اكتشاف جديد: بكتيريا الأمعاء تغير بروتينات الدماغ سراً

3 دقيقة
اكتشاف جديد: بكتيريا الأمعاء تغير بروتينات الدماغ سراً
حقوق الصورة: shutterstock.com/Chizhevskaya Ekaterina

يمكن أن يكون للميكروبات الموجودة في الجهاز الهضمي البشري تأثير كبير في صحة الإنسان ومرضه، وقد تمتد هذه التأثيرات لتصل إلى العضو الأكثر حيوية في الجسم، الدماغ، وفقاً لبحث جديد أجراه باحثون في معهد الأبحاث في هايدلبرغ في ألمانيا (EMBL Heidelberg).

وفقاً للدراسة الجديدة التي نشرتها دورية الطبيعة البنيوية والبيولوجيا الجزيئية (Nature Structural & Molecular Biology)، يمكن أن تسبب الميكروبات المعوية تغييرات كبيرة في البروتينات ذات الصلة بوظائف الدماغ مثل المعالجة المعرفية والنمو العصبي، من خلال عملية تُعرف بالغلكزة، ما قد يكون له إمكانات جديدة لتدخلات علاجية.

ما هي عملية الغلكزة أو الارتباط بالغليكوزيل؟

عملية الارتباط بالغليكوزيل، أو الغلكزة (Glycosylation)، هي عملية حيوية مهمة تحدث داخل الخلايا الحية، تضاف فيها جزيئات السكر إلى البروتينات من خلال تفاعل إنزيمي، فتتكون بوليمرات حيوية تُعرف بالغليكوبروتينات (البروتينات السكرية). تعد هذه العملية أساسية للوظائف الخلوية الفيزيولوجية والمرضية ولها العديد من الآثار الكيميائية الحيوية الحاسمة، أهمها:

  • حماية البروتينات من التحلل بإنزيم البروتياز.
  • تحسين استقرار البروتينات، وتسهيل طيّها.
  • تأثيرها على تفاعلات البروتينات مع الجزيئات الحيوية الأخرى.
  • التعرف الخلوي وتمييز الخلايا عن بعضها.

ومع ذلك، قد تسهم التغيرات في أنماط عملية الارتباط بالغليكوزيل في تطور بعض الأمراض مثل السرطان واضطرابات المناعة الذاتية والأمراض المعدية، ما يجعل الغليكوبروتينات بمثابة مؤشرات حيوية محتملة لتشخيص السرطان وتوقعه. لكن دراسة عملية الغلكزة تعتبر تحدياً كبيراً للباحثين، لأن جزءاً صغيراً فقط من البروتينات في الخلية يخضع لهذه العملية، أي إن الباحثين يحتاجون إلى تحديد وفصل هذه البروتينات من بين مجموعة كبيرة من البروتينات الأخرى.

وللحصول على كمية كافية منها لا بد من إجراء عملية تُعرف بـ "تخصيب" المركبات البروتينية السكرية، ما يتطلب تقنيات متقدمة، ووقتاً طويلاً.

اقرأ أيضاً: التنبؤ ببنية البروتينات وتصميمها ينالان نوبل في الكيمياء 2024

طريقة جديدة لدراسة المركبات البروتينية السكرية (الغليكوبروتينات)

في الدراسة الحديثة، استخدم الباحثون تقنية بسيطة طورتها شركة دي كيو غليكو (DQGlyco)، من مواد مخبرية متوفرة ومنخفضة التكلفة وسهلة الاستخدام، مثل حبيبات السيليكا الوظيفية، لتخصيب البروتينات السكرية على نحو انتقائي من العينات البيولوجية، ما ساعد على عزلها، حيث تمكن الباحثون من عزل أكثر من 150 ألف شكل من البروتينات السكرية من أنسجة المخ في الفئران، أي نحو 25 ضعفاً مقارنة بالدراسات السابقة. كما سمحت الكمية الكبيرة للباحثين بمقارنة الاختلافات بين العينات المختلفة وقياسها، مثل تلك المأخوذة من أنسجة أو سلاسل خلايا أو أنواع مختلفة منها. علاوة على ذلك، تساعد هذه الطريقة على دراسة "التباين الدقيق"، وهو الظاهرة التي يمكن أن يوجد فيها بروتين واحد بأشكال متعددة بسبب الاختلافات في جزيئات السكر المرتبطة به.

