بين الانخفاض الظاهر والسمنة المفرطة: ما تكشفه الأرقام عن أدوية تخفيف الوزن

6 دقيقة
بين الانخفاض الظاهر والسمنة المفرطة: ما تكشفه الأرقام عن أدوية تخفيف الوزن
قلم حقن يحتوي على دواء سيماغلوتيد من أدوية جي إل بي-1.

في وقت سابق من خريف عام 2024، نشرت مراكز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها الأميركية بيانات تُظهر أن معدلات السمنة لدى البالغين الأميركيين، التي كانت تزداد على مدى زمن طويل، انخفضت بمقدار طفيف على مدى السنوات القليلة الماضية، من 41.9% إلى 40.3%. أثار هذا الانخفاض نقاشاً على وسائل التواصل الاجتماعي وفي منافذ الأخبار الرئيسية حول تجاوز الولايات المتحدة لما يحمل اسم "ذروة معدلات السمنة"، وحول إسهام الاستخدام المتزايد لبعض أدوية تخفيف الوزن في هذا الانخفاض.

أشارت مقالة رأي نشرتها صحيفة فايننشال تايمز إلى أن وسط الصحة العامة قد ينظر إلى اللحظة الحالية بالطريقة نفسها التي ينظر بها الآن إلى عام 1963، عندما بلغت مبيعات السجائر أعلى مستوياتها ثم انخفضت بمقدار كبير خلال العقود التالية. توقع مؤلف المقالة، جون بيرن مردوك، أن "من المرجح جداً" أن يكون هذا الانخفاض ناجماً عن استخدام ناهضات مستقبلات الببتيد الشبيهة بالغلوكاغون-1، أو أدوية جي إل بي-1 (GLP-1)، لتخفيف الوزن.

اقرأ أيضاً: نظرية النقطة المحددة: عندما لا تُجدي الحميات ولا الرياضة نفعاً في تغيير الوزن

العلاقة بين استخدام ناهضات مستقبلات الببتيد الشبيهة بالغلوكاغون-1 وانخفاض الوزن

إجراء هذا الربط ليس غريباً. على الرغم من أن الخبراء استخدموا أدوية جي إل بي-1 على مدى نحو عقدين من الزمن لعلاج مرض السكري من النمط الثاني، فإن استخدامها لعلاج السمنة لم يبدأ إلا مؤخراً. وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على أحد هذه الأدوية، وهو ساكسيندا (Saxenda)، خصيصاً لهذا الغرض عام 2014. ثم في أواخر العقد الثاني من الألفية الثالثة، بدأ استخدام دواء منها، وهو دواء مصنوع من المادة الفعالة سيماغلوتيد (semaglutide) ويحمل اسم "أوزمبيك" (Ozempic)، لغير غرضه الرئيسي. سمحت إدارة الغذاء والدواء أيضاً باستخدام دواء ويغوفي (Wegovy)، وهو من أدوية جي إل بي-1 المعتمدة على مادة سيماغلوتيد، خصيصاً لتخفيف الوزن عام 2021.

مع ذلك، من السابق لأوانه أن نقول إن أدوية جي إل بي-1 هي سبب الانخفاض العام لمعدلات السمنة في الولايات المتحدة. هناك أكثر من طريقة لتفسير البيانات التي نشرتها مراكز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها، ولا تشير جميعها إلى أن معدلات السمنة انخفضت بالفعل. بالإضافة إلى ذلك، تشير الأدلة الجديدة إلى أن أدوية جي إل بي-1 قد لا تكون فعالة في تخفيف الوزن كما اعتقد العلماء في البداية، علاوة على أن هناك بعض الأسباب التي تدفع للشك في مدى منطقية المقارنة بين هذا الانخفاض وانخفاض مبيعات السجائر. عموماً، يشير كل ذلك إلى الحاجة لإجراء المزيد من الدراسات لكشف تأثير هذه الفئة الجديدة من الأدوية في الوزن على مستوى السكان.

استمدّت مراكز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها النتائج الجديدة من دراسة استقصائية طويلة الأمد تحمل اسم "الاستقصاء الوطني لفحص الصحة والتغذية" ( NHANES)، الذي كلف القائمون عليها الخبراء الصحيين بجمع معلومات مثل قياسات الوزن والطول من عينة من المشاركين في الدراسة تمثل السكان على المستوى الوطني. يحدد مؤلفو الدراسة حالات السمنة والسمنة المفرطة بناءً على مؤشر كتلة الجسم، وهم ينشرون النتائج كل عامين.

