بينما نحن نائمون ليلاً، يكون دماغنا مشغولاً بإجراء عمليات الصيانة. ويعمل النظام الغليمفاوي -وهو النظام الخاص بالدماغ للتخلص من المخلفات- على إزالة السائل الدماغي الشوكي الزائد الذي يحتوي على البروتينات الضارة قبل أن تتراكم ببطء في الدماغ. وقد وجد الباحثون أن تراكم هذه البروتينات يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالأمراض مثل مرض آلزهايمر. في ورقة بحثية جديدة نشرتها مجلة "سل" (Cell) في 8 يناير/كانون الثاني، تحدث الباحثون عن اقترابهم من اكتشاف كيفية تحديد النظام الوقت المناسب لبدء العمل، حيث يتولى الناقل العصبي في الدماغ، الذي يحمل اسم "نورإبينفرين" (norepinephrine)، دور "المفتاح" الذي ينشط عمل النظام.
اقرأ أيضاً: لماذا تهتز أجسامنا قبل مرحلة النوم العميق؟
كيف تجري عملية تنظيف الدماغ؟
اكتشفت عالمة الأعصاب الدانماركية المشاركة في تأليف الورقة البحثية، مايكن نيدرغارد، النظام الغليمفاوي في 2012، وأطلقت عليه هذا الاسم تعبيراً عن شبهه بالنظام اللمفاوي الأكثر شهرة، واعتماده على الخلايا الدبقية أو "خلايا غليال" (glial cells). وقد أخبرت مجلة بوبيولار ساينس (Popular Science) بأن النظام خضع للدراسة على نطاق واسع على مدى العقد الماضي، وأن عمله بالغ الأهمية لصحة الدماغ. وتقول: "حالياً، ثمة 2,000 مقال منشور تقريباً حول النظام الغليمفاوي، حيث يركز الكثير منها على التطبيقات السريرية. وهذه الدراسات كلها تسلط الضوء على وجود ترابط بين انخفاض التدفق الغليمفاوي من جهة، والشيخوخة والأمراض العصبية كلها تقريباً من جهة أخرى".
في كل دقيقة تقريباً تمر خلال مرحلة حركة العين غير السريعة (NREM) من النوم، يطلق الدماغ موجة من النورإبينفرين، وهو هرمون يمثل أحد النواقل العصبية الرئيسية في الدماغ. يمثل النورإبينفرين مادة قابضة فعالة، حيث يتسبب بتضيّق الأوعية الدموية، وكل موجة تتسبب بتضيق الشرايين التي تنقل الدم إلى الدماغ. بعد ذلك، تتوسع الشرايين ببطء حتى وصول الموجة التالية من النورإبينفرين.
تشرح نيديرغارد أن هذه السلسلة الإيقاعية من التضيقات والتوسعات المتكررة تعمل عمل مضخة: "يعتمد التدفق الغليمفاوي على التكرار الدوري للتضيق والتوسع". إن موجات النورإبينفرين المتكررة التي تؤدي إلى هذه التضيقات الشريانية مهمة للغاية لعمل النظام الغليمفاوي.
أدوية محفزّة
يمثل النورإبينفرين أحد النواقل العصبية الرئيسية في الدماغ، ولهذا فإنه يؤدي العديد من الوظائف، وثمة عدة زمر دوائية تعمل من خلال تعديل وتيرة إطلاقه واسترداده (إعادة امتصاصه). ومن الأمثلة على هذه الزمر مضادات الاكتئاب -خصوصاً مثبطات استرداد النورإبينفرين الانتقائية (SNRIs)- وحاصرات بيتا التي تثبط أحد المستقبلات التي يرتبط النورإبينفرين بها.
أيضاً، ثمة أدوية أخرى غير موجهة تحديداً إلى نظام النورإبينفرين، لكنها تؤثر فيه على أي حال. ولسوء الحظ فإن أدوية النوم تنتمي إلى هذا النوع، وتبحث الدراسة في كيفية تأثير أحد أدوية النوم الشائعة -زولبيديم (Zolpidem)، المعروف أيضاً باسم أمبيان (Ambien)- في تنشيط النظام الغليمفاوي وعمله.
