تدور أحداث الفيلم الجديد «سقوط القمر» (Moonfall)، وكما يوحي اسمه، حول خروج القمر من مداره بشكلٍ غامض محدثاً فوضى عارمة على الأرض. وهو نوع من أفلام الأكشن ذات الميزانية الكبيرة، ولكنه يطرح أسئلة سخيفة من قبيل ماذا لو فقدت الأرض غلافها الجوي فجأة وبدأ الأكسجين بالتسرب إلى الفضاء كما يتسرب الهواء من الوسادة؟ أو ماذا لو كان القمر عبارةً عن سلاحٍ تكنولوجي يستخدمه الغرباء؟ هل تستطيع حكومة الولايات المتحدة إيقاف كارثة كونية وشيكة بإطلاق قنبلة نووية عليها؟
لكن الفيلم يطرح أيضاً تحدياً يتعين على رواد الفضاء الحقيقيين والأطباء المتخصصين بالطيران مواجهته كل يوم: ماذا سيحدث إذا ما أصيب المرء بالإسهال في الفضاء؟
في الواقع، لا يعالج الفيلم أي من حالات الاضطراب المعوي التي يمكن أن تحدث خارج كوكب الأرض، لكنه ينطوي بالفعل على فكرة المؤامرة حول رائد فضاء هاوٍ مصاب بمتلازمة القولون العصبي (IBS)، والذي يجد نفسه في الفضاء دون أن يكون هناك حمّام لقضاء حاجته.
Is it that easy to become an astronaut? Ask @johnbradleywest. pic.twitter.com/brnT9kHG2t
— Moonfall (@MoonfallFilm) January 21, 2022
تقول ميكا ماكينون، عالمة الجيوفيزياء وباحثة الكوارث التي تعمل كمستشارة علمية للفيلم، إن اضطرابات المعدة لا تمثل مشكلةً على متن محطة الفضاء الدولية، وتضيف: «لا تعد متلازمة القولون العصبي معياراً محدداً لترشيحك لتصبح رائد فضاء».
ضرورة إجراء فحص طبي دقيق لرواد الفضاء
ويؤكد جراح الطيران في ناسا جوزيف شميد، الذي يعتني بصحة رواد الفضاء على الأرض وأثناء تواجدهم في المدار، أن برنامج الفضاء مجهز للتعامل مع مجموعة كاملة من مشاكل التغوط: «هناك الكثير من الأشخاص الذين لديهم مشاكل. وهناك شيء أذكره من تدريبي الطبي، وهو أنه من الطبيعي ألا يتم أحياناً تقييم المرء طبياً على أكمل وجه. في معظم الحالات، نبذل جهدنا مع الأعضاء الآخرين في الفريق الطبي ببساطة لمنح رائد الفضاء المرشح الرعاية الطبية التي يحتاجها للتعامل مع المشكلة».
في الواقع، حتى رواد الفضاء الأصحاء قد يعانون من اضطرابات الجهاز الهضمي تماماً مثل مرضى القولون العصبي على الأرض.
تتسع محطة الفضاء الدولية عموماً لستة أو سبعة من أفراد الطاقم الدوليين في نفس الوقت (على الرغم من أن عددهم يصل إلى 13 فرداً أحياناً)، ويتشاركون جميعاً مرحاضاً واحداً أو اثنين يعملان بالشفط.
يتم تحديد «وقت النظافة» بشكل صارم- مثل أي شيء آخر يفعله رائد الفضاء- لتجنب الازدحام، الأمر الذي يمكن أن يسبب إجهاداً لرواد الفضاء الجدد إلى حد ما. ويقول بعض رواد الفضاء إنه على الرغم من التأثيرات الغريبة التي يمكن أن يحدثها انعدام الجاذبية على السوائل (والمواد الصلبة) التي في أمعائهم، إلا أنهم ما يزالون يشعرون بنفس الرغبة في الذهاب إلى الحمام تماماً كما هي الحال على الأرض. يقول شميد موضحاً: «يمكن لرواد الفضاء أخذ استراحة حمام ضرورية بعد إنهاء مهامهم مبكراً، إذ لا يتوقع أحد منهم أن بإمكانهم الالتزام بجدول زمني صارم للذهاب إلى الحمام. ستكون المهام اليومية الموكلة إليهم في الأيام الأولى من تواجدهم في المدار محدودة، لذلك لديهم الحرية في الذهاب إلى الحمام حسب رغبتهم (وحتى تجاوز الوقت المخصص لزملائهم)».