معدل السمنة الإجمالي ينخفض ظاهرياً

على الرغم من أن الانخفاض الأخير في معدل السمنة الإجمالي يبدو واعداً في ظاهره، فقد كشف الاستقصاء أيضاً عن ارتفاع طفيف في نسبة الأشخاص الذين يعانون السمنة المفرطة، ووفقاً لما ذكرته وكالة أسوشيتد برس، يقول الخبراء إن سبب هذه الزيادة غير معروف. بالإضافة إلى ذلك، لا يستطيع الباحثون التأكد إن كانت أدوية جي إل بي-1 تؤثر في معدلات السمنة والسمنة المفرطة دون بيانات مفصلة على مستوى المريض تربط قياسات مؤشر كتلة الجسم لدى الأشخاص باستخدامهم هذه الأدوية.

وأيضاً، الانخفاض الأخير في معدل السمنة الإجمالي ليس ذا دلالة إحصائية. بتعبير آخر، إن نسبة الانخفاض "صغيرة لدرجة أن احتمال عدم انخفاضها موجود من الناحية الرياضية"، وفقاً لمقالة أسوشيتد برس نفسها. بالإضافة إلى ذلك، أفادت مراكز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها بأن انتشار السمنة لم يتغير إلا قليلاً على مدى العقد الماضي. هذا مختلف عن معدلات السمنة المفرطة، التي ارتفعت من 7.7% إلى 9.7% وفقاً للدراسات الاستقصائية التي استمرت بين عامي 2013 و2023.

زد على ذلك أن الانخفاض في معدلات السمنة العامة الذي أبلغت عنه مراكز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها ليس الانخفاض الأول؛ إذ كشفت نتائج الاستقصاء الوطني لفحص الصحة والتغذية عن حالتي انخفاض طفيف في معدلات السمنة وحالتي انخفاض في معدلات السمنة المفرطة بين عامي 1999 و2018، كما تبعت هذين الانخفاضين زيادات مطردة في الفئتين.

ألم نصل إلى نقطة تحوّل مع الاستخدام المتزايد لأدوية جي إل بي-1؟ في النهاية، ووفقاً لاستطلاع تتبُّع للصحة أجرته مؤسسة كيه إف إف (KFF)، استخدم نحو 12% من البالغين الأميركيين نوعاً ما من ناهضات جي إل بي-1، بينما يستخدم نحو 6% من البالغين، أو ما يقرب من 15.5 مليون شخص، نوعاً من هذه الأدوية حالياً. كشف الاستطلاع أيضاً أن 38% فقط من الأشخاص الذين يتناولون هذه الأدوية يتناولونها بهدف تخفيف الوزن فقط؛ إذ قالت نسبة أكبر بكثير منهم، نحو 62%، إن سبب تناول هذه الأدوية هو السعي لعلاج مرض السكري أو الأمراض القلبية أو الحالات المزمنة الأخرى.

اقرأ أيضاً: الكمتشي الكوري: طبق تقليدي قد يصبح وسيلة ممتازة لمحاربة السمنة

تفاؤلات مفرطة حول استخدام هذه الأدوية لتخفيض الوزن

حذّرت المتخصصة في السمنة وعالمة الأوبئة الغذائية في مستشفى بريغام آند ويمنز وكلية الطب في جامعة هارفارد، ديدري توباياس، على موقع إكس من التسرع في الاستنتاجات حول دور أدوية جي إل بي-1 في حل مشكلة السمنة. على الرغم من الزيادة الأخيرة في معدل استخدام هذه الأدوية، كتبت توباياس في رسالة عبر البريد الإلكتروني لموقع أندارك أن 15.5 مليوناً هو "حد أقصى تفاؤلي". قالت توباياس إن ثمة أشخاصاً، في هذه المجموعة من المرضى، "يتوقفون عن تناول الدواء قبل أن يصبح فعالاً، أو يتوقفون عن تناوله بعد أن يصبح فعالاً، وبالتالي يفقدون الوزن ثم يسترجعون ما فقدوه، إضافة إلى أن هناك من لا يفيده الدواء ببساطة".

