هل يتسبب الجو البارد في الإصابة بنزلة برد؟

هل يتسبب الجو البارد في الإصابة بنزلة برد؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ goffkein.pro

بمجرد أن يصبح الجو بارداً في الخارج، تنتشر في الأجواء نوبات العطس والأنف المحمر والسعال الجاف، وتبدأ تحذيرات الجدة مع كل غيمة سوداء في السماء: "ارتدِ ملابس دافئة وإلّا ستصاب بنزلة برد". من هنا تأتي المقولة بأن "نزلة البرد تأتي مع البرد". لكن هل هي حقيقة أمْ أن ارتباط الطقس البارد بنزلات البرد مجرد خرافة؟ لنرَ ما يقوله العلم.

ما هي نزلة البرد؟

تعد نزلة البرد من أكثر الأمراض شيوعاً حول العالم، وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، فقد يُصاب البالغون بنزلات البرد أو ما يُعرف أيضاً بالزكام، نحو 2-3 مرات في السنة الواحدة، بينما يُصاب الأطفال الصغار بنزلات البرد أربع مرات أو أكثر في السنة.

نزلة البرد هي عدوى فيروسية تُصيب الجهاز التنفسي العلوي، بما في ذلك الأنف والحلق والجيوب الأنفية والقصبات الهوائية. تسببها مجموعة متنوعة من الفيروسات يبلغ عددها نحو 200 فيروس، معظمها من نوع فيروسات الأنف (Rhinovirus) بشكلٍ أساسي، التي تعد مسؤولة عن نحو نصف نزلات البرد والأمراض الشبيهة بها، بالإضافة إلى أنواع أخرى من الفيروسات، مثل فيروسات كورونا.

اقرأ أيضاً: ثلاث خرافات شائعة حول الزكام يجب عليك أن تتوقف عن نشرها

كيف نُصاب بعدوى نزلة البرد؟

تصل الفيروسات المسببة لنزلة البرد إلينا من إحدى الطريقتين:

  • الطريقة المباشرة: الاستنشاق.
  • الطريقة غير المباشرة: اللمس.

وضّح الباحثون في دراسة نُشرت في مجلة الحساسية والمناعة السريرية (The Journal of Allergy and Clinical Immunology)، ما يحدث بعد أن يصل الفيروس إلى تجويف الأنف. فبعد أن يدخل الفيروس إلى الأنف، تكتشفه الخلايا الأنفية، وتحفّز إطلاق مليارات الإكسوزومات أو "الحويصلات خارج الخلية" الصغيرة إلى الغشاء المخاطي. يسهّل المخاط حركة الحويصلات لتصل إلى الفيروسات وتطوقها وتهاجمها، قبل أن تُتاح لها الفرصة لإصابة الخلايا والتسبب بالعدوى.

لكن إذا كانت كمية الفيروسات كبيرة، قد تتمكن من الوصول إلى خلايا الأنف، ثم تستنسخ نفسها وتنشر المزيد من جزيئات الفيروس في أنحاء الجهاز التنفسي العلوي محدثة العدوى.

أعراض نزلة البرد

بعد حدوث الإصابة، تستمر العدوى لفترة تمتدُ ما بين 7-10 أيام، يتسلسل خلالها ظهور الأعراض بالشكل التالي:

  • المرحلة المبكرة: تستمر ما بين 1-3 أيام. يشعر المصاب خلال هذه الفترة بدغدغة أو التهاب في الحلق، بالإضافة إلى بعض الأعراض المبكرة التالية:
    • العطس.
    • سيلان الأنف.
    • الاحتقان (انسداد الأنف).
    • السعال.
    • بحة في الصوت.
  • المرحلة النشطة: وتستمر في الفترة ما بين الأيام 4-7 من العدوى. تتطور الأعراض خلال هذه الفترة فيظهر بالإضافة إلى ما سبق:
    • آلام الجسم.
    • الصداع.
    • سيلان الأنف.
    • التعب والضعف العام.
    • الحمى.
  • المرحلة المتأخرة: تمتدُ خلال الفترة ما بين اليوم الثامن والعاشر. يبدأ المصاب خلالها باستعادة بعض نشاطه، وتتراجع حدة الأعراض خلالها. ومع ذلك قد تمتدُ العدوى لتُصيب الجهاز التنفسي، مسببة سعالاً مزعجاً لمدة شهرين من الزمن تقريباً، أو قد تتطور العدوى لمضاعفات أخرى، مثل التهاب الشعب الهوائية أو الجيوب الأنفية أو الالتهاب الرئوي.

اقرأ أيضاً: موسم الإنفلونزا قادم: كم من الوقت تعيش الجراثيم خارج الجسم؟

لماذا ترتبط نزلات البرد بفصل الشتاء؟

لعقود لم يتمكن الباحثون من تحديد سبب الارتباط بين نزلة البرد والطقس البارد في الشتاء، إلّا أنه يمكن لردود الفعل السلوكية للمجتمع في الشتاء بالتوازي مع ظروف الطقس البارد، أن تخلق في كثيرٍ من الأحيان بيئة مثالية لانتشار هذه الفيروسات، وتشمل:

  • الأجواء المغلقة في فصل الشتاء، سواء في المنزل أو مكان العمل أو المدرسة، تؤدي إلى زيادة الاختلاط والتلامس ما بين الأفراد؛ وبالتالي تزداد فرص انتقال العدوى وانتشارها.
  • انخفاض النشاط البدني في الشتاء.
  • فيروسات الأنف تبقى لفترات أطول في الأجواء الباردة والجافة من الأجواء الحارة والرطبة، وفقاً للدراسة المنشورة في دورية الفيروسات (Viruses).
  • الأشعة فوق البنفسجية القوية في فصل الصيف تكون كافية لتثبيط فيروسات نزلات البرد المنتشرة من حولنا، بينما تكون في فصل الشتاء أقل شدة، وبالتالي يزداد انتشار الفيروس، وترتفع فرص الإصابة بعدوى فيروس نزلة البرد في الشتاء، بالتزامن مع انخفاض درجات الحرارة، وفقاً لما أشار له الباحث الجزائري نضال قسوم.

اقرأ أيضاً: لماذا يعد الشتاء موسم الأمراض وليس الصيف؟

تأثير درجات الحرارة المنخفضة على نزلات البرد

تشير الدراسة المنشورة في دورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم (PNAS)، إلى أن فيروسات الأنف تكون أكثر كفاءة في استنساخ نفسها عند حرارة التجويف الأنفي (33-35 درجة مئوية)، والأبرد مقارنة بدرجة حرارة الجسم الأساسية (37 درجة مئوية).

أفاد البحث الذي نُشر في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2022، في مجلة الحساسية والمناعة السريرية (The Journal of Allergy and Clinical Immunology)، إلى أن هناك أسباباً حيوية تجعلنا أكثر عرضة للإصابة بنزلات البرد في درجات الحرارة المنخفضة.

درس الباحثون درجة تأثر الاستجابة المناعية للأنف بالهواء البارد، من خلال تعريض المتطوعين الأصحاء لدرجات حرارة دافئة، ثم نقلهم إلى غرفة بدرجة حرارة 4.4 درجة مئوية لمدة 15 دقيقة. أدّى ذلك إلى انخفاض درجة حرارة الجسم بنحو 5 درجات مئوية.

لاحظ الباحثون انخفاض الاستجابة المناعية بشكلٍ ملحوظ عند درجات الحرارة المنخفضة، حيث تراجعت نسبة الحويصلات بنسبة 40%، بالإضافة لانخفاض جودتها، ما جعل الفيروس أكثر قدرة على الالتصاق بخلايا الأنف وإصابتها. هذا ما اعتبره الباحثون أولَ آلية حيوية توضّح سبب انتشار نزلة البرد والأمراض الفيروسية في الشتاء.

اقرأ أيضاً: علاج نزلات البرد قد يكون داخل خلايانا

إذاً، لمجرد أن الطقس بارد، لا يعني بالضرورة إصابتك بالمرض. ومع ذلك، من المهم الاعتناء بنفسك، خاصة في المناخات شديدة البرودة.