مقابلة حصرية مع الدكتورة ملاك الثقفي الخبيرة العالمية بمجال الأورام حول الخرافات الشائعة عن السرطان

3 دقيقة
مقابلة حصرية مع الدكتورة ملاك الثقفي الخبيرة العالمية بمجال الأورام حول الخرافات الشائعة عن السرطان
حقوق الصورة: بوبيولار ساينس العربية. تعديل: مهدي أفشكو.

ينتشر العديد من الخرافات الشعبية حول السرطان، وللأسف يصدق الكثيرون من المرضى هذه الخرافات ما يؤثّر في علاجهم وتعافيهم من المرض، فما هي أبرز هذه الخرافات حول السرطان وكيف يمكننا التوعية لعدم الوقوع في فخ تصديقها؟

في مقابلة حصرية مع مجرة تُجيب الدكتورة ملاك الثقفي، الأستاذة الدكتورة ورئيسة قسم علم الأمراض العصبية ومديرة برنامج الزمالة في كلية الطب في جامعة إيموري الأميركية، وطبيبة استشارية في مستشفى جامعة إيموري وعضوة هيئة تدريس باحثة في قسم العلوم البيولوجية والجزيئية في مركز الأورام وينشيب (Winship) التابع لمركز الأورام الوطني الأميركي (NCI) منذ عام 2022.

اقرأ أيضاً: لماذا تنخفض معدلات الإصابة بالسرطان في الدول العربية لكنها الأعلى في الوفيات؟

ما هي أكثر الخرافات الشائعة حول السرطان التي من الضروري تفنيدها مثل عدم القدرة على علاج السرطان أو وصفه بأنه مرض عضال؟

أكثر الخرافات الشائعة بخصوص السرطان هي الترويج بأن أخذ عشبة معينة أو فيتامين معين سيشفيك من السرطان، أو أن هناك علاجاً شاملاً للسرطان تخفيه شركات الأدوية عن العالم، لكن هذا الكلام غير صحيح أبداً، فمثلا ابن الرئيس الأميركي بايدن مات شاباً بسبب السرطان. لذا، إذا كان هناك علاج للسرطان فالأولى أن يأخذه أولاً، وهناك الكثير من المشاهير وأصحاب النفوذ مثل السيناتور كينيدي وجون ماكين وغيرهما ماتوا بسبب السرطان. لا يوجد علاج مخبأ حقاً، ولا توجد عشبة أو فيتامين سيمنع السرطان، هذا الكلام غير صحيح تماماً.

ثبت أن السرطان مرض جيني، وهناك العديد من الطفرات والتغيرات التي تحدث في الخلية، لذلك يمكن أن يكون العلاج صعباً، خصوصاً في الحالات المتقدمة. لكن هذا لا يعني عدم فاعلية العلاج، أتوقع أن هناك الكثير من أصدقائنا أو أفراد عائلاتنا أصيبوا بالسرطان والآن شُفوا شفاءً شبه تام، وهذا الشفاء يعتمد على مرحلة السرطان ونوعه.

تتوفر عدة وسائل تساعد على الاكتشاف المبكر للسرطانات مثل سرطان الثدي وسرطان عنق الرحم وسرطان القولون، لكن هناك الكثير من السرطانات التي لا تتوفر لها اختبارات كشف مبكر متاحة بشكلٍ واسع. لكنني أرى التوسع في مجالات الفحص المبكر لحزمة سرطانات باستخدام تقنيات الحمض النووي الدوراني (MCED) والذي يمكن أن يكشف عن أكثر من 50 نوعاً من السرطان عن طريق عينة دم فقط. شركات مثل غريل (GRAIL) تقدّم مثل هذه الفحوصات وقد استثمرت مليارات الدولارات لتطويرها، وهذه فقط البداية في رأيي للجيل الجديد من تقنيات الفحص المبكر للعديد من السرطانات باستخدام فحص واحد وعينه دم فقط . يمكن الكشف الوراثي خصوصاً عند الأطفال من خلال معرفة التاريخ العائلي، والقيام بالفحوصات التي تسهم في الوقاية من تشكُّل السرطان بالمراحل الأولى، ما يؤدي إلى العلاج الفعّال الذي يزيد من احتمال الشفاء التام. هذه قاعدة بسيطة تنطبق على أي نوع من الأورام.

