يعتبر قصور القلب حالة مزمنة ومنهكة تتسلل ببطء إلى الفرد، وتزيد خطر إصابته بمضاعفات قلبية خطيرة. عادة ما يرتبط بعوامل خطر مثل ارتفاع ضغط الدم والسمنة. ومع ذلك، ثمة عامل مساهم غير متوقع ومغفل، إنه ضعف السمع.
كشفت دراسة جديدة نشرتها مجلة "القلب" أن ضعف القدرة السمعية يرتبط بزيادة خطر الإصابة بقصور القلب. فكيف يحدث ذلك؟ وما هو الرابط بينهما؟
اقرأ أيضاً: ما الفرق بين النوبات القلبية والسكتات الدماغية؟ وما هي الإسعافات الضرورية؟
العلاقة الخفية بين قصور القلب وضعف السمع
حللت الدراسة بيانات أكثر من 164,000 مشارك في البنك الحيوي البريطاني، وممن لم يكن يعاني قصور القلب عند بداية الدراسة. ولكن على مدى أكثر من 11 عاماً من المتابعة، أصيب نحو 4449 مشاركاً بهذه الحالة، أي نحو 3%.
قسم الباحثون المشاركون إلى 3 فئات وفقاً لقدراتهم السمعية، وهي:
- طبيعية.
- غير كافية، أي لا تكفي لأداء وظيفة معينة، مثل فهم الكلام أو اجتياز اختبار سمع.
- ضعيفة.
وذلك باستخدام اختبار الأرقام الثلاثية (DTT)، وهي طريقة تقيس مدى فهم الشخص للكلام في ظل ضوضاء الخلفية، واختبار عتبة استقبال الكلام (SRT) وهي الحد الأدنى من مستوى الصوت الذي يستطيع فيه الشخص فهم الكلام.
توصل الباحثون إلى أن خطر الإصابة بقصور القلب زاد لدى من لديهم سمع غير كاف بنسبة 15%، بينما ارتفع لدى من يعانون ضعف السمع بنسبة 28%.
ومن اللافت للنظر أنه حتى من استخدموا المعينات السمعية زاد خطر إصابتهم بقصور القلب بنسبة 26%، أي على الرغم من أن المعينات السمعية تحسن الوظيفة السمعية، إلا أنها قد لا تعالج مشكلات القلب والأوعية الدموية الكامنة التي تسهم في خطر الإصابة بقصور القلب.
كيف يسبب ضعف السمع قصور القلب؟
قصور القلب هو حالة لا يتمكن فيها القلب من ضخ الدم بفعالية، ما يؤدي إلى ظهور أعراض مثل التعب وضيق التنفس والتورم في الساقين والكاحلين. ووفقاً للباحثين فإن ما يربط بينه وبين ضعف السمع هو العاملين التاليين:
الضائقة النفسية
خلال الدراسة قيم الباحثون كلاً مما يلي:
- العزلة الاجتماعية من خلال استبيان حول عدد الأفراد المقيمين في المنزل، وتكرار زيارات الأصدقاء أو العائلة، والأنشطة الترفيهية أو الاجتماعية.
- الضائقة النفسية، باستخدام نسخة مكونة من أربعة بنود من "استبيان صحة المريض".
- العصابية، وهي سمة شخصية مرتبطة بالاكتئاب والتوتر والانفعالية الزائدة، من خلال استبيان مكون من 12 سؤالاً.
وجدت الدراسة أن الأشخاص الذين لا يرتدون أجهزة سمعية وكان لديهم مستوى (SRT) مرتفع، كانوا أكثر عرضة للعزلة الاجتماعية والضيق النفسي والعصابية. في الحقيقة إن الأشخاص الذين يعانون ضعف السمع هم أكثر عرضة للعزلة الاجتماعية والضيق النفسي والقلق والاكتئاب مقارنة بالأشخاص الذين لا يعانون ضعف السمع، نظراً لما قد تسببه مشكلات السمع من صعوبات في فهم الكلام وضعف المشاركة في الأنشطة الاجتماعية.
كما أفادت النتائج أن هذه العوامل النفسية والاجتماعية، قد أسهمت في زيادة خطر الإصابة بقصور القلب لدى هؤلاء المشاركين بنسبة 3% للعزلة، و17% للضيق النفسي، و3% للعصابية.
بكلمات أخرى، لا يؤثر ضعف السمع غير المعالج (أي عدم استخدام أجهزة سمعية) في القدرة على التواصل فحسب، بل يرتبط أيضاً بتدهور في الصحة النفسية والاجتماعية، ما قد يثير في الجسم استجابة التوتر أو ما يعرف باستجابة الكر والفر.
تحفز هذه الاستجابة الجسم على إفراز هرمونات التوتر مثل الأدرينالين، الذي يرفع معدل ضربات القلب، والكورتيزول لزيادة ضغط الدم وتعزيز التمثيل الغذائي في الجسم للحصول على الطاقة. في الحالات الطارئة تعد هذه التغيرات مفيدة، لكنها تصبح ضارة إذا استمرت فترات طويلة، كما في حالة المصابين بضعف السمع، إذ قد تسبب إجهاد عضلة القلب وتلف الأوعية الدموية.
اقرأ أيضاً: ما سبب فقدان السمع مع التقدم بالعمر؟ وكيف يمكن تجنبه؟
العامل البيولوجي
القوقعة هي تجويف صغير حلزوني الشكل في الأذن الداخلية، مسؤول عن تحويل اهتزازات الصوت إلى إشارات عصبية يفسرها الدماغ على أنها صوت. تتميز بغزارة إمداداتها بالأوعية الدموية، وارتفاع احتياجاتها الأيضية؛ فهي تحتاج إلى إمداد مستمر ووافر من الأوكسجين والمغذيات لتعمل بصورة صحيحة، ما يجعلها عرضة للخطر.
بسبب هذه الشبكة الكثيفة من الشعيرات الدموية واحتياجاتها من الطاقة، تكون القوقعة شديدة الحساسية للتغيرات في صحة الأوعية الدموية الجهازية. لذا فإن اضطرابات الأوعية الدموية الجهازية، وهي حالات تؤثر في تدفق الدم والدورة الدموية في أنحاء الجسم جميعها، مثل تصلب الشرايين أو ارتفاع ضغط الدم، يمكن أن تضعف تدفق الدم ليس فقط موضعياً، بل في شبكات الشعيرات الدموية جميعها، بما في ذلك تلك الموجودة في القوقعة، ما قد يسبب بدوره تلفاً في هياكل الأذن الداخلية الحساسة، ويؤدي إلى فقدان السمع الحسي العصبي.
أي إن ضعف السمع قد يكون مؤشراً مبكراً وحساساً لأمراض القلب والأوعية الدموية الكامنة، بما في ذلك خطر الإصابة بقصور القلب.