ويضيف شميد: «أحد الأشياء التي أسألها لهم كل يوم عندما يصلون إلى المدار هي «كيف تأكل»، والشيء الآخر«كيف تسير وظيفة الحمّام؟»، لأنني أعلم أنهم إذا لم يكونوا مصابين بالإمساك، فإنهم قد استقروا بشكل جيد وهم بخير».
اقرأ أيضاً: ماذا سيتعلم رواد الفضاء من السبات الشتوي عند السناجب؟
لا يعد الإسهال السيناريو الأكثر شيوعاً
مثل أي موقف مرهق، يمكن أن يسبب السفر إلى الفضاء اضطرابات هضمية. لكن الإمساك أكثر شيوعاً من الإسهال، ربما لأن الجاذبية متناهية الصغر تضع الجهاز الهضمي في وضعية غريبة. ويعد الجفاف، الذي يمكن أن يزيد من احتمال الإصابة بالإمساك، من المشاكل الشائعة خلال الأيام القليلة الأولى في محطة الفضاء الدولية. يعرف رواد الفضاء أن الوضع الذي يجلسون فيه عند الانطلاق إلى الفضاء- مع وضع أقدامهم على مستوى القلب- يتسبب في تجمع السوائل ويؤدي إلى زيادة الرغبة التبول، وهو أمر يحاولون غالباً تجنبه عن طريق تقليل الشرب.
في الحقيقة، لا يمكننا لوم رواد الفضاء على رغبتهم في البقاء جافين، ففي مركبات سويوز للإطلاق مثلاً، يتعين على رواد الفضاء التبول في ملابس وواقياتٍ ذكرية عالية الامتصاص.
أثناء عمليات الإطلاق، يتغوط رواد الفضاء إذا ما اضطروا إلى ذلك في دلوٍ صغير به كيس بلاستيكي ثلاثي الطبقات (كان الأمر أسوأ في مهمات أبولو، حيث كان على أفراد الطاقم لصق الأكياس البلاستيكية مباشرة بأعقابهم والتعامل مع الغائط بأيديهم مباشرةً ودفعه في الكيس، الأمر الذي أدى في إحدى المرات إلى حدوث فوضى على أحد الرحلات).
اليوم، يتمتع رواد الفضاء بخيار أخذ حقنة شرجية قبل الإقلاع لتقليل احتمال الرغبة بالذهاب إلى الحمام فجأة أثناء الرحلة.
لذلك، حتى إذا كنت تعاني من التبرز المتكرر وغير المريح، يمكنك دائماً اختيار بدء رحلتك الفضائية بأمعاء فارغة لتقليل الحاجة إلى التبرز.
وبمجرد أن تصل إلى المدار، ستكون في صحبة جيدة بينما تتكيف مع محيطك والمعدات الجديدة. يلتزم جميع أفراد طاقم محطة الفضاء الدولية بجدول زمني للطعام والشراب خاضع للمراقبة، ويهدف جزئياً إلى إبقائهم منتظمين، ويتم إعطاء الجميع الكثير من الإرشادات حول كيفية الذهاب إلى الحمام. يقول شميد وهو يبتسم: «يتلقى جميع رواد الفضاء تدريباً على استخدام المرحاض. يستغرق الأمر بعض الوقت طبعاً حتى تعتاد على مراحيض المحطة التي تمتص المواد الصلبة برفق في أكياس صغيرة، وجمعها والتخلص منها بانتظام».
