الولادة القيصرية هي العمل الجراحي الذي يُجرى لإخراج الجنين من البيئة الرحمية إلى العالم الخارجي، ومصطلح "القيصرية" ليس بالجديد، حيث كانت العملية القيصرية جزءاً من الثقافة الإنسانية منذ العصور القديمة، وهناك عدد من الروايات والأساطير التي تعود للثقافات الغربية والتي تحدثت عن هذا الإجراء، فوفقاً للأساطير اليونانية، قام أبولو بإخراج أسكليبيوس، هو بطلٌ وإلهٌ للطب في الديانة والأساطير اليونانية القديمة، من رحم والدته بنفس الطريقة.
ما هي مراحل الولادة القيصرية؟
مثل أي عمل جراحي آخر، نحتاج لتخدير الأم في عملية الولادة القيصرية. وتُعطى الأم عادةً تخديراً موضعياً، إما عن طريق إجراء حصار للأعصاب دخولاً من المنطقة فوق الجافية أو إجراء حصار عصبي في العمود الفقري القطني كاملاً. وفي كلتا الطريقتين، يتخدر النصف السفلي من الجسم مع بقاء حالة الصحو عند المريضة. تنصح الطبيبة أليسون براينت، أخصائية في طب النسائية والتوليد في مستشفى ماساتشوستس العام في بوسطن، بالتخدير الموضعي نظراً لأنه أكثر أماناً مقارنةً بالتخدير العام. وبالطبع، يمكن للمرأة اختيار التخدير العام إن رغبت، ولكن على الطبيب أن يوضح للأم أن مخاطره أعلى.
بعد تخدير الأم، يتم إجراء قطع أفقي فوق المنطقة التي تفصل بين أسفل البطن والحوض، والتي تقابل جسم الرحم، بعد ذلك يُجرى قطع آخر على جسم الرحم للوصول إلى الكيس الأمنيوسي. من المهم التأكيد على أن القطع الذي يتم إجراؤه على جسم رحم المرأة ذو أهمية كبيرة لأن الطريقة التي تلتئم بها ندبة الرحم يمكن أن تؤثر على قدرة المرأة على الولادة الطبيعية مستقبلاً.
يحتوي الكيس الأمنيوسي على السائل الأمنيوسي والذي يشكل وسطاً يحمي الطفل من العوامل الخارجية والرضوض، وبعد تمزيق هذا الكيس يتم إخراج الجنين من الرحم ومن ثم يتم قطع الحبل السري وإزالة المشيمة. وأثناء إعادة خياطة جسم الرحم وإغلاق الجرح الخارجي بالقطب الجراحية، يتم تحويل الطفل لطبيب أطفال مختص لإجراء فحص شامل لتقييم سلامة أجهزته وللبحث عن أي علامات مرضية.
اقرأ أيضاً: اعتماد أول علاج لاكتئاب ما بعد الولادة
فترة ما بعد الولادة القيصرية
قد تستغرق العملية القيصرية وسطياً ما يعادل 60 إلى 120 دقيقة في غرفة العمليات، وذلك اعتماداً على ما إذا كان هناك أي مضاعفات أثناء الولادة، وبعد إتمام الجراحة يتم نقل المرأة إلى جناح الولادة بالمستشفى للتعافي.
ووفقاً لبراينت، تقضي المرأة ما بين 2 إلى 4 أيام في المستشفى بعد إجراء عملية قيصرية، ولكن قد يستغرق الأمر ما يصل إلى 6 أسابيع لتشعر الأم بأن جسمها قد عاد للحالة الطبيعية بشكل تام.
وكأي عمل جراحي آخر، ستشعر المرأة بآلام متوسطة الشدة بعد زوال المواد المخدرة نظراً لأن جرح العضلة الرحمية ما يزال يلتئم، الأمر الذي يتطلب إعطاء مسكنات للألم وذلك لمدة أسبوعين تقريباً بعد العمل الجراحي.
قد تعاني المرأة أيضاً من نزيف مهبلي في الأسابيع الأولى التالية للولادة مصدرُه الرحم، وقد يكون السبب وجود بقايا مشيمية تمنع حدوث انقباض رحمي تام، وبالتالي من المهم دوماً استقصاء النزوف المتكررة والغزيرة. وعلى المدى الطويل، ستبقى ندبة العمل الجراحي على الجلد كخط أفقي بطول 15 سم، والذي يكون ذو لون وردي في البداية ثم يتحول للون البني الفاتح بعد الالتئام.
