تواصل معنا
Search Open Side Panel

صحة جيدة قيادة فعالة: العلم وراء العلاقة بين الصحة والقيادة

4 دقيقة
العلاقة بين الصحة والقيادة
حقوق الصورة: بوبيولار ساينس العربية. تصميم: عبدالله بليد.

تشير الأبحاث على نحو متزايد إلى وجود علاقة متبادلة بين الصحة والقيادة. فبينما يميل الأفراد الأصحاء إلى أداء أفضل بصفتهم قادة، فإن متطلبات القيادة نفسها يمكن أن تؤثر أيضاً في الصحة البدنية والعقلية للفرد. إليك أهم ما ينبغي معرفته:

  • وجدت دراسة ألمانية شملت 1244 قائداً أن ا…

هل صادف أن هطل المطر في كل مرة تترك فيها مظلتك في المنزل، فتقول لنفسك إذاً سأصطحبها معي فيصبح الجو مشمساً؟ أو ربما عندما تولى مركز الشرطة مسؤول جديد انخفضت معدلات الجريمة في مدينتك، فظننت أن المسؤول الجديد هو السبب في هذا الانخفاض؟

يعرف هذا الأسلوب في ربط الأحداث بمغالطة السبب والنتيجة، وتحدث عندما يفترض المرء خطأً أن ثمة علاقة سببية بين حدثين لمجرد أنهما يحدثان معاً أو يتزامنان. وفي مجال ريادة الأعمال والمناصب التنفيذية وقاعات الاجتماعات، تتمثل مثل هذه المغالطات في الصورة النمطية للقائد الناجح الذي يتمتع بجسم رياضي وصحة جسدية وذهنية عالية. على الرغم من أن مثل هذا الربط يمثل نوعاً من الخرافات، فإن الأبحاث تشير إلى وجود علاقة ثنائية الاتجاه بين القيادة والصحة، وهو ما يطرح التساؤل: هل القادة ناجحون لأنهم أصحاء، أم إن الأفراد الأصحاء هم الأفضل للقيادة؟

اقرأ أيضاً: ما هي هرمونات القيادة؟ وكيف تتحكم بها لتصبح قائداً أفضل؟

العلاقة بين القيادة والصحة: ​​ما تشير إليه الأدلة

وجدت دراسة حديثة، نشرتها مجلة دراسات القيادة والتنظيم، أن صحة القائد الجسدية والنفسية تؤثر مباشرة في أسلوب قيادته للآخرين. شملت الدراسة 1244 قائداً في مؤسسات ألمانية مختلفة، وجرى تتبعهم شهرياً على مدى أربعة أشهر لمعرفة العلاقة بين صحتهم وسلوكهم القيادي. ركزت الدراسة على ثلاثة أنماط قيادية هي:

  • القيادة التحويلية؛ أي القيادة التي تلهم الآخرين وتغيرهم للأفضل.
  • القيادة بالمكافأة المشروطة؛ وهي قيادة تعتمد على التبادل الواضح بين الجهد والمكافأة.
  • القيادة المتراخية أو السلبية؛ هي القيادة التي يترك فيها القائد الموظفين من دون توجيه أو دعم، ويتجنب اتخاذ القرارات أو حل المشكلات.

توصل الباحثون إلى ما يلي:

  • القادة الذين يتمتعون بصحة بدنية ونفسية أفضل يميلون إلى القيادة الإيجابية التي تحفز الموظفين وتلهمهم، بينما يبتعدون عن الأسلوب المتراخي.
  • القادة الذين يعانون أعراضاً جسدية أو نفسية (كالصداع أو التوتر المستمر)، يميلون في الشهر التالي إلى ممارسات قيادة سلبية أو متراخية.
  • العلاقة كانت تبادلية، فكلما ازداد استخدام أسلوب القيادة المتراخية، زادت الأعراض الجسدية لاحقاً، أي إن الإهمال الصحي والقيادة السلبية يغذيان بعضهما في دائرة مغلقة.

اقرأ أيضاً: الغذاء والقيادة: وجبات تعزز التفكير والإبداع حسب علم التغذية

لماذا يجب على القادة إعطاء الأولوية للصحة والعافية؟

لا تقتصر القيادة على الشهادات والخبرات؛ بل تشمل أيضاً مهارات معرفية تتأثر مباشرة بالصحة البدنية والذهنية، إليك أهمها:

  • الطاقة والقدرة على التحمل: يتمتع الأفراد الأصحاء بالقدرة على التحمل البدني والنفسي اللازمين لتحمل نمط حياة القادة والموظفين، بما فيه السفر المتواصل والمفاوضات المكثفة والضغط المستمر. وفقاً لنظرية "الحفاظ على الموارد" في علم النفس، تسمح لهم احتياطياتهم العالية من الطاقة بالتعافي من النكسات، سواء كانت مرضاً أم إصابة، على نحو أسرع بكثير من نظرائهم الذين يعانون نقص الموارد. لذا، تعد الرياضة المنتظمة والنوم الكافي والنظام الغذائي المتوازن أدوات تحافظ على اليقظة والطاقة وتمنع التشتت الذهني. فالنوم الجيد يوفر للجسم الفرصة للتعافي واستعادة الطاقة بعد يوم طويل من النشاط، وتنشط الرياضة الدورة الدموية وتزيد إفراز هرمونات السعادة مثل الإندورفين. كما يمد النظام الغذائي المتوازن الجسم بالعناصر الغذائية اللازمة، مثل الفيتامينات والمعادن، التي تدعم وظائف الجسم الحيوية، وتوفر الطاقة اللازمة للجسم.
  • صفاء الذهن والوظائف العقلية: تترجم الصحة الجيدة للفرد، وخاصة النوم الجيد وممارسة الرياضة بانتظام والتغذية الجيدة، إلى وظائف إدراكية متفوقة. فالقائد الذي يولي صحته أولوية، يتمتع بتركيز أعلى ومهارات معرفية أفضل، مثل التفكير النقدي واتخاذ القرارات الدقيقة وحل المشكلات المعقدة. كما أنهم أقل عرضة للانقطاع عن مسارهم المهني الذي تسببه "ضبابية الدماغ" المصاحبة للتوتر المزمن أو اختلال التوازن الأيضي.
  • الوعي الذاتي: عندما يتخلص القادة من عبء الإرهاق أو القلق، يتواصلون بفعالية أكبر ويبنون علاقات أقوى، ويتمتعون بالمرونة والقدرة على التعامل بهدوء مع المواقف الصعبة.
  • المرونة العاطفية: تدعم الصحة الجيدة "المرونة العصبية"، وهي قدرة الدماغ على التكيف والتعلم. فالقادة الذين يهتمون بصحتهم الجسدية أكثر انفتاحاً على التغيير وأكثر إبداعاً وقدرة على التعامل مع الشكوك.
  • الاستدامة وطول العمر القيادي: الحفاظ على الصحة الجسدية والنفسية والعاطفية هو ما يضمن للقائد القدرة على الاستمرار والعطاء. القائد الذي يعتني بصحته يتفادى الإرهاق، ويتخذ قرارات أوضح، ويستمر في التطور والنضج مع مرور الوقت.

اقرأ أيضاً: لماذا ينجح المدير الذي يمارس الرياضة أكثر من المدير الخامل؟

كيف تجذب السمات القيادية الصحة الجيدة؟

تعزز متطلبات القيادة الصحة الجيدة بصورة رئيسية من خلال تعزيز السلوكيات والعقليات والبيئات التي تدعم الصحة البدنية والعقلية والعاطفية. يميل القادة الذين يتمتعون بسمات مثل المرونة والذكاء العاطفي والتعاطف وإدارة الضغوط بفعالية إلى خلق ردود فعل إيجابية تعزز صحتهم وصحة فرقهم.

عموماً، من أهم الطرق التي تعزز بها صفات القيادة نتائج الصحة الجيدة ما يلي:

  • نمذجة السلوكيات الصحية وإنشاء روتينات إيجابية: القادة الذين يمارسون الرعاية الذاتية ويمنحون الأولوية لصحتهم، مثل ممارسة الرياضة المنتظمة وتناول غذاء متوازن والنوم الجيد، يقدمون نموذجاً يعزز صحتهم ويؤثر في فرقهم. على سبيل المثال، القادة الذين يبدؤون يومهم بنشاط بدني يلاحظون غالباً تحسناً في المزاج والنوم والأداء الذهني على مدار اليوم، ما يعزز استمرارية الطاقة والحيوية.
  • بناء المرونة وإدارة التوتر: يمتلك القادة الفعالون قدرة عالية على التكيف مع الضغوط والتعافي من الانتكاسات، وهو ما يقلل آثار التوتر المزمن على الجسم، مثل الالتهابات وإجهاد القلب، حيث يساعدهم التفكير المتزن على تجنب الإرهاق النفسي والحفاظ على توازنهم النفسي والتعامل مع المواقف بمرونة أكبر. 
  • إنشاء بيئات داعمة وصحية: القادة أصحاب المهارات الاجتماعية والتفاعلية القوية يعززون بيئات عمل قائمة على الثقة والدعم النفسي. هذا لا يفيد الفرق فحسب، بل يحمي القائد أيضاً من الإرهاق والعزلة، ويقلل ضغوط العمل التي تؤثر سلباً في الصحة النفسية.

اقرأ أيضاً: هل النظام الغذائي النباتي يناسب أسلوب حياة المدير؟ المزايا والتحديات

  • تعزيز الصحة النفسية من خلال المهارات الشخصية: تدعم المهارات القيادية، مثل التعاطف والاستماع والتواصل الفعال، الصحة النفسية للقائد وفريقه، فالقادة الذين يجيدون هذه المهارات يبنون علاقات إيجابية ويقللون النزاعات ويستطيعون رصد مؤشرات الإجهاد مبكرين لدى أنفسهم والآخرين. 

المحتوى محمي