الدم من المستدير إلى الهلالي في فقر الدم المنجلي، ويصبح غشاء الكرية صلباً وأكثر لزوجة، الأمر الذي يبطئ أو يمنع تدفق الدم عبر الأوعية الدموية إلى أعضاء الجسم.
اقرأ أيضاً: ما هو داء الكريات المنجلية؟
لفقر الدم المنجلي مضاعفات معيقة للحياة؛ من نوب الألم الحادة إلى تلف الأعضاء، لهذا السبب يكون عمر مرضى فقر الدم المنجلي أقصر بشكلٍ ملحوظ من أعمار المصابين بباقي أنماط فقر الدم، حيث تفارق نسبة كبيرة من المرضى الحياة قبل بلوغهم سن الرشد في حال أُهمل التدبير. ولا مناسبة أفضل من اليوم العالمي لفقر الدم المنجلي الذي يوافق 19 حزيران/ يونيو لتسليط الضوء وزيادة الوعي حول هذا الاضطراب الوراثي.
ما أعراض فقر الدم المنجلي؟
نظراً لأنه اضطراب وراثي، تبدأ أعراض وعلامات فقر الدم المنجلي بالتظاهر بدءاً من سن الـ 6 أشهر، وهي تختلف من شخصٍ لآخر اعتماداً على ما إذا كان حاملاً للمرض أو مصاباً به. حيث يُشفر لهيموغلوبين حامل المرض بـ (HbA HbS) أي أنه حامل للهيموغلوبين الطبيعي والهيموغلوبين المنجلي، بينما يُشفر لهيموغلوبين المصابين بفقر الدم المنجلي بـ (HbS HbS)، أي تكون سلسلة الهيموغلوبين المنجلي صافية، وبذلك تتباين الأعراض تبعاً لشدة الإصابة. ومن أبرز أعراض فقر الدم المنجلي نذكر:
- التعب الناجم عن انخفاض في هيموغلوبين الدم: حيث تنحل الخلايا المنجلية بسهولة خلال 10-20 يوماً، بينما تعيش خلية الدم الطبيعية 120 يوماً بشكلٍ وسطي، ما يؤدي إلى نقص عدد خلايا الدم الحمراء وبالتالي لا يستطيع الجسم الحصول على ما يكفي من الأوكسجين والمغذيات فيحدث التعب عند ممارسة أي مجهود بسيط.
- نوب الألم الحاد: من الأعراض الرئيسية لفقر الدم المنجلي، ويتطور الألم عندما تمنع كريات الدم الحمراء المنجلية الدم من التدفق عبر الأوعية الدموية الدقيقة إلى الصدر والبطن والمفاصل.
- تورم اليدين والقدمين: نتيجة لضعف الدورة الدموية في اليدين والقدمين.
- الإنتانات المتكررة: تتسبب خلايا الدم المنجلية في تلف الطحال، ما يزيد من احتمال الإصابة بالإنتانات لأن الطحال أحد أعضاء الجهاز المناعي. لهذا ينبغي على الأطفال المصابين بفقر الدم المنجلي أخذ اللقاحات بشكلٍ منتظم، وعدم إهمال تناول الصادات الحيوية في أثناء المرض.
- تأخر النمو والبلوغ: يتجلى الدور الرئيسي لكريات الدم الحمراء بنقل الأوكسجين والمواد المغذية اللازمة للنمو، لهذا يؤدي نقص عدد كريات الدم الحمراء عند الأطفال إلى إبطاء عملية النمو، وعند البالغين إلى تأخر حدوث البلوغ.
- اضطرابات الرؤية: تسد كريات الدم المنجلية الأوعية الدموية الدقيقة التي تغذّي العين، ما يؤدي إلى تلف الشبكية وحدوث اضطراب في الرؤية.
اقرأ أيضاً: ما أنواع فقر الدم وكيف يُعالج كل منها؟
مضاعفات فقر الدم المنجلي
يؤدي فقر الدم المنجلي إلى مجموعة من المضاعفات على رأسها:
- السكتة الدماغية: إذ يمكن أن تمنع الخلايا المنجلية الدم من التدفق إلى منطقة من الدماغ. ويُستدل على حدوث السكتة الدماغية من حدوث ضعف أو تنميل في الذراعين والساقين وصعوبة الكلام وفقدان الوعي، وهي حالة إسعافية تتطلب الاستشفاء.
- متلازمة الصدر الحادة: يمكن للإنتانات الرئوية أو لزوجة الخلايا المنجلية التي تسد الأوعية الدموية أن تسبب متلازمة الصدر الحادة عند مرضى فقر الدم المنجلي، وهي حالة مهددة للحياة تتظاهر بألم في الصدر وصعوبة في التنفس وارتفاع في درجة حرارة الجسم.
- ارتفاع التوتر الشرياني الرئوي: حيث يشير حدوث ضيق التنفس والإرهاق عند القيام بالأنشطة البسيطة إلى ارتفاع التوتر الشرياني الذي قد يكون قاتلاً على المدى الطويل.