أيهما أفضل الولادة الطبيعية أم القيصرية؟
تُنصح المرأة التي أجرت ولادات قيصرية سابقة باستمرار إجرائها في الولادات التالية وذلك وفقاً لـِ "مركز الخدمات الصحية الوطنية البريطانية"، حيث يرتفع معدل حدوث مضاعفات الولادة الطبيعية، مثل تمزق الرحم والحاجة المتزايدة لنقل الدم بعد إجراء ولادة قيصرية سابقة، والسبب هو بقاء منطقة ضعيفة في جسم الرحم تقابل منطقة القطع السابق، فإن اختارت المريضة الولادة الطبيعية، قد يحدث تمزق جزئي أو تام في العضلة الرحمية يبدأ من منطقة الضعف وينتشر إلى كامل الرحم.
إيجابيات وسلبيات الولادة الطبيعية
من إيجابيات الولادة الطبيعية تجربة الولادة بحد ذاتها للأم، بالإضافة إلى أنها ذات فترة نقاهة أقصر، كما يمكن للأم أن تحضن طفلها مباشرةً بعد الولادة ما يعزز الترابط الحميمي بين الأم وطفلها. وعادةً ما يكون الأطفال المولودون طبيعياً قادرين على بدء الرضاعة الطبيعية في وقت أبكر، كما يكونون ذوي قابلية أقل للإصابة بالأمراض التحسسية ومشاكل الجهاز التنفسي.
أما بالنسبة لسلبياتها، قد تكون الولادة الطبيعية مرهقة في بعض الأحيان، فقد تستمر لـ 16 ساعة أحياناً. وقد يحدث تمزق في الأعضاء التناسلية الخارجية إن كان حجم رأس الجنين لا يتناسب مع حجم الحوض عند المرأة، وهو أمر يجب النظر إليه أثناء تردد الحامل إلى العيادة التوليدية خلال الثلث الثالث لحملها مع اقتراب موعد الولادة.
إيجابيات وسلبيات الولادة القيصرية
تشمل إيجابيات الولادة القيصرية عدم الشعور بالانقباضات الرحمية المؤلمة حيث تكون المريضة مُخدرة، إضافةً إلى تحديد موعد ولادة الطفل حيث يتاح للأم اختيار تاريخ مميز إن كانت ترغب بذلك، ولا تترافق الولادات القيصرية مع تمزقات في العجان ولا يحدث أي هبوط رحمي مرافق على عكس الولادة الطبيعية.
من سلبيات الولادة القيصرية أنها تنطوي على عدد من المخاطر كحدوث الالتهاب مكان الجرح، كما تكون فترة النقاهة طويلة، وقد لا تكون الرضاعة الطبيعية ممكنة على الفور، ما قد يؤثر على عملية الترابط الأمومي. من السلبيات الأخرى ازدياد معدل حدوث الحمل الهاجر، وقد تحدث حالة تسمى بالـ "المشيمة الملتصقة" حيث تنمو المشيمة ضمن العضلة الرحمية وتنغرس بها، ما قد يؤثر على استمرارية الحمول المستقبلية. ويعاني الأطفال الذين يولدون قيصرياً من مشاكل في الجهاز التنفسي، إذ قد لا يتسنى لرئتيهم الوقت الكافي للتخلص من السوائل المتراكمة فيهما خلال الحمل، الأمر الذي يظهر على شكل تسرع خفيف في التنفس لا يلبث إلى أن يزول بعد عدة ساعات.
ما السبب وراء ارتفاع معدل إجراء الولادات القيصرية؟
على الرغم من أن الولادات القيصرية يمكن أن تكون منقذة لحياة كل من الأم والطفل، إلّا أن الكلية الأميركية لأطباء النساء والتوليد أعربت عن قلقها من أن الولادات القيصرية في استخدام متزايد غير مبرر، حيث قالت الطبيبة براينت في بيان آخر لها: "إن السبيل لخفض معدلات الولادة القيصرية المرتفعة في الولايات المتحدة الأميركية هو منع عمليات الولادة القيصرية غير الضرورية".
ففي الولايات المتحدة الأميركية، أنجب ثلث النساء الحوامل بعملية قيصرية وذلك وفقاً لإحصائيات مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأميركي لعام 2020. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يولد 21% من الأطفال بعملية قيصرية، بينما كانت نسبة الأطفال المولودين بعملية قيصرية لعام 1990 تعادل 7% فقط!
يعزو بعض الأطباء المعدلات المتزايدة للولادات القيصرية إلى مجموعة متنوعة من العوامل، أهمها الانتشار المتزايد للسمنة ومرض السكري بين الأفراد، إضافةً إلى تعدد الولادات وزيادة عمر الأم الحامل.
وكان لازدياد معدل استخدام التخدير فوق الجافية في الولادات الطبيعية دور مهم في تحويل نسبة منها إلى عمل جراحي قيصري، نظراً لأنها تسبب مضاعفات تؤدي لإطالة مدة المخاض ولضعف التقلصات الرحمية، ما يدفع لضرورة تحويل الأم للولادة القيصرية حفاظاً على سلامتها وسلامة جنينها.