على الرغم من وجود الشمس والرمال والأمواج وأجواء الاستجمام المثالية، وغياب المسؤوليات والتفرغ التام للاستمتاع بكل ذلك، تجد نفسك بطريقة ما، بعد قضاء يوم كامل من البهجة والنعيم بعيداً عن أعباء الحياة، مرهقاً تماماً. فما هو السبب؟ إذا كان من المفترض أن يكون استنشاق هواء البحر منعشاً، فلماذا قد ينتهي المطاف بيوم هادئ على الشاطئ إلى الشعور بتعب شديد؟ لا توجد إجابة واحدة أكيدة، لكن العلم يحمل في جعبته بعض التفسيرات المحتملة.
اقرأ أيضاً: هل يمكن لحرارة الصيف أن تزيد حرق الدهون في الجسم؟
الحرارة قاسية على الجسم
عادة ما نكون في ذروة فصل الصيف عندما نختار قضاء أيامنا على شاطئ البحر، وهذا يعني قضاء ساعات في الأجواء الحارة. يقول عالم الفيزيولوجيا وأستاذ الطب الباطني في المركز الطبي التابع لجامعة جنوب غرب تكساس، كريغ كراندال، لمجلة بوبيولار ساينس: "يجب أن يتمتع البشر بالقدرة على تنظيم درجة حرارة أجسامهم. لو لم نمتلك هذه القدرة، لكنا كالسحالي". وعلى عكس نظرائنا من رباعيات الأرجل المتقشرة، تتطلب أساسيات تكويننا الفيزيولوجي أن تبقى درجة حرارتنا الباطنية قريبة من 37 درجة مئوية. فإذا ارتفعت درجة الحرارة كثيراً، تبدأ أجهزة الجسم التي تبقينا على قيد الحياة في الانهيار.
يتطلب الحفاظ على درجة حرارة ثابتة للجسم جهداً كبيراً. نحن نعلم أن الحفاظ على برودة الجسم في بيئة حارة يتطلب طاقة إضافية، لأن الأشخاص الذين يتعرضون للحرارة يستهلكون كمية أكبر قليلاً من الأوكسجين، على حد قول كراندال. ويشير ارتفاع استهلاك الأوكسجين إلى بذل المزيد من الجهد الخلوي. وإذا ازداد هذا الاستهلاك على مدى ساعات، يمكن أن يعادل ذلك قدراً كبيراً من الجهد. ونتيجة لذلك، ثمة تأثير على القلب.
إحدى الطرق الرئيسية التي لدينا للتبريد هي زيادة تدفق الدم بالقرب من الجلد. وبافتراض أن درجة حرارة الهواء أقل من درجة حرارتك الباطنية، فإن الدم الذي يجري بالقرب من سطح الجلد سوف يفقد الحرارة جراء نقلها إلى الهواء. لكن هذا يعني أن على القلب أن يعمل بجهد أكبر لضخ المزيد من الدم إلى أرجاء جهاز الدورة الدموية. يقول كراندال: "إذا كان معدل ضربات القلب لدى شخص ما في أثناء الراحة 60 [في درجة حرارة الغرفة]، فمن المحتمل جداً أن يرتفع معدل ضربات القلب إلى 100 أو 110 نبضات في الدقيقة في ظروف الحرارة المرتفعة".
ويوضح أن هذا أحد الأسباب الرئيسية لخطورة درجات الحرارة المرتفعة جداً على مرضى القلب. ومن ناحية أخرى أقل أهمية، قد يكون الإعياء على الشاطئ، جزئياً، نتيجة ثانوية لكل هذا الجهد الإضافي اللاواعي.
لا تستبعد الجفاف
الطريقة الرئيسية الأخرى التي تتخلص بها أجسامنا من الحرارة هي التعرق. وعندما تلعب أو تستلقي تحت أشعة الشمس فترات طويلة، فمن شبه المؤكد أنك تفقد الكثير من الماء نتيجة تعرق جسمك. ومن المحتمل أنك لا تشرب ما يكفي من السوائل لمواكبة ذلك.
يقول كراندال: "الترطيب مهم للغاية. فعندما تصاب بالجفاف، تظهر عليك أعراض لا تختلف كثيراً عن أعراض الإجهاد الحراري. حيث ستشعر بالإرهاق". وقد أظهرت الأبحاث، بما في ذلك تجربتان عشوائيتان مضبوطتان على الأقل، أنه حتى الجفاف الخفيف يمكن أن يؤدي إلى تغيرات في المزاج واليقظة والأداء الإدراكي لدى الأشخاص الأصحاء.
أضف إلى هذا الجفاف حقيقة أن العديد من الأشخاص على الشاطئ يفضلون شرب الكحول -في عدد كبير من البلدان التي تسمح بذلك- على شرب الماء، وستتفاقم المشكلة. فالكحول مدر للبول، لذا -اعتماداً على قوة المشروبات التي تتناولها- يمكن أن يؤدي تناول الكحول إلى فقدان كمية من السوائل أكثر مما تكتسبه من كل مشروب. كما يشير كراندال إلى أن التسمم المصاحب يمكن أن يجعل من الصعب أيضاً التعرف على الأعراض المبكرة للجفاف والإجهاد الحراري، ما يؤدي إلى تفاقم الانهيار النهائي.
