على الرغم من أن التحسس يؤثّر على أكثر من حوالي 50 مليون مواطن أميركي، إلّا أنّه ليس أمراً مفهوماً تماماً، كما أن العوامل التي تحفّز الجهاز المناعي يمكن أن تتراوح من أشعة الشمس إلى البصل، وأعراض نوبة التحسس متنوّعة أيضاً، ولهذا السبب؛ سنخصص عدّة أسابيع للكتابة عن التحسس: ما هو، وكيف يظهر، وكيف يمكن التعامل معه. مرحباً بك في «قسم الحساسية»؛ نبدأه بالكتابة عن العسل المحلّي.
العسل المحلّي وتأثيره
يبدو أن تناول العسل المحلّي لمكافحة الحساسية يجب أن يكون مفيداً؛ إذ أن النحل المحلّي يجمع حبوب اللقاح، وعندما تتعرّض للعوامل المسببة للتحسس؛ سيعتاد جسم على أن هذه المواد آمنة.
الاعتقاد بأن هذا أمر مفيد منتشر للغاية لدرجة أن مجموعة من العلماء قرروا أنّه يستحق الاختبار؛ ولكن أولاً بدأ العلماء بتجربة مفتوحة؛ أي تجربة يعلم ضمنها المشاركون ما إذا كانوا سيتلقون العلاج الحقيقي أم الوهمي. شملت التجربة متطوعين مصابين بتحسسات محليّة، وطُلب منهم إما تناول ملعقة كبيرة يومياً، أو تناول شراب الذرة المنكّه بالعسل الاصطناعي، وقد بلّغ هؤلاء الذين تناولوا العسل الطبيعي عن انخفاض أعراض التحسس، وكانت النتائج واعدةً لدرجة أن الباحثين قرروا أنه يجب عليهم التحقق ما إذا كان تناول العسل الملحّي يساعد في مكافحة التحسس بالفعل؛ لذلك انتقل العلماء إلى تجربة مزدوجة التعمّية؛ أي تلك التي لا يعلم فيها المشاركون ما العلاج الذي يتناولوه.
في هذه التجربة، قُسّم المشاركون إلى 3 مجموعات: تناول أفراد المجموعة الأولى العسل، وتناول أفراد الثانية العسل المبستر غير المحلّي، بينما تناول أفراد المجموعة الثالثة شراب الذرة، وقد تناول كل المشاركين ملعقةً كبيرةً واحدة. إذا شعرت بأن هذا مقرف للغاية، فأنت لست الوحيد؛ فمن بين 36 متطوعاً؛ انسحب 13 من التجربة لأن العلاج كان حلواً للغاية بالنسبة لهم، بينما المشاركون الذين استمروا في تناول ملعقة واحدة من العسل يومياً لمدّة 30 أسبوعاً، بلّغوا بشكلٍ منتظم عن أعراض الحساسية التي شعروا بها.
عند نهاية الدراسة؛ لم يلاحظ الأفراد الذين تناولوا العسل أي فرق في أعراض التحسس؛ مقارنةً بهؤلاء الذين تناولوا شراب الذرة (إلا أن نسب سكر الدم لديهم ازدادت).
من المحتمل بالتأكيد أن الكمية التي تناولها المشاركون لم تكن كافية، ويبيّن العلماء في الورقة البحثية أن تناول العوامل المسببة للتحسس عبر الفم هو أمر ثبتت فعاليته تاريخياً في تعويد الجهاز المناعي على عدم الإفراط في ردة الفعل؛ هذا يعني أن العوامل المسببة للتحسس والموجودة في العسل، يمكن أن تساعد في مكافحة التحسّس؛ ولكن إذا كان هذا الأمر صحيحاً، فهو ليس قابلاً للتطبيق؛ لأن قليلاً من البشر مستعدّون لتناول عدّة ملاعق كبيرة من العسل يومياً.
اقرأ أيضا: كيف يمكن معالجة حساسية الجلوتين
عوامل مؤثرة
تشير دراسة أخرى واعدة أن الأمر قد يتعلّق أيضاً بنوع العسل، النوع المحلّي يحتوي على عدّة أنواع من حبوب اللقاح، وقد لا يحتوي كل منها على كمية من الميكروبات كافية لتعويد الجهاز المناعي. قرر باحثون فنلنديّون أن يختبروا تأثير النوع الذي يحتوي على حبوب اللقاح لشجر البَتولا؛ فحبوب اللقاح لهذا الشجر هي أحد أهم عوامل التحسس في فنلندا؛ لذا، جمّع العلماء متطوّعين يعانون من تحسس تجاه شجر البتولا، ووصفوا لهم إما تناول النوع العادي أو الغني بحبوب اللقاح، وشملت الدراسة أيضاً مجموعةً مرجعيةً ثالثةً لم يتناول أفرادها العسل. أظهر الأفراد الذين تناولوا العسل الغني بحبوب اللقاح أعراضاً أقل للتحسس، ومرّوا بعدد أيام أكبر دون الشعور بأية أعراض مقارنةً بالأفراد الذين تناولوا العسل العادي.
المشكلة الوحيدة في هذه الدراسة هي أن المجموعة المرجعية لم تحصل على علاج وهمي، بل أُرشدوا ببساطة بعدم تناول أية أطعمة تحتوي على العسل خلال فترة الدراسة، ومن الممكن أن تناول كلا النوعين تسبب في ظهور أثر وهمي فعّال. الفروق بين الأفراد الذين تناولوا العسل العادي والغني بحبوب لقاح البتولا كانت مهملة إحصائياً؛ لذا فقد تمثّل هذه الدراسة شذوذاً إحصائياً، أو من المحتمل أن تكون حبوب الطلع الزائدة فعّالةً، لا زلنا غير متأكدين.
بأخذ كل هذا بعين الاعتبار؛ فكما هو الحال بالنسبة لكل العلاجات الطبيعية الأخرى، قد تشعر بتحسّن في أعراض التحسس بعد تناول العسل المحلّي، وتبرهن الدراسات السابقة أن السبب وراء النتائج التي لوحظت هو التأثير الوهمي على الأرجح؛ ولكن هذا التأثير قد يكون فعّالاً. إذا كنت مقتنعاً بأن تناول العسل سينفعك، فهو سينفعك، كل ما يهم في النهاية هو أنّك تشعر بتحسّن، وإذا كان تناول ملعقة كبيرة منه أمراً يساعدك على الاستمتاع بأيام الصيف في الطبيعة، فيجب عليك اتّباع هذه الطريقة.
في أسوأ الأحوال؛ ستستهلك مُحلّياً طبيعياً لا يرفع نسب سكّر الدم مثل سكر المائدة العادي، وفي أحسن الأحوال؛ ستخفّ أعراض التحسس لديك، وليس أمراً مفاجئاً أن هذا العلاج رائج للغاية.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً