وفقاً لدراسة حديثة؛ فإن الرضّع المولودين بعملية قيصرية يمتلكون في مراحل حياتهم المبكرة تركيبةً بكتيريةً معويةً مختلفةً عن أولئك المولودين بولادة طبيعية. فبدلاً من أن يكتسب الرضّع البكتيريا من أمهاتهم؛ يكتسبونها من بيئة المستشفى.
تؤكّد نتائج الدّراسة -التي نُشرت في دورية نيتشر- مكتشفات أبحاث سابقة حول أساليب الولادة، وآثارها على ميكروبيوم الرُضّع. تقول «ميجان أزاد»؛ باحثة علميّة في معهد أبحاث مستشفى الأطفال في مقاطعة مانيتوبا في كندا، وتدرس ميكروبيوم الرضّع: «كنا نعلم مسبقاً صحة هذه النتائج في بعض النواحي، لكن هذه الدراسة تثبتها بطريقة أفضل». كانت الدراسة واسعة بشكلٍ خاص؛ إذ أنّها شملت قرابة 600 رضيع، واستُخدمت فيها تقنيّات سَلسَلة وراثيّة متقدّمة لتحليل البكتيريا الموجودة في أمعاء الرضّع.
كيف سرت الدراسة؟
جمّع الباحثون القائمون على الدراسة عيّنات من ميكروبيوم الأمعاء خلال نقاط مختلفة من الشهر الأول من حياة 314 رضيع مولود بولادة طبيعية، و282 رضيع مولود بعملية قيصريّة. ثم سلسلوا الأنواع المختلفة من البكتيريا التي وجدوها. تفاوتت أنواع البكتيريا بشكلٍ كبير بين الرضّع، وتغيّرت بشكلٍ متكرر خلال الأسابيع الأولى من حياة المواليد. كانت طريقة الولادة العامل الأكثر أساسيّةً في التركيبة البكتيريّة خلال المراحل المبكّرة من الحياة، وكان لها التأثير الأكبر في اليوم الرّابع بعد الولادة.
الرضاعة الطبيعية أيضاً كانت إحدى العوامل المؤثرة؛ ولكن بدرجة أقل. كذلك كان التعرّض للمضادات الحيوية. تبيّن أن لكل تلك العوامل الثلاثة (طريقة الولادة، طريقة الرضاعة، والتعرّض للمضادات الحيويّة) تأثير على ميكروبيوم الأمعاء في العديد من الدراسات التي أُجريت خلال السنوات القليلة الماضية.
بالإضافة إلى أخذ عيّنات من ميكروبيوم الرضّع؛ جمّع الباحثون أيضاً عيّنات من 175 امرأة من أمهات الرضّع، وقارنوها بعيّنات الرضّع. تقول «آن هوين»؛ أستاذ مساعد في علم الأوبئة في مدرسة جايزل للطب في جامعة دارتموث: «يبيّن هذا أن الولادة بعملية قيصرية ترتبط بتغيّرات في الميكروبيوم، وأن الرضّع المولودين بولادة طبيعية يرثون ميكروبيوم أمهاتهم. هذا لا ينطبق على الرضع المولودين بعملية قيصرية. هذا ما كنّا نعرفه من قبل، لكن الدراسة الجديدة أثبتت هذه الفكرة بطريقة جيدة».
مثلاً، كان لدى حوالي نصف الأطفال المولودين بولادة طبيعية تركيزات عالية من جنس من البكتيريا يدعى «البكتيريا العَصَوانيّة» (بكتيريا مهمّة لنمو الجهاز المناعي). أما الرضّع المولودين بعملية قيصرية لديهم تقريباً مستويات منخفضة أو معدومة من هذه البكتيريا. استُبدلت هذه البكتيريا -إضافةً إلى أجناس أخرى من البكتيريا توجد عند المولودين بولادة طبيعية؛ مثل «البيفيدو بكتيريوم»- بأنواع من البكتيريا التي توجد عادةً في المستشفيات. هذه البكتيريا هي العوامل الممرضة الانتهازيّة التي يمكن أن تتسب بعض الأمراض إذا كان الجهاز المناعي ضعيفاً. تقول هوين: «هذه الأنواع من البكتيريا لم تكن قريبةً وراثياً من البكتيريا الموجودة عند الأمهات». تضيف: «يتم اكتسابها عادةً من البيئة المحيطة».