حركة أكثر مما تتوقع
قد يوفر الشاطئ فرصة مرحباً بها للاستراحة من عناء العمل المعتاد. ولكن في كثير من الحالات، ينطوي الاسترخاء على قدر مضلل من النشاط. عليك أن تجد مكاناً مناسباً للراحة، وهذا يعني على الأرجح المشي مسافة لا بأس بها وجر مبرد ومظلة خلفك. بالإضافة إلى أنك تتحرك على الرمال، ما يجعل كل حركة تؤديها أصعب مما لو كنت في مكان آخر. ربما تقضي 10 دقائق كل ساعة وأنت في الماء أو تخوض في الأمواج. ربما أحضر أحدهم قرصاً طائراً أو كرة قدم أو شبكة مخصصة للكرة الطائرة. إذا كان لديك أطفال، فلا شك في أنك ستطاردهم في الأرجاء.
يقول كراندال: "في يوم عادي، أجلس في المكتب أمام الكمبيوتر. أما إذا ذهبت إلى الشاطئ، فإن النشاط الذي أمارسه على مدار ساعات أكبر بكثير مما أمارسه يومياً"، مضيفاً أنه يستمتع بالرياضات المائية والرملية. ويقول: "أتوقع أن أشعر بإرهاق أكبر بعد ذلك".
اقرأ أيضاً: كيف تتصرف في حال الشد العضلي أثناء السباحة؟
استجابة جسدية فطرية
حتى لو كنت تحافظ على رطوبة جسمك وترتاح وتستجم في الظل، قد يكون النعاس الناتج عن حرارة الظهيرة استجابة حيوانية قديمة مبرمجة مسبقاً. فمع أن الناس ينعمون بنوم أفضل في درجات الحرارة المنخفضة، فقد تسبب الحرارة المرتفعة النعاس أيضاً، وذلك وفقاً لدراسة أجريت عام 2022 على ذباب الفاكهة. وقد وجد البحث أن درجات الحرارة المرتفعة تحفز سلسلة من الإشارات الدماغية التي تغذي مباشرة نظام إيقاع الساعة البيولوجية لدى الذباب. من الناحية الأساسية، واستجابة لدرجات الحرارة المرتفعة، يشعر ذباب الفاكهة بالرغبة في القيلولة، وهو ما يشبهه الباحثون بالقيلولة الإسبانية. على الرغم من أنه لم يتضح بعد إن كانت الحرارة تفعل الشيء نفسه في أدمغة البشر.
ثم هناك تأثير الشمس نفسها. إذا تعرضت لحروق الشمس، فمن الثابت أن ذلك يمكن أن يسبب الإرهاق. ويشير كراندال إلى أن حروق الشمس تؤدي إلى استجابة التهابية. وإذا كانت شديدة بما فيه الكفاية، فقد يؤدي ذلك إلى ظهور أعراض الإرهاق على الجسم بأكمله، بالإضافة إلى الصداع والغثيان وحتى الحمى.
حتى مع وضع واقي الشمس بعناية وتجنب الحرق، فإن أشعة الشمس نفسها قد تشعرك بالخمول. وجدت إحدى الدراسات التي أجريت عام 2004 أن التعرض لأشعة الشمس يزيد الإرهاق الذهني خلال ممارسة الأنشطة الترفيهية. وأشارت ورقة بحثية مماثلة في عام 2021 إلى تأثيرات مماثلة بين العاملين في الهواء الطلق، بغض النظر عن الإجهاد الحراري؛ فقد أظهر العمال علامات على مستوى أعلى من التباطؤ في الإدراك وأعراض أخرى للإجهاد الحراري عندما تعرضت بشرتهم للشمس، مقارنة بالعمال الذين غطوا أنفسهم، حتى مع ثبات درجات الحرارة.
إن السبب الدقيق لحدوث ذلك غير مفهوم جيداً، لكن كراندال يشير إلى أن تعرض جلدنا لأشعة الشمس الساطعة يسبب تفاعلات كيميائية. فالتعرض لأشعة الشمس يحفز إنتاج فيتامين د. ويتكهن أن من المحتمل أن تحدث سلسلة من العمليات الكيميائية أو الهرمونية الأخرى بفعل الشمس.
اقرأ أيضاً: أيهما أفضل: السباحة في المسبح أم البحر؟
مقاومة الإرهاق؟
إذا كنت تسعى إلى تقليل فرصة الشعور بالإرهاق بعد الذهاب إلى الشاطئ، يقول كراندال إن الحفاظ على ترطيب الجسم وتجنب حروق الشمس هما أهم استراتيجيتين. كما قد يفيدك أخذ أقساط من الراحة في الظل أو قضاء بعض الوقت في الأماكن المغلقة. ولكن كما يشير كراندال، على افتراض أنك تناولت ما يكفي من الطعام وشربت ما يكفي من الماء ووضعت واقي الشمس، فإن أفضل علاج لإرهاق الشاطئ قد يكون عدم مقاومته في نهاية المطاف. يقول كراندال: "أنصحك بأن تأخذ قيلولة جيدة فحسب"، ربما تحت مظلة.