تشير الدراسات السريرية الحديثة؛ ومن ضمنها دراسة ستُنشر قريباً في دورية «نيتشر ميديسن»، أن مزج عقار «إم دي إم أيه» المعروف باسم إكستاسي -وهو الاسم الشائع للمركب «4،3 ميثيلين دايوكسي ميتامفيتامين- مع العلاج النفسي، قد يساعد في علاج اضطراب ما بعد الصدمة، وتسبّبت هذه الأخبار بتفاؤل وحماس كبيرين في الأوساط الإعلامية، والقليل أيضاً في المجتمع العلمي.
كطبيب نفسي وخبير في البيولوجيا العصبية وعلاج ما بعد الصدمة، أعتقد أن هذه التطورات قد تكون مهمة؛ ولكنها لا تمثّل الحدث الهائل الذي يروّج له البعض. هذه المقاربة العلاجية ليست حلّاً سحرياً جديداً، ما يلي هو تجربة أحد المحاربين القدماء مع اضطراب ما بعد الصدمة كما يصفها.
اضطراب ما بعد الصدمة: اضطراب الذكريات العاطفية
ينتج اضطراب ما بعد الصدمة بسبب التعرّض لتجارب صادمة قاسية؛ مثل الكوارث الطبيعية أو حوادث الدراجات النارية أو الاعتداءات والسرقات أو الحرب والتعذيب، وقد يصاب البعض بهذا الاضطراب بناءً على نوع وشدّة الصدمة، وهي حالة تتسّم بازدياد القلق، كما تتضمّن استرجاع الذكريات والكوابيس، ومحاولة الابتعاد عن أي أمر يُذكّر الشخص بالصدمة.
في عالم بيولوجيا الأعصاب، نحن ننظر لهذا الاضطراب كاضطراب متعلّق بالذكريات العاطفية، وفيه يُحفّز استرجاع ذكرى صادمة القلق على مستويات عالية؛ وكأن الحدث يقع حالياً، الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب يطوّرون غالباً استجابات رعب تجاه أي شيء يذكّرهم ولو بشكلٍ غير مباشر بالصدمة. ننظر أيضاً لهذا الاضطراب كاضطراب في معالجة السياق؛ حيث يستجيب شخص ما عاطفياً للضوضاء العالية ضمن بيئة مدنية آمنة وكأنّه في ساحة المعركة.
العلاجات المتوفّرة لاضطراب ما بعد الصدمة فعّالة
تتضمن العلاجات في أغلب الأحيان الأدوية المضادة للاكتئاب، والعلاج النفسي.
العلاجات النفسية هي من العلاجات الأكثر فعاليةً لاضطراب ما بعد الصدمة؛ إذ أنها تعالج الذكريات الصادمة والاستجابات العاطفية والإدراكية المتعلّقة بها؛ أي أن الشخص المصاب بهذا الاضطراب قد يخلط بين مروره بتجربة صادمة، وقناعته بأنّه شخص سيئ، والعلاجات النفسية تعالج العمليات الفكرية الناجمة عن الصدمة.
يستخدم معالجو الصدمة أيضاً «العلاج بالتعرّض»، ليساعدوا المصابين بشكلٍ تدريجي في الاعتياد على المواقف التي يتجنّبوها، أو الذكريات التي تخيفهم؛ حتى يتعلّموا أن هذه المواقف آمنة. الهدف من هذا العلاج هو تحفيز دماغ المصاب على الفصل بين الذكريات الصادمة والمشاعر السلبية التي تولّدها، وتُدعى هذه العملية «إخماد مشاعر الخوف»، وفي هذا السياق؛ يأمل الباحثون وغيرهم أن عقار إكستاسي والعقارات الأخرى قد تكون فعّالةً من خلال مساهمتها في إخماد مشاعر الخوف.
إكستاسي ليس كافياً في علاج اضطراب ما بعد الصدمة
إن استخدام العلاج بالتعرّض للتعامل مع الذكريات الصادمة عملية صعبة ومتعِبة بالنسبة لبعض المرضى، يعمل الباحثون لتحديد بعض أنواع العقارات التي يمكنها تعزيز آثار العلاج النفسي، وجعل عملية إخماد الذكريات الصادمة أسرع، أو أكثر فعاليةً.
عقار إكستاسي هو عقار يؤثّر في طيف واسع من النواقل العصبية، أو المواد الكيميائية الموجودة في الدماغ؛ والتي تُسهّل نقل الإشارات بين العصبونات؛ ومنها الذكريات الصادمة؛ مما يساعد المريض على الإحساس بشعور أفضل تجاه نفسه والآخرين، ويوثّق الرابط بينه وبين المعالج، ويعزز التعلّم بالإخماد.
تشير دراسات سريرية حديثة إلى أن استخدام عقار إكستاسي المترافق مع العلاج النفسي المُطبّق بعناية، قد يحسّن نتائج تقدّم المرضى، بالإضافة إلى أن هذه الآثار تدوم لأشهر بعد العلاج. نظراً لهذه النتائج الإيجابية؛ دخلت الدراسات المرحلة الثالثة من التجارب السريرية متعددة المواقع؛ والتي تضمّنت 90 شخصاً من المصابين باضطراب ما بعد الصدمة الحاد؛ منهم 67 يُظهرون أعراضاً متضائلةً بشكلٍ ملحوظ.
من الضروري للغاية ذكر أن إكستاسي لم يُطرح كعلاج وحيد لأية حالة كانت، وتم البحث في علاجات نفسية «مدعومة بإكستاسي» فقط ضمن هذه الدراسات.
الخروقات العلمية تكون مؤلمة أحياناً
على الرغم من أن هذه التقارير تبدو واعدةً؛ إلّا أنني أشك في التصريحات الأولية حول الخروقات الطبية. خلال تاريخ الطب النفسي؛ شعر الأشخاص بحماس زائد تجاه العلاجات الواعدة لاضطراب ما بعد الصدمة، والاضطرابات النفسية الأخرى؛ مثل: التحليل النفسي، الكيتامين، الكانابينويد، الواقع الافتراضي، البروبرانولول، المواد الأفيونية والعوامل المحفّزة للذاكرة.
على الرغم من أن كل واحد من العلاجات السابقة كان فعّالاً بالنسبة لبعض المرضى، إلّا أن أياً منها لم يكن حلّاً سحرياً. العديد من العلاجات -ومن ضمنها المواد الأفيونية والبروبرانولول والعوامل المحفّزة للذاكرة- لم يتم استخدامها بشكل رسمي خارج مخابر البحوث العلمية، أما بالنسبة لعقار إكستاسي؛ ليس لدينا بعد تفسير متين لآلية عمله التي تجعله قد يمتلك آثاراً سريعةً في تعزيز الآثار بعيدة الأمد للعلاج.
هناك فرق كبير بين دراسة بحث مُحكمة تتضمن عدداً محدوداً من المشاركين، والتعقيدات الموجودة في العمل السريري الواقعي. على سبيل المثال؛ تُستثنى العديد من الحالات النفسية أو الطبيّة التي يعاني منها العديد من المرضى من التجارب السريرية، وأيضاً،؛ يتم تطبيق العلاجات النفسية ضمن التجارب في شكلها المثالي. في حالات مثل دراسة عقاقير مثل الكيتامين وإكستاسي؛ من المستحيل تقريباً تعمية هذه الدراسات (أي إبقاء الأطباء والمرضى في جهل بمن تلقّى العلاج قيد الدراسة أو العلاج الوهمي)؛ حيث سيعلم معظم المرضى -وبالتالي معظم المعالجين غالباً- ما إذا تلقّى المريض عاملاً مؤثّراً نفسياً أم علاجاً وهمياً.
عواقب الصدمات تُغطّي طيفاً واسعاً من الأعراض؛ من منخفضة الشدّة إلى المرتفعة للغاية. وللحصول على لغة متّسقة ضمن الأبحاث؛ نرسم نحن الباحثون خطّاً تخيّليّاً في هذا الطّيف، وليكن عند الأعراض التي لها شدّة تساوي 70%، ثم نصطلح أن أي شخص يتجاوز هذا الخط يُعتبر مصاباً باضطراب ما بعد الصدمة؛ هذا لا يعني أن الشخص عند 65% أو 60% لا يعاني من أعراض أو كرب. لم تُزل أي من المقاربات المدروسة الأعراض بشكلٍ كاملبعد؛ إلا أنها خففتها مقارنة بالعلاجات الوهمية.
مخاطر عقار إكستاسي المحتملة
في حين أن العلاج النفسي والعقاقير التي تُدعى «مثبّطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائيّة» هي طرق آمنة نسبياً؛ إلّا أن العوامل مثل القنّب والكيتامين وإكستاسي لها مخاطر عديدة. أول هذه المخاطر هو الإدمان. على الرغم من أن المرضى في التجارب السريرية يتلقّون عدداً محدوداً من الجرعات؛ إلّا أنّه من المرجّح أن الأشخاص الذين يشعرون بارتياح كبير نتيجةً لتلقّي العقار ضمن التجربة السريرية، سيسعون للحصول عليه بطرق غير شرعية.
لا زلنا نتعامل مع جائحة الأفيون والبنزوديازيبين الرهيبة حتى الآن؛ وهي أدوية كان الكثيرون متحمّسين لها قبل بضعة عقود. ليس هناك الكثير من الدراسات الطولية التي تبحث في مخاطر استخدام عقار إكستاسي في المستقبل؛ هذا الأمر يمكن أن يكون معقّداً بالنسبة للأشخاص الذين لديهم تاريخ من إساءة استخدام الوصفات الطبية، أو تعاطي المخدّرات غير القانونية، أو بالنسبة لهؤلاء الذين يعانون من اضطرابات الشخصية.
على الرغم من أن شهرة العقار تشير إلى أنّه علاج بحد ذاته؛ إلّا أنّه من الضروري تذكّر أن العلاجات التي اتّضح أنّها فعّالة في الدراسات تضمّنت مزيجاً من العقاقير والعلاج النفسي.
وأيضاً؛ من الضروري تذكير الجميع بألّا يتوقّعوا أن المخدرات غير القانونية هي علاجات، ففي أحسن الأحوال؛ ستكون آثارها بنفس جودة العلاج النفسي الذي يتم تلقّيه. لذا؛ المعالِج غير البارع الذي يقدّم العلاج أو الاستشارات أو حتى الدّعم كصديق، قد يتسبب بضرر أكثر من منفعة، فإذا تعامل شخص غير خبير في علاج أحد المرضى، قد تتحفّز لديه الذكريات السلبية، لذا من الضروري أيضاً معرفة أن المخدّرات التي يمكن الحصول عليها بشكلٍ غير قانوني مختلفة للغاية عن تلك التي تُستخدم في الأبحاث. وعدم نقاء المخدرات قد يتسبب بالكثير من الضرر.
نحن الخبراء في عالم العلاج النفسي قد مررنا بهذه الظروف عدّة مرات، وفي بعض الحالات؛ ما زلنا ندفع ثمن حماسنا الأوّلي غالياً.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.