إذا كان الاستماع إلى الأصوات الأثيرية لبعض الوقت أثناء الدراسة أو العمل يومياً، يمكن أن يمنحنا إبداعاً أكثر ويجعلنا أقل عرضةً للقلق، ألا يجب أن نفعل ذلك جميعنا؟ في الواقع، يدّعي البعض أن أحد أنواع الصوتيات هذه؛ والتي تُدعى «النغمات الثنائية» أو «المخدرات الرقمية»، يمكن أن تكون علاجاً سحرياً للإجهاد، ولكن -مثل الكثير من المفاهيم الأخرى في مجال الصحة- لا يوجد إجماع بنسبة 100% حول نجاعتها، أو إذا ما كانت لها أية فائدةٍ على الإطلاق، وبالرغم من حداثة معرفتنا بها، إلا أنها اكتُشفت منذ القرن التاسع عشر.
يقول «هيكتور أوروزكو بيريز»؛ مؤلف دراسة حديثة حول الفائدة المزعومة للنغمات الثنائية: «النغمات الثنائية هي مجرد وهمٍ فقط. إن ما يحدث عندما تستمع إلى إشارتين صوتيتين مختلفتين تماماً في التردد؛ بحيث تسمع كل إشارةٍ منهما إحدى أذنيك بنفس الوقت، هو انتقال هذين الصوتين إلى الجزء المسؤول عن السمع في جذع الدماغ، ونظراً لعدم تطابق ترددي الصوتين، يقوم الدماغ بتوليد صوتٍ ثالث؛ هو عبارةٍ عن مزيجٍ بينهما، يزداد ويتضائل إيقاعه ليكتسب السمة الأثيرية، ولكن المهم هو أن هذا الصوت الجديد موجود في عقلك فقط. على سبيل المثال، إذا كانت أذنك اليمنى تسمع صوتاً تردده 400 هيرتز، وأذنك اليسرى تسمع صوتاً آخر تردده 410 هيرتز، فإن تردد الصوت الذي ينتجه دماغك، سيكون حوالي 10 هيرتز؛ أي الفارق بينهما».
ويضيف بيريز: «ما يجعل النغمات الثنائية مثيرةً للاهتمام هو قدرتها على مزامنة أو تحفيز استجابة الدماغ الكهربائية للالتزام بإيقاعٍ معين»، لكنه لا يعتبر ذلك شيئاً مميزاً: «نعلم من خلال أبحاثنا في الصوتيات أن العقل قادرٌ على مزامنة أي نوعٍ من المحفزات في نفس الوقت».
في الواقع، تمتلك أدمغتنا أطوال موجات كهربائية معينة لتوصيل الأفكار والعواطف وما إلى ذلك؛ حيث ترتبط الموجات الصوتية عالية التردد والسريعة باليقظة والتركيز، بينما ترتبط الموجات الأبطأ وذات التردد الأقل بالاسترخاء والنوم. لذلك، ومن الناحية النظرية، إذا تمكنا من مزامنة أدمغتنا مع طولٍ موجي معين من الأصوات، فربما يمكننا الاستفادة من تحفيز مساراتٍ عصبية مختلفة من خلال ذلك، ودفع أدمغتنا إما للاسترخاء مثلاً أو التركيز بشكلٍ أفضل، لكن وفقاً لعلم الأعصاب لا يمكننا أن نعمل أي شيء تقريباً بهذه البساطة.
وجد بيريز وزملائه في دراستهم أنه بالرغم من أن النغمات الثنائية تحفّز مزامنة أدمغتنا على طولٍ موجي معين، إلا أن النغمات الأحادية (والتي تبدو مثل النغمات الثنائية إلى حدٍ كبير، ولكنها لا تتطلب سماعات رأس لجعل كل أذن تسمع إيقاعاً مختلفاً) تقوم بعمل أفضل. كما وجد الفريق في كلتا الحالتين أنه ليس هناك أي تأثيرٌ مهم للنغمات الأحادية أو الثنائية -على حد سواء- على الأداء المعرفي أو الحالة المزاجية.
يقول «جويديب بهاتاشاريا»؛ أستاذ علم النفس في «جولدسميث»، جامعة لندن: «برأيي أن النغمات الثنائية موضة أو بدعة عابرة. ليس لأنه لا توجد أية فائدة محتملة منها في أداء عقولنا، لكننا في الحقيقة نحتاج إلى مزيدٍ من البحث قبل أن ندّعي -اعتماداً على العلم- أنها الحل السحري لزيادة التركيز وتخفيف الإجهاد».
ويضيف بهاتاشاريا أن هناك حاجة إلى المزيد من الأساليب التجريبية لفهم آلية دمج الدماغ للأصوات المختلفة الترددات في الدماغ؛ مثل تبديل نطاق الترددات المختبرة وقياس التغييرات مع أو بدون صوت في الخلفية: «على سبيل المثال؛ ما زلنا لا نعرف لماذا يكون لبعض المعلمات أو الترددات قدرة أكثر على تحفيز التأثير في الدماغ». إلى جانب البحث لفهم ما يحدث في الدماغ، لا يزال العلماء بحاجة إلى مزيدٍ من البحث في العلاقة العصبية بين التغييرات السلوكية المزعومة والضوضاء. في النهاية، لا يمكننا بالضرورة ترجمة ما قد يحدث في الدماغ إلى سلوكياتٍ معينة بطريقةٍ يمكن التنبؤ بها.
هناك مشكلة أخرى تتمثل في فهم كيفية استجابة الإنسان للأصوات الفردية؛ إذ توجد طرق لا نهائية لإنشاء نغماتٍ ثنائية باستخدام أصوات الطبيعة والضوضاء المحيطة، ولكن الطريقة التي يتفاعل بها المستمعون إليها يمكن أن تختلف إلى حدّ كبير أيضاً. في إحدى الدراسات، ساعدت موجات ألفا الثنائية؛ والتي ترتبط بحالة الهدوء والاسترخاء لدى البشر، بعض الأشخاص على أداء المهمات الإبداعية بشكلٍ أفضل. مع ذلك، كان أداء البعض أسوأ، خصوصاً عندما كانت مستويات هرمون الدوبامين المقاسة لديهم مرتفعة.
لذلك، ومثل أي شيءٍ جديد في مجال الصحة النفسية، عليك النظر إلى النغمات الثنائية بعين الشك. لحسن الحظ، وعلى النقيض من بعض الأشياء الجديدة في مجال الصحة؛ مثل الصيام المتقطع أو تعديل الجينات، لا يوجد ضررٌ في تجربة الاستماع إلى النغمات الثنائية.
يقول أوروزكو بيريز: «نحن نعلم أن المنبهات الإيقاعية يمكن أن تساعد الناس على التركيز، لكنها قد لا تكون مفيدة بشكلٍ عام. فإذا وجدتها مفيدة، فربما يكون الأمر نسبياً فقط».
يمكنك تجربة الاستماع إلى مثالٍ عن الإيقاعات الثنائية في الفيديو المرفق أدناه لترى ما إذا كانت لها أية فائدة، ولكن تذكر أن لا أساس علمي في الادّعاء حول فائدتها وأنها تجعل عقولنا تعمل بشكلٍ أفضل.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من «بوبيولار ساينس» من هنا، علماً أن المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.