تخيل أنك تبدأ يومك وأنت تشعر بالخمول، أو تجد صعوبة في التركيز، أو حتى في اتخاذ أبسط القرارات. قد تلقي باللوم على التعب أو قلة النوم، لكن إليك سبباً بسيطاً قد لا تكون على علم به، إنه الجفاف.
يؤثر الترطيب بوظائف الدماغ، إذ بينما يساعد الترطيب الجيد في تنظيم عمل الدماغ بطريقة تجعلك تفكر بوضوح ودقة أكبر، ففي المقابل يمكن لشرب كميات غير كافية من الماء أن يضعف قدراتك الذهنية ومهاراتك المعرفية. فما الآلية التي يؤثر بها الترطيب في الدماغ؟
لماذا يحتاج دماغك إلى ترطيب مناسب كل يوم؟
يتكون دماغك من نحو 75% ماء. هذه النسبة العالية من الماء ضرورية للحفاظ على بنية الدماغ، وتنظيم درجة حرارته، وتمكين التواصل العصبي بين خلاياه. عندما تنخفض مستويات الترطيب، حتى لو مجرد انخفاضٍ بنسبة 1-2% في مستوى ماء الجسم، قد تضعف وظائف الدماغ الإدراكية، ويواجه الشخص صعوبات في التركيز والذاكرة واستقرار المزاج وسرعة رد الفعل، وهي جميعها عناصر أساسية في عمليات اتخاذ القرار. بالنسبة لشخص يزن نحو 68 كيلوغراماً، يعادل ذلك فقدان ما بين 0.68 -1.13 كيلوغرام من الماء فقط، وهو أمر يمكن تحقيقه بسهولة خلال صباح حافل دون زجاجة ماء، أو ممارسة تمرين رياضي سريع، أو حتى مجرد الجلوس في مكتب مكيف.
في دراسة حديثة نشرتها المجلة الدولية للطب الأكاديمي والصيدلة، قاس الباحثون تأثير حالة الترطيب في الأداء المعرفي وزمن رد الفعل لدى 80 شاباً وشابة تتراوح أعمارهم بين 18- 30 عاماً، قسموا إلى مجموعتين:
- مجموعة رطبة شرب أفرادها نصف لتر من الماء على الأقل قبل الاختبار.
- المجموعة الجافة: منعت من الشرب مدة 12 ساعة قبل وفي أثناء الاختبار.
استخدم الباحثون مجموعة من الاختبارات العصبية لقياس الذاكرة والانتباه وسرعة القرار، وأجروا أيضاً اختبارات تفاعل حاسوبية لقياس سرعة الاستجابة، وتوصلوا إلى ما يلي:
- انخفض أداء الذاكرة والانتباه لدى المجموعة الجافة بنسبة 15-20% مقارنة بالمجموعة الرطبة.
- تراجع زمن الاستجابة لديهم بمقدار 12-18%، ما يعني بطئاً ملحوظاً في التفاعل الذهني والعضلي.
- أبلغ أفراد المجموعة الجافة عن تعب أكبر ويقظة أقل مقارنة بالمجموعة المرطبة.
اقرأ أيضاً: الرياضة تقي الدماغ من آثار النظام الغذائي الغني بالدهون والسكر
كيف يؤثر الجفاف في وظائف الدماغ؟
لا يقتصر شرب الماء على إرواء العطش فحسب، بل هو ركيزة أساسية للصحة الإدراكية وصنع القرار الفعال، حيث يسبب الجفاف ما يلي:
- انخفاض تدفق الدم والأوكسجين: عند الإصابة بالجفاف، ينخفض إجمالي حجم الدم، فتقل كمية الأوكسجين والعناصر الغذائية الأساسية التي تصل إلى الدماغ.
- اختلال توازن الإلكتروليتات: يعد الماء ضرورياً للحفاظ على توازن الإلكتروليتات (مثل الصوديوم والبوتاسيوم) التي تحمل الإشارات الكهربائية بين الخلايا، بما في ذلك خلايا الدماغ (العصبونات). يؤدي اختلال التوازن إلى تعطيل هذه الإشارات، ما يبطئ سرعة التواصل والمعالجة.
- التغيرات الهرمونية: يحفز الجفاف إفراز هرمونات التوتر، مثل الكورتيزول، ويدخل دماغك في حالة ذعر طفيفة، مشتتاً الموارد بعيداً عن التفكير العميق.
- تعطيل عملية التخلص من الفضلات: يعتمد الجهاز اللمفاوي على الترطيب لنقل الفضلات خارج الدماغ. الجفاف يعوق هذه العملية، ما قد يؤدي إلى تراكم السموم.
اقرأ أيضاً: ريجيم الماء: كيف يعمل؟ وما فوائده؟ ومن يجب عليه تجنبه؟
هل يمكن عكس تأثير الجفاف في المهارات المعرفية؟
في دراسة قديمة نشرتها دورية بلوس ون، طلب الباحثون من الأشخاص الذين يشربون يومياً كميات كبيرة من الماء لا تقل عن 2.5 لتر في اليوم، تقليل استهلاكهم إلى لتر واحد في اليوم، والأشخاص الذين يشربون كميات تقل عن 1.2 لتر في اليوم زيادة استهلاكهم إلى 2.5 لتر في اليوم، مدة 3 أيام. توصل الباحثون إلى أن من زادوا استهلاكهم اليومي من الماء، تحسنت لديهم الوظائف الذهنية، بما فيها المزاج وانخفاض النعاس والارتباك. أما من قللوا استهلاكهم اليومي من الماء فقد سجلوا تراجعاً في المزاج، بالإضافة إلى شعورهم بالعطش والارتباك. بعبارات أخرى، إن شرب بضعة أكواب إضافية من الماء يومياً يؤدي إلى تحسن في الوظائف العقلية، بينما يؤدي نقص استهلاكه إلى أقل من 1.2 لتر يومياً إلى تراجع في القدرات الإدراكية والطاقة.
ومع ذلك، من المهم ملاحظة أنه كلما طالت فترة الجفاف كانت تأثيراته في الدماغ أطول أمداً، على الرغم من إعادة الترطيب. ففي دراسة قديمة نشرتها مجلة التغذية البريطانية، وشملت شباباً بين 20 و23 عاماً، أعطى الباحثون المشاركين حبوباً مدرة للبول، أو دواء وهمياً، مع ممارسة الرياضة.
تبين أن الجفاف الخفيف يؤثر سلباً في الإدراك، خاصة لدى النساء، حيث أظهرن أعراضاً مثل التعب والصداع، وضعف التركيز، بينما لم يلاحظ ذلك لدى الرجال، ما يشير إلى حساسية أعلى لدى النساء تجاه الجفاف. لكن لدى إعادة الترطيب، رصد الباحثون تحسناً في المزاج، إلا أنه لم يعالج التعب بعد 24 ساعة، ما يدل على أن آثار الجفاف قد تستمر حتى بعد تعويض السوائل.