دراسة جديدة تبيّن أن الكوارث الطبيعية قد تسبب إتلاف الأنظمة الهرمونية للبشر

الكوارث الطبيعية قد تتسبب في إتلاف الأنظمة الهرمونية في جسم الإنسان
زوجان يمسكان يدي بعضهما بينما ينظران إلى منطقتهما السكنية السابقة التي دمرتها موجات تسونامي عام 2004. ديماس أرديان/غيتي إميدجيز

تتمتّع أجسام البشر بكفاءة عالية في الاستجابة إلى الضغوط؛ إذ إنها تكافح للحفاظ على توازن الأجهزة الحيوية عند التعرّض إلى الصدمات أو التهديدات الجديدة. لكن آليات الموازنة هذه لها حدودها، ويشير بحث جديد إلى أن الأحداث الجوية التي تتسبب بالصدمة يمكن أن تؤدي إلى اضطراب طويل المدى في الهرمونات.

ضربت موجات التسونامي الهائلة ساحل إندونيسيا في ديسمبر/كانون الأول 2004؛ ما أسفر عن مقتل أكثر من 230 ألف شخص. تسببت هذه الكارثة بضرر جسيم للمجتمعات، وأفاد العديد من الناجين عن أعراض إجهاد ما بعد الصدمة. لكن التأثيرات الصحية لهذه الكارثة امتدت أكثر من تلك الأسابيع أو الأشهر أو حتى السنوات الأولى. ووفقاً لبحث جديد نُشر في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم ( Proceedings of the National Academy of Sciences)؛ ما تزال التأثيرات الصحية لكارثة التسونامي ظاهرة في الناجين بعد مرور أكثر من عقد من الزمن.

آثار التوتر الهرمونية تمتد لسنوات بعد الكارثة

عمل العلماء مع مجموعة من المتعاونين في إندونيسيا في عام 2018 لدراسة هرمون التوتر الأساسي، الكورتيزول، ضمن مشروع أكبر يهدف إلى فحص التأثيرات الطويلة المدى لكارثة التسونامي. لاحظ الباحثون من خلال أخذ عينات من الكورتيزول من شعر البالغين، أن النساء اللواتي نجين من الكارثة تمتّعن بمستويات أقل من هذا الهرمون مقارنة بالنساء اللواتي لم يتعرّضن إلى هذه التجربة. ويقول الباحثون إن هذا النمط يشير إلى وجود نوع من "الإرهاق" الهرموني استجابة إلى الضغوط المتكررة.

تبيّن النتائج أن الصدمات الناجمة عن الكوارث الطبيعية والأحداث الجوية المتطرفة، التي سيزداد تواترها بسبب التغير المناخي، يمكن أن تتمتّع بآثار ممتدة في الرفاهة بعد وقوع الأحداث الأولية بزمن طويل.

ركز مؤلفو الدراسة الجديدة على جهاز تنظيمي محدد في الجسم، وهو المحور الوطائي النخامي الكظري، الذي يتحكم في مستويات الكورتيزول وغيره من الهرمونات. عادة، ترتفع نسب الكورتيزول ضمن الاستجابة الصحية إلى الضغوط، ثم تنخفض مجدداً عند زوال مصدر التوتر. لكن يقول طالب الدكتوراة في السياسة الصحية والاقتصاد في جامعة هارفارد والمؤلف الرئيس للدراسة، رالف لوتون، إنه عند التعرّض إلى مستويات عالية ومتكررة من التوتر، يمكن أن يعاني المحور الوطائي النخامي الكظري "الإرهاق"؛ ما قد يؤدي إلى "فقدان القدرة الطويلة المدى على التمتّع بالاستجابة الصحية الضرورية في مواجهة الضغوط اليومية".

بتعبير آخر: يمكن أن يؤدي الارتفاع المتكرر لمستويات التوتر إلى تلف المحور الوطائي النخامي الكظري؛ ما يُفقده القدرة على إفراز كمية كافية من الكورتيزول في المستقبل.