- ضخامة الطحال: يُلقب الطحال بمقبرة الكريات الحمراء، أي أنه يقوم بالتخلص من الخلايا الحمراء الشاذة، وفي حالة فقر الدم المنجلي ثمة نسبة كبيرة من الكريات الحمر الشاذة، لهذا يتضخم الطحال نتيجة الإفراط في العمل ليخلص الدم منها. وهذا بدوره يؤثّر في نسب هيموغلوبين الدم، ففي حالة مرضى فقر الدم المنجلي، وجود كريات حمر شاذة تقوم بشيء من العمل أفضل من تخليص الجسم من معظم الكريات الحمر. لهذا يتم استئصال الطحال في حال تضخم إلى درجة كبيرة أو عند نقص هيموغلوبين الدم الحاد.
- العمى: نتيجة انسداد الأوعية الدموية التي تغذّي العين لفترة طويلة مؤديةً إلى موت الخلايا البصرية.
- تقرحات الساق.
- حصيات المرارة: ينجم عن انحلال الدم وتكسر كرياته تحرر البيليروبين، والذي تؤدي مستوياته المرتفعة في الدم إلى تشكيل حصوات مرارية.
اقرأ أيضاً: علاج جيني يُلغي الحاجة لنقل الدم المتكرر عند مرضى الثلاسيميا
ما أحدث علاجات فقر الدم المنجلي؟
يهدف علاج فقر الدم المنجلي إلى تجنب نوب الألم وتخفيف الأعراض والوقاية من المضاعفات.
العلاج الدوائي لفقر الدم المنجلي
أكثر علاجات فقر الدم المنجلي شيوعاً هي الدوائية، وأهمها دواء هيدروكسي يوريا (Hydroxyurea) الذي يقلل من تكرار النوب الألمية ومن الحاجة إلى نقل الدم والاستشفاء، ولكنه بالمقابل قد يزيد من خطر الإصابة بالإنتانات ولا يجوز للحوامل تناوله.
يُستخدم دواء فوكسلوتور (Voxelotor) لدى الأطفال الذين تجاوزوا 12 عاماً، ويتجلى دوره الرئيسي بتحسين أعراض فقر الدم وتدفق الدم عبر الأوعية الدموية، ما يقلل بدوره من نوب الألم وتلف الأعضاء.
ومن أحدث الأدوية المطروحة التي وافقت عليها إدارة الغذاء والدواء الأميركية دواء كريزانليزوماب أو ما يُعرف بـ أداكفيو (Adakveo) الذي يعطى عن طريق الحقن لتقليل تواتر نوب الألم لدى البالغين والأطفال الأكبر من 16 عاماً، حيث يعمل على تقليل ومنع التصاق كريات الدم الحمراء بجدران الأوعية الدموية.
كما وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على دواء آخر هو غلوتامين-ل (Glutamine-L) -الذي ما زال في المرحلة الثالثة لتجاربه السريرية- كعلاج لمرض فقر الدم المنجلي. تتجلى آلية عمله بجعل الخلايا المنجلية أكثر صحة؛ فكما ذكرنا تكون الخلايا المنجلية أكثر عرضة لتلف الأكسدة والموت مقارنة بكريات الدم الحمراء السليمة، ولكنها بالوقت نفسه تتمتع بقدرة على صنع واحدة من أكثر المواد المضادة للأكسدة فاعلية مثل الجلوتاثيون المختزل و NAD وNADP بالإضافة إلى أكسيد النيتريك. إلّا أن المشكلة تكمن بأن كرية الدم المنجلية لا تملك المواد الخام لتحقيق ذلك، لهذا كان الهدف من هذا الدواء إعطاء كرية الدم المنجلية ما تحتاج إليه لإنتاج هذه المواد المضادة للأكسدة التي تقلل من لزوجة الكريات الحمر، وبدورها تقلل الالتصاق بجدران الأوعية الدموية، وبالتالي تجلط الدم والسكتات الدماغية ونوب الألم الحادة.
علاجات أخرى لفقر الدم المنجلي
من العلاجات الأخرى زرع نقي العظم ونقل الدم، إذ يوفّر نقل الدم تحسناً مؤقتاً في الحالة العامة للمريض، عن طريق رفع نسبة كريات الدم الحمراء الفعّالة، ولكنه ليس حلاً طويل الأمد. أمّا بالنسبة لزرع نقي العظم من شخص ذي معقد توافق نسيجي متطابق غير مصاب بأحد الأمراض الدموية، ومعقد التوافق النسيجي هو المعيار الذي يُحدد فيما إذا كان نسيجان متطابقان ولا يحرضان الجهاز المناعي إن تم نقل أحدهما لجسم النسيج الآخر، فهو يساعد على توليد كريات دم حمراء فعّالة.
اقرأ أيضاً: هل يتحقق حلم نقل دم اصطناعي إلى البشر أخيراً؟
كما يتضمن العلاج الجيني إمّا استبدال الجين المعيب المولد للهيموغلوبين بآخر طبيعي وإمّا إضافة جين جديد يُنتج هيموغلوبيناً طبيعياً باستخدام تقنية كريسبر للتعديل الجيني. وفيه يأخذ الباحثون دم المصاب أو نقي عظمه ويتم تعديل الخلايا الجذعية في المختبر باستخدام العلاجات الجينية، وتُنقل الخلايا إمّا إلى مجرى الدم وإمّا تُزرع في نقي العظم، لتنتج كريات دم حمراء سليمة.