قارن الباحثون بين مجموعتين من الفئران، حيث أعطوا مجموعة منها دواء زولبيديم. ووجد الفريق أن إفراز النورإبينفرين لدى الفئران التي أخذت جرعة من زولبيديم كان منخفضاً بصورة ملحوظة، وهو ما أدى بالنتيجة إلى كبح عمل النظام الغليمفاوي. كما كانت مستويات النورإبينفرين القصوى في أدمغة فئران الزولبيديم أقل بنسبة 50% تقريباً مما كانت عليه لدى الفئران في مجموعة الضبط، وكانت التضيقات الشريانية أقل وضوحاً.
خلصت الدراسة إلى أن دواء زولبيديم، لدى الفئران على الأقل، "يتداخل مع آلية النوم الطبيعية ويثبط التدفق الغليمفاوي". تقول نيدرغارد إنّ من المرجح أن ينطبق هذا الوضع على أدوية النوم الأخرى، لأنها في نهاية المطاف تعمل جميعها من خلال تثبيط النشاط العصبي الطبيعي في أنحاء الدماغ كافة، وهذا يشمل عمل العصبونات التي تطلق النورإبينفرين. يشير هذا إلى أن أدوية النوم تؤدي إلى أثر جانبي غير مقصود، وهو التداخل مع الطريقة التي يتبعها الدماغ للتخلص من المخلفات الخطرة.
قد تمتد هذه المشكلة أيضاً إلى أدوية أخرى. تقول نيدرغارد إن مثبطات استرداد النورإبينفرين الانتقائية، على سبيل المثال، تثبط على ما يبدو آلية التذبذب (التغيرات الدورية بين فترات الذروة وفترات الانخفاض). فقد أجرى مختبرها دراسة أخرى جرى فيها تقديم أحد مثبطات استرداد النورإبينفرين الانتقائية، الذي يحمل اسم "ديسبرامين" (desipramine) إلى الفئران، وقد أدى هذا إلى "إيقاف التذبذب عملياً".
يوضح هذا نقطة مهمة حول النظام: فالدماغ لا يستمر في إفراز النورإبينفرين دون توقف. فإذا كان المستوى الإجمالي للنورإبينفرين مرتفعاً، وتلقت العصبونات التي تطلقه إشارة لإطلاق المزيد، فإن المقدار الذي تطلقه سوف يتناقص. وبعبارة أخرى، يحاول الدماغ أن يحافظ على التوازن.
من خلال تثبيط إعادة امتصاص النورإبينفرين، يؤدي استخدام مثبطات استرداد النورإبينفرين الانتقائية إلى زيادة إجمالية في مستواه بالدماغ. وهذا يعني أن النظام الغليمفاوي عندما يبدأ العمل في أثناء النوم، فإنه يعمل ضمن "مجال" أضيق، وتكون موجات النورإبينفرين الذي يجري إطلاقه عند تنشيط النظام الغليمفاوي صغيرة نسبياً. وكما تؤكد نيدرغارد، فإن "ما يهم هو التذبذبات في مستويات النورإبينفرين".
اقرأ أيضاً: كيف ينظّم الدماغ عملية المشي؟
ما زال هناك الكثير مما يمكن أن نتعلمه حول النظام الغليمفاوي، لكن يجب أن نحرص على ضمان عدم تثبيط عمله من خلال الأدوية التي نأخذها حتى تساعدنا على النوم. تقترح نيدرغارد أن تدرس الأبحاث المستقبلية حول هذا الموضوع الأدوية المساعدة على النوم التي تعمل وفق آليات أكثر تطوراً من مجرد تثبيط شامل للنشاط العصبي. وتقول إن النهج الأفضل يتلخص في إيجاد طرق تسمح بالتذبذبات في مستويات النورإبينفرين، ما يساعد الناس على النوم، بالإضافة إلى "تعزيز النوم المجدد للنشاط على الصعيد الغليمفاوي".