هناك عبارة تقول "يجب ألّا نقول شفاء من السرطان" هل هي صحيحة؟

السرطان مرض مزمن، والمرض المزمن غير قابل للشفاء، لكن يمكن التعايش معه، فمرض السكري أو مرض ارتفاع ضغط الدم من الأمراض المزمنة التي لا يوجد علاج لها، لكن يمكن التعايش معها. قد يكون معدل الانتكاس والإصابة بالورم بعد العلاج كبيراً، لكن يحدث الشفاء من السرطان بمعدل كبير، وتتم مراقبة حالة الشخص المُعالَج من السرطان بعد علاجه عدة سنوات، وعادةً تكون المدة بين 3-5 سنوات، وعندما يتجاوز 5 سنين من عدم معاودة السرطان، نستطيع القول إن المريض وصل إلى مرحلة الشفاء، لكن هذا لا يمنع أن السرطان يمكن أن يعاود ثانيةً، كما ذكرنا هو مرض يحدث نتيجة خلل في الطفرات التي تكون خامدة فترة ما، ثم تستعيد نشاطها لسبب لا نفهمه ولا نعلمه حتى اليوم.

لذا من المهم متابعة الحالة حتى وإن لم يعاود السرطان بعد 5 سنوات، ويجب الاستمرار بالقيام بالتحاليل الدورية، لا يمكنك القول إنك شفيت منه للأبد.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تتحدى الافتراضات القديمة حول أسباب السرطان

ما هو سبب تناقض الدراسات الخاصة بالسرطان؟ بمعنى أن الناس تسمع بدراسة حديثة تقول إن عادة معينة مثل تناول البطاطس المقلية أو شرب القهوة تزيد من خطر الإصابة بالسرطان ثم تخرج دراسة تنفي ذلك، هذا يسبب حيرة لدى الناس غير المختصين!

يجب أن يكون هناك تناقض في المجال العلمي بشكلٍ عام، وهذا التناقض مؤشر على صحة البحث العلمي، والأسباب في هذا التناقض كثيرة؛ منها اعتماد منهجية معينة من البحث واختيار عينات مختلفة عن الدراسة الثانية واستخدام أدوات مختلفة. على سبيل المثال، الناس تتناول الأسبرين منذ سنوات طويلة للوقاية من أمراض القلب وغيرها، لكن أثبتت الدراسات الحديثة أنه لا توجد فائدة لأخذ الأسبرين من أجل الوقاية، وهناك دراسات مستمرة تؤيدها، فما زال التناقض موجوداً. أنا أقول دائماً للناس: وجود دراسة منشورة لا يعني أنها كتاب مُصدَّق، فهناك عدة عوامل يجب أخذها بعين الاعتبار منها رأي الخبراء؛ أي لا ينفع قراءة دراسة منشورة عبر الإنترنت تدعم نتيجة معينة والقول إن هذا دليل قاطع يمكن اعتماده، وحتى المجلات العالمية التي نُرسل إليها الأبحاث، يراجع عدة باحثين العمل ومنهم مَن يوافق عليه وغيرهم من يعارضه، لذا أنصح بمراجعة الخبراء والمختصين في الموضوع الذي تهتم بمعرفته دون الاعتماد على الدراسات المنشورة عبر الإنترنت فقط، فهناك للأسف بعض المجلات غير المحكمة، أي لا تخضع لمراجعة الباحثين قبل نشرها ولا يتم تحكيمها، وقرأت مؤخراً دراسة في الإيكونوميست تتوقع أن أكثر من 10% من الأبحاث المنشورة الآن مكتوبة بالذكاء الاصطناعي.

هذا شيء مخيف، فالذكاء الاصطناعي يؤلف أشياء غير موجودة ويجعلها مطروحة بشكل كأنها حقيقة، فالخطر هو أن الذكاء الاصطناعي يكتب بشكل قد يخدع بعض الخبراء، وهذا يعني أنه يجب الانتباه من هذه الظاهرة. على الرغم من أن الكثير من الأبحاث التي يساعد في نشرها الذكاء الاصطناعي تكون ممتازة، فلا يزال هناك الكثير من الأخطاء، لذا من المهم الرجوع للخبراء وعدم الاتكال على الأبحاث المنشورة على الإنترنت فقط.

فاختلاف النتائج أعتبره صحياً ومقبولاً، لأنه لو كانت النتائج ثابتة ومُطلقة، هذا لن يترك مجالاً للقيام بالمزيد من الأبحاث، وسينتهي البحث.