تأثير الرضاعة الطبيعية على الرضّع
بيّنت الدراسة أن تأثير طريقة الولادة بدأ ينخفض بمرور الوقت، بينما ازداد تأثير الرضاعة الطبيعية في تركيبة الميكروبيوم. يعني ذلك أن الرضاعة الطبيعية تفيد في ضبط ميكروبيوم الرضّع. تقول أزاد: «وجدنا في بحثنا أن ميكروبيوم الرضّع المولودين بعملية قيصرية يتعافى بسرعة أكبر إذا تلقّوا الرضاعة الطبيعية لاحقاً. لا يمكنكِ تغيير حقيقة أنكِ أجريتي عملية قيصرية. وقد تكون محتومة أحياناً، ولكن يمكننا أن نشجّع الأمهات على الرضاعة الطبيعية، وندعمهنّ في ذلك».
وفقاً لأزاد؛ يتغيّر ميكروبيوم الرضّع المولودين قيصرياً ليصبح مثل نظيره لدى المولودين طبيعياً في النهاية. لكن الفترة التي كان فيها مختلفاً ليست عديمة التأثير. تقول أزاد: «اضطراب الميكروبيوم في المراحل المبكّرة من الحياة قد يكون له آثار طويلة المدى حتّى ولو عاد لتركيبته الطبيعية؛ إذ أن المرحلة المبكّرة هي التي ينمو فيها الجهاز المناعي».
لم تبحث هذه الدراسة في النتائج الصحية المرتبطة مع اختلاف تركيب الميكروبيوم في المراحل من المبكرة من الحياة، لكنها تفيد في توجيه الأبحاث في هذا المجال. تقول هوين: «يمكن أن يكون لهذه الدراسة تبعات على الصحة العامة، لكن يجب أن تُجرى دراسات تبحث في الآثار الصحيّة طويلة الأمد للولادة القيصرية واضطراب الميكربيوم». تضيف: «كل الأفكار الأساسية حول هذا الموضوع أصبحت قيد البحث».
تضيف هوين أنّه من المهم الانتباه إلى أن الرضّع المولودين بعملية قيصرية لا يكونون مختلفين بشكلٍ كبير عن هؤلاء المولودين بولادة طبيعية عند الكِبر. كما أن كلا طريقتيّ الولادة يمكن أن تكون خطيرة. تقول هوين: «العمليات القيصرية يمكن أن تكون منقذةً للحياة، والمولودون بعمليات قيصرية هم عادةً أصحّاء. لا يوجد آثار صحيّة خطيرة للولادة القيصرية؛ إلا أن هناك بعض الآثار الطفيفة على مستوى الجماعات. فهناك اختلاف في خطر الإصابة بالتحسّس، لكن بشكلٍ عام، الولادة القيصرية آمنة على الأرجح بالنسبة للجميع».
مع ذلك، فإن فهم الاختلافات الصغيرة يمكن أن يكون مفيداً لأن الميكروبيوم قابل للتعديل. تقول هوين: «نحن مهتمّون بالطريقة التي يمكننا فيها معرفة كيفية تأثير عوامل مثل طريقة الولادة في تركيبة الميكروبيوم، وفهم تبعاتها على الصحّة. التأثير في هذه العوامل بأية طريقة قد يمكننا من تغيير خطر تعرّض الأفراد لبعض الحالات الصحية المعيّنة». تضيف: «إنه هدف يمكن تسخيره لمصلحتنا».
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً