تقدر منظمة الصحة العالمية أن السرطان هو أحد الأسباب الرئيسية للوفاة في جميع أنحاء العالم. وتزداد تكلفة مرض السرطان، ما يزيد من الضغط على الأنظمة المنهكة أصلاً في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، والتي تُعتبر أقل استعداداً للتعامل مع أعداد مرضى السرطان المتزايدة. في الواقع، لم يستفد الناس في أفقر بلدان العالم بالتساوي من التطورات الحديثة التي طرأت في مجال اكتشاف السرطان والوقاية منه وعلاجه. هناك أيضاً عدم مساواة داخل البلدان نفسها بين سجلات المرضى، حتى في البلدان الثرية، إذ لا يتمتع الجميع بنفس الفرصة للاستشفاء.
تحدثت لينيت ديني، الخبيرة العالمية في سرطان عنق الرحم، والذي يحتل المرتبة الرابعة بنسبة انتشاره بين النساء، إلى موقع «ذي كونفرزيشن أفريكا» حول أسباب سرطان عنق الرحم وكيفية سد فجوة الرعاية الصحية.
تتركز معظم حالات سرطان عنق الرحم والوفيات الجديدة (90%) في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. ما هي العوامل الرئيسية وراء ذلك؟
سرطان عنق الرحم هو مرض يتصف بعدم المساواة من ناحية الحصول على الرعاية الصحية. إنه مرض يمكن الوقاية منه كلياً إلى حدّ ما. إليكم السبب.
تحدث معظم حالات سرطان عنق الرحم بسبب الإصابة بأنواعٍ معينة من فيروس الورم الحليمي البشري (HPV). لقد تم توصيف أكثر من 200 نوع من فيروس الورم الحليمي البشري على مدار الأربعين عاماً الماضية تقريباً، وكانت نحو 40 من هذه الحالات مرتبطة بإصابة الجهاز التناسلي لدى كل من الرجال والنساء. من بين هذه الأنواع الأربعين، هناك نحو 14 نوعاً مرتبطاً بسرطانات الشرج أو الأعضاء التناسلية، خصوصاً سرطان عنق الرحم (تُعرف هذه الأنواع أيضاً بالأنواع الشديدة الخطورة). ويُعد النوعان 16 و18 من فيروس الورم الحليمي البشري الأكثر شيوعاً والمسؤولان عن أكثر من 70% من حالات سرطان عنق الرحم على مستوى العالم.
لا تظهر أية أعراض على معظم الذين يُصابون بعدوى فيروس الورم الحليمي، وغالباً ما يتغلبون على العدوى دون أية مشاكل خطيرة، لكن يمكنهم نقل العدوى إلى الآخرين.
في بعض الحالات، تستمر عدوى فيروس الورم الحليمي البشري. وبمرور الوقت، تسبب هذه العدوى تغيراتٍ في خلايا عنق الرحم؛ تُدعى هذه التغيرات في هذه المرحلة بـ «ورم محتمل التسرطن». إذا تُركت دون علاج أو لم يتم اكتشافها، فسوف تتطور في النهاية إلى سرطان عنق الرحم في غضون 5 إلى 20 سنة.
إذا أمكن اكتشاف الورم المحتمل التسرطن مبكراً، يمكن إزالته جراحياً وبالتالي منع تطوره إلى سرطان عنق الرحم. وهذا ما كانت تهدف إليه البرامج الوطنية لإجراء مسحات عنق الرحم منذ الأربعينيات، والتي كانت تتم كل 3 إلى 5 سنوات وتشمل جميع النساء فوق سن 25 إلى 30 سنة، الأمر الذي كان من شأنه خفض معدلات الإصابة والوفاة بهذا المرض.
لكن إجراء مسحة عنق الرحم لجميع النساء يتطلب بنية تحتية متطورة ومعقدة. يجب أن تكون قادراً على أخذ المسحة، ومن ثم نقلها إلى المختبر حيث تتم معالجتها وتحليلها بواسطة فنيي المختبر، ثم إعطاء النتيجة إلى المرضى. في الواقع، متطلبات هذه البرامج للكشف عن سرطان عنق الرحم القائمة على مسحة عنق الرحم بالغة التكاليف بالنسبة لبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، والسبب الرئيسي لارتفاع معدل الإصابة والوفيات بهذا السرطان يعود أساساً إلى فشل تنفيذ هذه البرامج. وفي حال توفر فرصة إجراء المسحة، فقد تكون لفترةٍ قصيرة وتقتصر بشكلٍ أساسي على المناطق الحضرية والنساء اللواتي يتمتعن بالتأمين الصحي.
اقرأ أيضاً: من الأعراض حتى العلاج: كل ما ترغبين في معرفته عن سرطان الرحم
ما هي أكثر الطرق الفعالة وغير المكلفة للوقاية من سرطان عنق الرحم؟
من الناحية المثالية، اختبار ما لا يقل عن 70% من النساء اللائي تتراوح أعمارهن بين 25 و30 عاماً، وذلك من خلال نظام يتمتع بموارد بشرية وإمداداتٍ كافية وبنية تحتية ممتازة، بالإضافة لضوابط جودة مضمنة وأنظمة إحالة قوية. تعتبر مسحة عنق الرحم ميسورة التكلفة وذات عائدٍ مجزٍ في معظم البلدان ذات الدخل المرتفع، ولكن الحال ليس كذلك في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
الوقاية من عدوى فيروس الورم الحليمي البشري صعبة. الطريقة الأكثر فعالية هي التطعيم ضد فيروس الورم الحليمي البشري، والطريقة الأخرى هي الامتناع التام عن أي نشاط جنسي (وهذا أمر غير واقعي). ومع ذلك، فإن استخدام الواقي الذكري (في كل لقاء جنسي) يوفر بعض الحماية، وتُقدر بنحو 70% (بالمقارنة، يوفر الواقي الذكري 90% من الحماية من فيروس نقص المناعة البشري إذا ما استُخدم بطريقةٍ صحيحة).
تم تطوير لقاح فيروس الورم الحليمي البشري في عام 2006، وهناك اليوم ثلاثة لقاحات ضد أنواع مختلفة من هذا الفيروس. تتضمن التوصيات الحالية لمنظمة الصحة العالمية للوقاية من سرطان عنق الرحم تطعيم الفتيات ضد فيروس الورم الحليمي البشري (والفتيان إذا سمحت الموارد) اللواتي تتراوح أعمارهن بين 9-12 عاماً، جنباً إلى جنب مع الفحص الفعال للنساء اللائي تتراوح أعمارهن بين 30 و49 عاماً، مرتين على الأقل خلال حياتهن عبر اختبارٍ عالي الجودة.
وتنطوي الاختبارات الموصى بها حالياً على الكشف عن وجود الحمض النووي لفيروس الورم الحليمي البشري في عنق الرحم، وتكشف هذه الاختبارات عن وجود أية أورام محتملة التسرطن. يمكن للطبيب أخذ العينة، أو إرشاد النساء إلى كيفية أخذ العينة بأنفسهن وتسليمها إلى أقرب عيادةٍ لاختبارها.
تعتبر خدمات فحص وعلاج سرطان عنق الرحم ضرورية، وكذلك الرعاية التلطيفية (نوع من أنواع الرعاية الصحية والتي تقدم للمريض وللقائمين على رعايته من ذويه بهدف الحد أو التخفيف من معاناتهم في مواجهة المرض) للنساء المصابات بحالاتٍ متقدمة من المرض.
ينطوي علاج سرطان عنق الرحم في مراحله المبكرة على إزالة الرحم، بالإضافة إلى إزالة الجزء العلوي من المهبل والعقد اللمفاوية في الحوض إذا كان ذلك ملائماً. بالنسبة للحالات المتقدمة من السرطان، فإن العلاج المفضل هو العلاج الإشعاعي الكيميائي لمنطقة الحوض.
اقرأ أيضاً: أدرك المجتمع الطبي أخيراً أن الرحم أكثر من مجرد “مسكن للطفل”
ما الذي يعيق تنفيذ هذه التدخلات؟
تشمل أهم معوقات إنشاء البرامج الوطنية لسرطان عنق الرحم ما يلي:
- فشل قطاعات الرعاية الصحية الحكومية في إعطاء الأولوية لمشكلة سرطان عنق الرحم وبالتالي عدم تخصيص الموارد لمعالجتها.
- تضارب الاحتياجات الصحية للنساء في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. تؤدي وفيات الأمهات وارتفاع معدلات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية والملاريا والسل إلى تحويل الموارد بعيداً عن اتخاذ تدابير الوقاية من سرطان عنق الرحم. الاحتياجات الأساسية الأخرى التي يجب تلبيتها هي المياه النظيفة والصرف الصحي المناسب. كما أن النزاعات الأهلية وانتشار الفقر يحولان دون تلبية احتياجات السكان الصحية.
- الافتقار إلى الإرادة السياسية وعدم فهم تأثير وفيات النساء المبكرة على الأفراد والأسر والمجتمعات المحلية والمجتمع ككل، وعدم إدراك أن لذلك تكاليف اجتماعية واقتصادية بعيدة المدى على المستوى الوطني.
- هناك مبادرة قوية يجري تطويرها برعاية منظمة الصحة العالمية، وتنطوي على حث الحكومات على إعطاء الأولوية للوقاية من سرطان عنق الرحم والقضاء عليه بحلول عام 2030 على الأقل. إذا انضمت جميع البلدان إلى هذه المبادرة، فمن الممكن إنقاذ حياة أكثر من 60 مليون امرأة.