من الأمثلة عن التباين الدقيق هو فصائل الدم البشرية، حيث تحدد مجموعات السكر المختلفة على البروتينات الموجودة في خلايا الدم الحمراء فصيلة الدم (A وB وO وAB). هذه الاختلافات ضرورية لنجاح عمليات نقل الدم.

مكّنت طريقة دي كيو غليكو (DQGlyco) الجديدة فريق البحث من تحديد التباين الدقيق عبر مئات المواقع البروتينية. وهو مستوى متقدم من التفصيل لم يكن قابلاً للتحقيق باستخدام التقنيات القديمة.

اقرأ أيضاً: كيف تؤدي تغيرات البروتين في الخلية إلى انتشار السرطان في الجسم؟

محور الأمعاء والدماغ

في المرحلة التالية من الدراسة، وبعد النتائج الدقيقة التي توصلت لها طريقة دي كيو غليكو (DQGlyco)، اختبر الباحثون فيما لو كان الميكروبيوم المعوي هو المسبب لتغييرات جزيئية عميقة في الدماغ من خلال البروتينات السكرية.

يشمل محور الأمعاء والدماغ شبكة من مسارات الإشارات العصبية والهرمونية والمناعية، تتواصل من خلال العصب المبهم. بالإضافة إلى ذلك، تؤدي تريليونات الميكروبات الموجودة في الجهاز الهضمي دوراً حاسماً في هذا المحور، إذ تنتج هذه الميكروبات مجموعة متنوعة من المستقلبات وجزيئات الإشارة التي يمكن أن تؤثر في فيزيولوجيا الجسم، بما في ذلك الوظائف العصبية، لكن من دون معرفة دقيقة بالتفاصيل الجزيئية.

يقول المؤلف الأول للدراسة، كليمنت بوتيل: "تشارك عملية الغلكزة في العديد من العمليات، مثل النقل العصبي وتوجيه المحور العصبي، لذلك أردنا اختبار إذا ما كانت هذه الآلية تؤثر بها بكتيريا الأمعاء في المسارات الجزيئية في الدماغ".

توصل الفريق إلى أنه لدى إجراء مقارنة بين فئران نمت في بيئة معقمة تماماً، بحيث تخلو أمعاؤها وجسمها من أي بكتيريا، وأخرى تحتوي بكتيريا معوية، إلى أن الفئران التي نمت في بيئة بها بكتيريا معوية لديها أنماط مختلفة من الغلكزة (كيفية ارتباط السكريات بالبروتينات) في أدمغتها مقارنة بالفئران التي نمت في بيئة خالية من البكتيريا المعوية. كانت التغييرات الجزيئية ملحوظة على وجه التحديد في البروتينات ذات الصلة ببعض الوظائف العصبية، مثل المعالجة المعرفية ونمو المحور العصبي. 

اقرأ أيضاً: مستقبل «البروبيوتيك» وميكروبيوم الأمعاء في علاج بعض الأمراض

حالياً، يشعر الفريق بالفضول لمعرفة إذا ما كان بالإمكان التنبؤ بمواقع الغلكزة في بروتينات البشر، باستخدام أدوات التعلم الآلي مثل ألفافولد (AlphaFold)، وهي أداة ذكاء اصطناعي للتنبؤ بهياكل البروتين فازت بجائزة نوبل في الكيمياء. يساعد هذا في فهم التعديلات التي تخضع لها البروتينات وعواقبها الوظيفية في البيولوجيا البشرية، مثل تطور بعض الأمراض، وبالتالي تحسين العلامات التشخيصية والأهداف العلاجية.

المحتوى محمي