لا شك في أن هناك سبباً للاعتقاد بأن أدوية جي إل بي-1 ليست فعالة في تخفيف الوزن على المدى الطويل كما كان متوقعاً في البداية، ويعود ذلك جزئياً إلى أن معدلات التوقف عن تناول هذه الأدوية مرتفعة جداً. تشير دراسة نشرتها أول مرة مجلة السمنة (Obesity) في أواخر عام 2023 إلى أن 44% فقط من المرضى الذين بدؤوا بتناول أدوية تخفيف الوزن استمروا في تناولها بعد ثلاثة أشهر، ما يعرّضهم لخطر استعادة الوزن الذي فقدوه. اكتشف العلماء في بحث حديث أجرته شركة بلو هيلث إنتيليجنس (Blue Health Intelligence)، وهي شركة متخصصة في تحليلات بيانات الرعاية الصحية تملكها جمعية بلو كروس بلو شيلد (Blue Cross Blue Shield Association)، أن 58% من المرضى توقفوا عن استخدام هذه الأدوية قبل أن يشهدوا فقداناً ملحوظاً في الوزن، وهو الفقدان الذي يعرّفه الخبراء بأنه انخفاض بنسبة 5% على الأقل في الوزن الأساسي.

على الرغم من أن المرضى الذين يتمكنون من الاستمرار في تناول الأدوية قد يفقدوا القدر نفسه من الوزن الذي فقده المشاركون في التجارب السريرية التي أجرتها شركات الأدوية، فإن الكثيرين لا يفعلون ذلك. يتوقف المرضى عن استخدام الأدوية نتيجة مجموعة متنوعة من الأسباب، مثل الآثار الجانبية وغياب التغطية التأمينية الكافية والنقص في كمية الأدوية. بالإضافة إلى ذلك، حتى عندما يستمر المرضى بتناول أدويتهم، فإن النتائج التي يلاحظونها قد لا تتطابق مع بيانات التجارب السريرية (أو توقعاتهم عند بدء تناول الأدوية). على سبيل المثال، اكتشف العلماء في دراسة واقعية نشرتها مجلة الجمعية الطبية الأميركية نيتوورك أوبن (JAMA Network Open) مؤخراً أن المشاركين فقدوا ما معدله 12.9% من وزن الجسم بعد عام واحد من استخدام السيماغلوتيد لعلاج السمنة. هذا انخفاض صغير مقارنة بنتائج إحدى التجارب السريرية التي نشرتها مجلة نيو إنغلاند الطبية (New England Journal of Medicine) عام 2021، والتي بيّنت أن متوسط ​​الانخفاض في الوزن في مجموعة مشابهة من المشاركين بلغ 14.9% بعد عام واحد بقليل.

اقرأ أيضاً: ما هي أسباب زيادة الوزن في الشتاء؟ وكيف يمكن التحكم فيه؟

تفسيرات أخرى لتراجع السمنة

إذا كانت معدلات السمنة تنخفض بالفعل، فقد تكون هناك تفسيرات أخرى لذلك. على سبيل المثال، أفادت جمعية قطاع الرياضة واللياقة البدنية بزيادة نسبتها 5% في ممارسة التمرينات الرياضية منذ عام 2017، كما اكتشف العلماء في دراسة من عام 2024 انخفاضاً طفيفاً في عدد الأشخاص الذين يتبعون أنظمة غذائية غير صحية بين عامي 1999 و2020. بالإضافة إلى ذلك، ربما أسهم ارتفاع معدلات التضخم في أوائل عشرينيات القرن الجاري في انخفاض مشتريات الأطعمة غير الصحية، لكن هذا غير مؤكد.

أدّى هذا النوع من العوامل غير الطبية دوراً عندما بدأت معدلات التدخين بالانخفاض أول مرة في الولايات المتحدة. تسارعت جهود مكافحة التدخين مع صدور تقرير الجراح العام الأميركي حول التدخين والصحة عام 1964، الذي تبعه مباشرة تشريع يقضي بإضافة الملصقات التحذيرية على علب السجائر. بمرور الوقت، أصبحت رسائل الصحة العامة حول أضرار التدخين منتشرة على نطاق واسع، واستخدم صناع السياسات مجموعة واسعة من الأدوات من القيود الإعلانية إلى زيادات الضرائب غير المباشرة وحظر التدخين في المباني العامة. على النقيض من ذلك، الغرض الأساسي من استخدام أدوية جي إل بي-1 ليس الوقاية من السمنة بل علاجها، ما يجعل حملات ترويجها مختلفة عن حملات مكافحة التدخين التي تضمنت رسائل وقائية.

يجعل كل ذلك تحديد إذا ما كانت الولايات المتحدة قد وصلت إلى نقطة انعطاف من حيث معدلات السمنة صعباً، وربما مع الوقت، على الأقل بعد تقديم النتائج المقبلة للاستقصاء الوطني للصحة والتغذية، ومع جمع المزيد من البيانات، قد يَظهر توجّه واضح ويتمكن الباحثون من تحديد الأسباب المحتملة لانخفاض معدلات السمنة.

المحتوى محمي