تعلّم تشكيل علاقات أكثر عمقاً عن طريق تقليل الالتهاء الرقمي المتمثل باعتمادك على الوسائل الرقمية.
أفكار رئيسية حول كيفية تشكيل علاقات أكثر عمقاً في عصر الالتهاء الرقمي
- عندما نستخدم أجهزتنا الرقمية بالطرق الصحيحة، يمكنها أن تحسّن حياتنا.
- الاستخدام المفرط لهواتفنا الذكية وحواسيبنا الشخصية وأجهزة الحاسوب اللوحية خاصتنا تسلب حرّيتنا، وتجرّد حياتنا من قيمتها.
- استخدم هاتفك كهاتف. أخبر الناس من حولك: «إذا أردتم التواصل معي، اتصلوا بي».
هذا هو الجزء التاسع من سلسلة من 9 أجزاء تُنشر على مدار 9 أسابيع متتالية.
يقول عالم النفس المعرفي «دانيال ويلينغهام»: «إحدى أكثر [جوانب] العقل عناداً وتشبثاً هو أنك عندما تفعل شيئين في وقت واحد، فأنت لا تفعل أياً منهما بنفس الجودة كما تفعل عندما تقوم بهما واحداً تلو الآخر». لهذا السبب؛ وُجد أن تعدد المهام يعد استغلالاً سيئاً للوقت.
تعدد المهام يعني ألا تُنجز المهام بشكل فعال
في الواقع؛ كشفت الأبحاث أن محاولة القيام بمهمتين في وقت واحد تستغرق وقتاً أطول من أداء مهمتين، كلٍّ على حدى، وتستهلك المزيد من الطاقة الذهنية؛ وبالتالي ترهق الدماغ أكثر؛ ما يسبب المزيد من التوتر وينتج المزيد من الأخطاء.
ربما لهذا السبب وجدت دراسة أجراها «كليفورد ناس»؛ أستاذ الاتصالات الراحل في جامعة ستانفورد، وزملاؤه أن البالغين العاملين في مجال الوسائط المتعددة الذي يتعاملون مع مصادر متعددة من المعلومات الإلكترونية في وقت واحد، لا يتذكرون الحقائق أو يحلون المشكلات بفعالية.
السبب؟ إنهم يصبحون غير قادرين على منع المعلومات غير ذات الصلة من أن تخطر في أذهانهم. بعبارة أخرى؛ هم يصبحون مشتتين للغاية لدرجة أنهم لا يستطيعون التركيز بشكل فعال على ما هو أكثر أهميةً؛ ما أدّى إلى «النتيجة المفاجئة المتمثلة في أنهم أدّوا بشكل أسوأ في اختبار القدرة على تبديل المهام».
اقرأ أيضاً: كيفية تغيير سلوكنا للتحكّم في استخدام الإنترنت
قلل الالتهاء الرقمي فلستَ محبوباً كما قد تتوقع
جاء «تشاماث»؛ وهو مهندس مدني من كولومبو - سيريلانكا، إلى إحدى المؤتمرات التي أقمتها، وتفاجأ بأن وتيرة تواصله مع الآخرين قد تباطأت بمجرد أن بدأ بتفقّد هاتفه مرتين فقط في اليوم.
قال تشاماث: «أنا لست بحاجة للتواصل كما كنت أعتقد من قبل، وأدرك الآن مدى عدم اهتمام الناس إذا استغرقت من 10 إلى 12 ساعة للرد عليهم».
إن نموذج نقاط الدخول للإنترنت (والتي تشير إلى المرات الوحيدة التي تتصل فيها بالإنترنت كل يوم) هو نموذج يحفّز على التواضع. قبل استخدامه، قد تعتقد أن الآخرين يحتاجونك كثيراً، وذلك نتيجةً لوجود الكثيرين ممن يرسلون إليك رسائل نصيةً ويراسلونك عبر البريد الإلكتروني. مع ذلك؛ بمجرد تطبيق هذا النموذج، ستدرك بسرعة أن قلةً قليلةً من الناس يتواصلون معك بالفعل.
لسنا مهمين كما نعتقد. إنه أمر مثير للقلق حقاً؛ إنها حقيقة صادمة عن شعبيتنا الحقيقية.
بضع أصدقاء حقيقيين فقط
وجدت دراسة استندت على بيانات موقع «فيسبوك» أنه على الرغم من أن الشخص العادي لديه حوالي 150 «صديقاً»؛ إلا أنه يتواصل فعلياً في الشهر الواحد فقط مع القليل منهم. يتواصل العديد من مستخدمي فيسبوك مع شخص واحد أو شخصين فقط.
