هل تستطيع تخيل شخص قد يموت من عطشه وأمامه كأس ماء يرويه لكنه لا يستطيع شربه؟ تشبه هذه الحالة مريض الربو، إذ يكون محاطاً بالهواء لكنه لا يستطيع التنفس أو يتنفس بصعوبة، وللأسف ينتشر هذا المرض انتشاراً كبيراً؛ فتبعاً لمنظمة الصحة العالمية، يؤثر الربو على أكثر من ربع مليار شخص حول العالم حسب إحصائية عالمية جرت عام 2019، وتسبب في ذلك العام بوفاة نحو 455,000 شخص، ولهذا السبب هناك العديد من الأبحاث لمعرفة الآليات الفيزيولوجية لحدوث الربو والتحقيق بأسباب حدوثه لإيجاد العلاجات المناسبة له.
يعد الربو مرضاً متعدد العوامل، أي يتأثر بالمحفزات البيئية والمورثات الخاصة بالشخص، لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فهناك أكثر من 100 مورثة مرتبطة مع حدوث الربو، وهي متوزعة على 22 كروموسوم لدى الإنسان، فإمكانية حصر الربو الوراثي صعبة بل تبدو شبه مستحيلة، لكن بفضل تطور المعلوماتية الحيوية ودراسات الجينومات الكاملة، أصبح لدينا تصور أفضل عن الربو الوراثي وكيفية تشخيصه وعلاجه، سنذكرها في هذا المقال.
اقرأ أيضاً: دليلك المبسط للتعرف على مرض الربو
أسباب الربو الوراثي
لا يحدث الربو بشكل عفوي، بل هو بحاجة لمحفزات تنشط حدوثه، وتختلف هذه المسببات تبعاً لحالة كل شخص، ومن أهمها ما يلي:
- الالتهابات: مثل نزلات البرد والإنفلونزا.
- الحساسية: وتشمل مسبباتها حبوب اللقاح أو عث الغبار أو فرو الحيوانات أو الريش والصراصير وغيرها، وقد يتأثر مريض الربو بواحدة منها دون الأخرى أو بها جميعاً.
- التعرض لملوثات جوية: أي الدخان والأبخرة والغازات والروائح القوية.
- تناول بعض الأدوية: وخاصة المسكنات المضادة للالتهابات مثل الإيبوبروفين والأسبرين.
- العواطف والانفعالات: بما في فيها التوتر أو الضحك.
- تغيرات الطقس: كالرياح والبرودة بشكل خاص.
وعندما يتعرض شخص لديه أُهبة وراثية للإصابة بالربو إلى أحد العوامل السابقة، سوف يحصل تفاعل فيزيولوجي يؤثر على العضلات الملساء المحيطة بقصيبات الرئتين ما يمنع الهواء من المرور، ويجعل من التنفس أمراً صعباً، فيشعر الشخص بالضيق والاختناق، ولتوضيح الأمر تخيل الرئتين كأنهما بالون وقمت بربطهما بخيوط متينة وشددتها عليها، فمهما حاولت النفخ في هذا البالون لن ينتفخ كما يجب ولن يستوعب كمية كافية من الهواء، وذلك بالإضافة لتورم الشعب الهوائية وإفراز المخاط الذي يفاقم الانسداد.
تشخيص الربو الوراثي
يتطلب القيام بتشخيص الربو القيام بالأمور التالية:
- التحدث عن الأعراض التي تعاني منها للطبيب، وذكر الأمور التي تثير النوبات لديك، وطول النوبة عند حدوثها.
- يسأل الطبيب عن وجود شخص في الأسرة مصاب بالربو، لمعرفة إن كان الربو وراثياً أم مكتسباً.
- السؤال عن مسببات الحساسية، وإجراء اختبار التحسس.
- الفحص بسماعة الطبيب إلى صدرك لرصد أصوات صفير أو خرير غير طبيعي، لأن الربو والالتهابات الرئوية تسبب زيادة في إفراز المخاط، ما يحدث هذه الأصوات.
- استخدام موسع قصبي ومراقبة التحسن.
- القيام باختبارات الدم لمعرفة معدلات الكريات البيض الحمضية، ومستوى [tooltip content="نوع من الأضداد المناعية المنشط لإفراز الهيستامين الذي يظهر كرد فعل تحسسي، وهو أيضاً مفيد في عملية مكافحة الطفيليات والديدان، حيث يتواجد بتركيزات عالية في هذه الإصابات." url="https://popsciarabia.com/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9/%d8%a7%d9%84%d8%ba%d9%84%d9%88%d8%a8%d9%88%d9%84%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%b9%d9%8a-ige/" ]الغلوبولين المناعي (IgE)[/tooltip] المرتبط بالربو التحسسي.
- التصوير بالأشعة السينية للصدر.
- القيام باختبار العكوسية وهو أحد اختبارات التنفس، ويستخدم لتأكيد تشخيص الربو ومعرفة شدته، ويتضمن المراحل التالية:
- الجلوس بوضعية راحة وخلع الملابس الضيقة التي تعيق التنفس.
- سحب أكبر كمية من الهواء في الشهيق.
- النفخ في جهاز يدعى السبيرومتر بأقوى ما لديك، وتكرار الشهيق والزفير بأقصى حد لعدة مرات.
- يتم إعطاء جرعة من موسع قصبي مثل السالبوتامول، وفي حال كانت لدى الشخص حساسية منه، فهناك أنواع أخرى يمكن استخدامها.
- إعادة الاختبار السابق بعد أن يأخذ الدواء مفعوله.
- يتم تسجيل قيم معدل وحجم الهواء في الرئتين، وفي حال ازداد حجم الهواء بعد أخذ الموسع القصبي، يمكن تشخيص الحالة على أنها ربو.
أما بالنسبة للجينات المرتبطة بالربو، فهناك بعض الجينات العامة التي يمكن استخدامها كمؤشرات للربو الوراثي ومنها (ADAM33) و(VDR) و(DPP10)، ومن خلال دراسات الجينوم الشاملة (GWAS) أمكن الربط بين الطفرات بهذه الجينات وشدة الربو ونمطه.
ما يثير الاهتمام هو ارتباط بعض الطفرات مع زيادة احتمالية الإصابة بالربو في بعض البلدان، بينما تكون نفس تلك الطفرات عوامل حماية من الإصابة بالربو في بلدان أخرى وذلك بحسب بحث نشره نصرت سابا وزملاؤه في دورية أبحاث الربو والممارسات الطبية عام 2018، وقد يكون السبب في ذلك وجود اختلاف في البيئات ضمن البلدان المقارنة، واختلاف النمط الغذائي ومستوى التلوث وغيرها من الأمور، وذلك يعود إلى ارتباط الربو بالعوامل الوراثية والبيئية وتفاعلاتها.
اقرأ أيضاً: ما هي أضرار التدخين السلبي وكيف تساعد من يهمك أمرهم في الإقلاع عن التدخين؟
علاج الربو الوراثي
لا يمكننا القول إن هناك علاجاً تاماً للربو الوراثي، وذلك لأن حالة الربو متأصلة داخل خلايا الجهاز التنفسي، لكن يمكن تدبير الحالة المرضية للربو من خلال التدخل الدوائي لتخفيف أثر هجمات الربو بالموسعات القصبية سريعة المفعول ومنها ما يلي:
- أجهزة الاستنشاق بالجرعات المحددة (MDIs).
- أجهزة الاستنشاق بالمسحوق الجاف (DPIs).
- أجهزة الاستنشاق بالرذاذ الناعم (SMIs).
وأفضل ما يمكن للمريض عمله هو تجنب محفزات الربو، لأنه من دون وجود المسببات لن تحدث هجمات الربو أو ستكون خفيفة ومحدودة، ومن المفيد مراجعة الطبيب باستمرار وأخذ الأدوية المضادة للحساسية في بعض الحالات، ويجب على مريض الربو الاحتياط وإبقاء جهاز الاستنشاق معه دائماً دون إهماله.
حقائق متنوعة عن الربو
من أهم الحقائق عن الربو ما يلي:
- يعيش المصابون بالربو مدة حياة طبيعية، إن التزموا بالمتابعة الصحية لحالتهم.
- يزداد احتمال الإصابة بالربو لدى سكان المدينة بشكل أكبر من سكان الأرياف.
- تعد احتمالية توريث الربو أعلى عندما تكون الأم مصابة مقارنة بالأب.
- تمتلك أستراليا أعلى معدل إصابة بالربو السريري في العالم.
- تم إثبات وجود تفاعل بين البيئة والموروثات في مرض الربو عن طريق دراسة التوائم، إذ اختلف وجود المرض لديهم بوجود أو غياب المحفزات لدى كل منهما.
- يمكن أن يؤدي إهمال الربو وعدم علاجه إلى دخول المستشفى وفشل الجهاز التنفسي والوفاة.
اقرأ أيضاً: حقيقة وليس تكهنات: موسم الحساسية يبدأ مبكراً بسبب المناخ
على الرغم من انتشار الربو وتفاقمه بسبب الأزمات البيئية الحالية، لكن الجهود الطبية مستمرة لعلاجه، وتطورت عدة حلول يتم تجريبها بشكل رئيسي في مجال الطب الشخصي الذي يسعى لعلاج كل حالة بحسب حاجتها وخصوصيتها.