اقرأ أيضاً: هل تعاني من التوتر؟ قد تساعدك ألعاب الفيديو على الاسترخاء

نسب الكورتيزول في شعر المتضررين من الكوارث تشير إلى الإرهاق

جمع المؤلفون لإجراء هذا البحث، عينات الشعر من أكثر من 600 فرد من المجتمعات المتضررة بشدة من كارثة التسونامي في عام 2004، وقاسوا نسب الكورتيزول في 3 سنتيمترات من الشعر الأقرب إلى جلد الرأس. لوحظت ظاهرة إرهاق المحور الوطائي النخامي الكظري بنسب أكبر لدى النساء اللواتي تعرّضن إلى التأثيرات المباشرة للتسونامي؛ إذ كانت مستويات الكورتيزول في شعرهن أقل بنسبة 30% من نظيراتهنّ اللواتي لم يتعرضن إلى هذه التجربة بالدرجة نفسها.

وفقاً للوتون؛ تأثّر الرجال أيضاً ولكن لم يكن تأثرهم ذا دلالة إحصائية وفقاً للتحليل الذي أُجري في الدراسة؛ ما يعني أن الباحثين لا يستطيعون التحقق من مدى تأثر الرجال.

يقول الخبير الاقتصادي في جامعة ديوك وأحد المؤلفين الرئيسين للدراسة الجديدة، دنكان توماس: "يعرف العلماء تأثيرات الكوارث الواسعة النطاق في مستويات التوتر؛ ولكن هذه التأثيرات القصيرة المدى فقط. وفقاً لمعلوماتي؛ لم تتمكّن أي دراسة طويلة الأمد من إثبات أن التأثيرات يمكن أن تدوم، وهذا ما يميّز دراستنا".

تأثيرات صحية طويلة المدى للتوتر

لكن التأثيرات الصحية الطويلة الأمد الناجمة عن كارثة التسونامي ليست مفاجئة بالنسبة إلى أستاذ الطب في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، أرون كارلامانغلا، الذي لم يشارك في الدراسة الجديدة ولكنه تعاون مع العديد من المؤلفين من قبل. فعلى سبيل المثال؛ يقول كارلامانغلا إن هناك الكثير من الأدلة التي تبيّن أن الأحداث الصادمة والمجهدة في مرحلة الطفولة يمكن أن تؤثر في وظيفة المحور الوطائي النخامي الكظري ومستويات الكورتيزول لدى الأفراد في مرحلة البلوغ؛ أي بعد عشرين عاماً أو أكثر من وقوع هذه الأحداث.

اقرأ أيضاً: تحد من التوتر والاكتئاب: إليك فوائد القراءة للدماغ والجسم

يقول لوتون إن الانخفاض الكبير في مستويات الكورتيزول حدث مؤثّر في الصحة؛ إذ إنه يرتبط بالخمول وانخفاض القدرة على كل من التحمّل والتكيف مع الضغوط اليومية ومواجهة الصعوبات في التعامل مع القلق والتوتر. يقول توماس إن المشاركين في الدراسة الذين تمتّعوا بمستويات منخفضة من الكورتيزول في الشعر يميلون أيضاً إلى الإبلاغ عن أنهم يعتقدون أن صحتهم سيئة. يشير كارلامانغلا أيضاً إلى أن الكورتيزول مهم أيضاً في عمليات مثل الذاكرة والتعلّم.

سيزداد تواتر الكوارث الطبيعية والأحداث المناخية المتطرفة بسبب التغير المناخي، ومن المحتمل أن العديد من التأثيرات الطويلة المدى التي ستنشأ عن ذلك سيكون مشابهاً للتأثيرات الناجمة عن كارثة التسونامي التي حدثت في إندونيسيا. يقول توماس إنه من هذه الناحية، يمكن أن تكون الدراسة الجديدة قابلة للتطبيق على نطاق واسع لفهم "الآثار الطويلة المدى للتغير المناخي". ويضيف قائلاً إن هذه النتائج تؤكد الحاجة إلى تركيز الموارد في التدخلات المناسبة؛ مثل العلاج السلوكي المعرفي، وإنه تجب إتاحة هذه المعلومات للمجتمعات المحلية، بلغاتها الخاصة، في أعقاب الكوارث.

في المستقبل، لن يؤدي التدخّل بهذه الطريقة إلى تحسّن النتائج الصحية المباشرة فحسب؛ بل "من المحتمل أن يكون مفيداً على المدى الطويل أيضاً"، حسب تعبيره.

المحتوى محمي