يشارك «هنري»؛ وهو مهندس برمجيات حضر إحدى المؤتمرات حول القيادة التي أجريتها في واشنطن العاصمة: «منذ أن بدأت في تفقّد الرسائل النصية مرتين في اليوم فقط، اكتشفت أن معظم هذه الرسائل كانت من زوجتي. كانت ترسل لي هذه الرسائل السريعة مثل: مرحباً، هل يمكننا أن نتقابل في الثالثة في الحديقة مع الأطفال؟ أو هل يمكنك اصطحاب الأطفال في الحادية عشرة؟ أو كنت أفكر في شراء طاولة القهوة هذه من أمازون. ما رأيك؟»
قال هنري: «عندما أخبرتها عن نظام الرسائل النصية الجديد الذي أتفقد وفقه الرسائل مرتين يومياً فقط، قالت: "لا بأس. أعتقد أنني سأتصل بك فقط بدلاً من إرسال رسائل نصية". لقد أدى ذلك بالفعل إلى تقليل الرسائل التي أرسلها وأستقبلها بنحو 60%».
نظراً لأن معظمنا يتواصل بانتظام مع عدد قليل فقط من الأشخاص؛ يمكننا فقط إعلامهم باستراتيجية الحد الرقمي الجديدة التي نريد تطبيقها.
إذا كنت تتناول الغداء مع صديق أو زميل، فيمكنك أن تقول: «أوه، بالمناسبة، لا أتلقى إشعارات على هاتفي ولا أتفقد الرسائل النصية إلا مرةً واحدةً يومياً، لذلك إذا كنت بحاجة إلى أن تتواصل معي بشكل عاجل، من فضلك فقط اتصل بي». (ميزة أن تقول أنك تتفقد الرسائل مرةً واحدةً فقط في اليوم هي أن هذا يزيل أي توقع للرد في ذلك اليوم، لأنك ربما تكون قد تفقدت هاتفك بالفعل قبل أن يرسل الآخرين رسائلهم).
كلما تكلّمت مع الآخرين أكثر عن بروتوكول التفقّد المحدود للرسائل الذي تطبّقه، ستقل حاجتك إلى تفقّد الرسائل النصية قبل اجتماع ما أو مناسبة اجتماعية، لأن الآخرين من حولك سيدركون أن تخلصت من سلطة الأجهزة الرقمية.
لا للالتهاء الرقمي وتحكّم بالأدوات
في النهاية؛ الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب المحمولة والحواسيب اللوحية خاصتنا ليست سوى أدوات. إذا استخدمناها بالطرق الصحيحة، فيمكن أن تضيف الكثير من القيمة إلى حياتنا. إذا فعلنا العكس، فإنها تجرّد الطريقة التي نعيش بها حياتنا من القيمة.
إن أجهزتنا الرقمية مثل النار أو المطرقة أو السيارة: إنها أدوات يمكن أن تتسبب بعواقب إيجابية أو سلبية بالنسبة لنا اعتماداً على كيفية استخدامها.
تدور سلسلة المقالات هذه حول كيفية تقليل الإدمان المُعزز من قبل الإنترنت. (كما أكتب في كتابي الجديد: «محميّ: فن العيش الحر في العصر الرقمي»، من المهم أن نلاحظ أن إدماننا لا يكون على الإنترنت؛ بل إنه يتمحور حول نفس الأشياء التي لطالما كنا مدمنين عليها - مثل مشاهدة الأفلام الإباحية والمخدرات والتسوق - والتي يسهل الإنترنت من وصولنا إليها بتكلفة اجتماعية منخفضة).
هناك أمل: بفضل الناشطين على القضايا الاجتماعية؛ تمت معالجة العديد من حالات الإدمان بمرور الوقت. على سبيل المثال: انخفضت نسبة الأميركيين الذين يدخنون إلى 13.7% في عام 2018 - أي ثلث ما كانت عليه قبل نصف قرن.
ظهر نمط مماثل في قضية الإدمان على الكحول. وفقاً لمعهد أبحاث التعليم العالي التابع لجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس، فقد تغير أيضاً عدد الطلاب الجدد في الكلية الذين يدّعون أنهم لا يتناولون الجعة بشكل كبير، من 25% في عام 1981 إلى 41% في عام 2007.
جرب هذه الاستراتيجية. قلل من عدد المرات التي تتصل فيها بالإنترنت يومياً (نقاط الدخول للإنترنت) وستتفاجأ بسرور كيف ستبدأ بالشعور بأن حياتك أصبحت أكثر عمقاً وتوجّهاً، وفي النهاية؛ أكثر تحرراً.