(ملاحظة جانبية: كما يستفيض شميد وماكينون في الشرح، لا يمكن لرواد الفضاء التخلص من البراز الجاف من غرفة معادلة الضغط، لأنه من المحتمل أن يتجمع بالقرب من المركبة الفضائية ويلتصق بأسطحها الخارجية. بدلاً عن ذلك، يتم إرسالها على سفن الشحن المستعملة، والتي تتمتع بثقل كافٍ كي تصل إلى الغلاف الجوي وتحترق مثل الشهب. ناسا، كما هي دائماً، تبحث عن حلول أفضل).
اقرأ أيضاً: كيف يستمتع رواد الفضاء بوقتهم؟
صعوبة التشخيص
في بعض الحالات، من الأسهل علاج رائد فضاء يعاني من مشاكل المعدة المعروفة، إذ أن شميد قد يحتاج شهوراً وحتى سنوات لمعرفة أفضل السبل لعلاج أعراضها إذا لم يتمكن من تشخيصها في البداية. يقول في هذا الصدد: «يمكنني أن أرسل لهم مكمل الألياف المفضل لديهم، أو وصفات محددة، ولدينا أدوية هنا على السفينة يمكنني أن أصفها لهم بناءً على أعراضهم. ولكنني أجد صعوبة أحياناً في تشخيص أعراضهم بدقة».
وحتى الأشخاص الأصحاء، يمكن أن يعانوا من اضطرابات الأمعاء في المدار. لقد رأى شميد طيارين متمرسين أصحاء جداً عانوا من آلام الغثيان خلال الأيام القليلة الأولى من الرحلة يقول وهو يبتسم: «لا يمكنني أن أكتب وصفة طبية لشخص ما وأطلب إرسالها إلى المدار ببساطة، لذلك آمل أن يكون لدي هنا ما يحتاجه الجميع».
أجد صعوبة أحياناً في تشخيص الأعراض التي يعاني منها رواد الفضاء بدقة جوزيف شميد، جراح طيران في وكالة ناسا يعالج حالات الاضطراب المعوي لدى رواد الفضاء
وفقاً لتقرير المخاطر الذي نشره مشروع الأبحاث البشرية التابع لوكالة ناسا في عام 2016، فقد سُجلت العديد من حالات الإسهال المنسوبة إلى أسباب مختلفة أثناء الرحلات الفضائية.
ويعتبر التقرير أن اكتشاف كيفية احتواء البراز الرخو لتجنيب رواد الفضاء الآخرين التعرض للخطر، وكذلك كيفية التعامل مع التجفاف واختلال توازن الشوارد في الجسم الذي غالباً ما يصاحب نوبات الإسهال المزمنة، أولوية قصوى قبل إطلاق الرحلات القمرية والقريبة من الأرض في المستقبل. تلمح الوكالة إلى الملابس عالية الامتصاص كحل ممكن، ما يجعل الرحلة إلى القمر تبدو أقل إثارة إلى حد ما.
اقرأ أيضاً: ناسا تحدد الأهداف العلمية لرواد الفضاء المستقبليين على القمر
في حين لا تظهر في فيلم «مون فول» سوى رحلة قصيرة إلى القمر الذي يخرج من المدار (من المؤكد أن رائد الفضاء الذي يظهر في المشهد والمصاب بمتلازمة القولون العصبي سوف يعلق في إحدى تلك الأكياس البلاستيكية)، تأمل ماكينون أن تلهم النكتة المشاهدين لاستكشاف حقائق التاريخ الرائع والمضحك لمراحيض الفضاء
وتقول ماكينون: «عندما تقدم الاستشارات العلمية، تطرح الكثير من الأفكار على الكُتاب، ولا تعلم أيها سيختارون. لقد سُعدت كثيراً بالإشارة اللطيفة، ولو بشكلٍ محدود، إلى مشكلة التبرز في الفضاء».