التفكير الإيجابي: إيجاد النضج؛ هذا هو الجزء الأخير في سلسلة رباعية الأجزاء نُشرت على مدار 4 أسابيع متتالية. يمكنك قراءة
إذاً؛ الحياة ليست رحلةً فرديةً؛ بل تحتوي على توازن بين التآزر والانفصال، إذا ما زلت غير مقتنع بهذا الكلام؛ خذ بعين الاعتبار ما يحدث عندما نطبّق عبارة «رحلة فردية» بشكلٍ حرفي، حاول قضاء كل وقتك بمفردك وراقب ما سيحصل لك.
هذا الأمر ليس مسلّياً بالنسبة للسجناء مثلاً، وفي حين أن التعذيب ليس شكلاً قانونياً من التأديب الجزائي، فإن العقاب الأبشع الذي يطبَّق على السجناء هو الحبس الإنفرادي، لا يستطيع معظم السجناء تحمّل هذا العقاب، ويعاني العديد منهم من ضرر عقلي دائم بسببه. بمعنىً آخر؛ الانفصال المفرط عن البشر ليس أمراً عملياً.
الإفراط بالتآزر ليس عملياً أيضاً، فكما تبين دراسة حديثة، فإن الطريقة التي تقيّم فيها استقلاليتك أكثر أهميةً من كونك منفتحاً أم منطوياً. يبدو أن الأفراد المنطويين لا يستمتعون غالباً بالوقت الذي يقضونه في الوحدة مقارنةً بالأفراد المنفتحين، لماذا؟ لأن قضاءهم للوقت بمفردهم هو غالباً رد فعل على مشاعر عدم الارتياح التي يشعرون بها نتيجةً للتفاعلات الاجتماعية.
كما وجدنا أنا و«سارا رايت» من جامعة كانتربري في دراسة حديثة، فإن هذه الظاهرة مرتبطة بالسبب الذي يجعل الوحدة لا تعني أن يكون الشخص وحيداً بشكلٍ واعٍ؛ بل تتمثّل في الشعور الذاتي المزعج المرتبط باعتقادك أن علاقاتك ليست متينةً وذات معنىً كما ترغب. لهذا السبب، فالمبالغة في التواجد مع الآخرين يمكن أن تقود إلى الوحدة أكثر من قضاء الوقت مع نفسك.
التفكير الإيجابي والوحدة
كيف لنا إذاً أن نصل لهذا التوازن بين التآزر والانفصال؟ يجب أن تكون متيقّظاً لما تخبرك به مشاعرك. تذكّر: أنت تختبر حالةً عاطفيةً فقط عندما يهمّك أمر ما، وإذا كانت العلاقات الاجتماعية لا تهمك، فلن تشعر بالوحدة أبداً.
للوصول إلى هذا التوازن، انتبه للّحظات التي تمرّ في يومك وتشعر فيها بالوحدة، واسأل نفسك: «لماذا أشعر بالوحدة؟» و«ماذا يمكنني أن أتعلّم من الوحدة؟»، ثم أعد النظر بطباعك الاجتماعية وقم ببعض التغييرات.
إذا كنت ترغب في التقرّب من شخصٍ ما يرد على اتصالاتك بالرسائل النصية مثلاً؛ يجب أن تعترف بأن هذه العلاقة لن تفيدك على الأرجح في التخلّص من الوحدة عن طريق تشكيل رابط اجتماعي ذو معنى؛ لكن ما عليك فعله هو استغلال الوقت في تشكيل علاقات مع الأشخاص الذين قد لا يكونون محبوبين؛ بل صادقين وعطوفين، ولديهم قيم ومبادئ تشبه قيمك ومبادئك، والأهم من ذلك؛ يجب أن يكونوا مستعدّين ليقابلوا جهودك بالمثل.
بالمقابل؛ يجب عليك أن تدرك أنك بحاجة للعزلة لتجديد وتنشيط طاقتك الاجتماعية، اعترف أنه عندما تكون الوحدة شعوراً سلبياً مزعجاً يرتبط بقضاء الوقت وحيداً، فالميول للعزلة هو شعور إيجابي مُعزِّز يرتبط بقضاء الوقت وحيداً أيضاً، خصص أوقاتاً خلال يومك وأسبوعك للوحدة التي يمكن استغلالها، لتصبح ذات معنىً عندما تشعر بالقوة والمرونة.
التفكير في معنى الحياة في الوقت الخطأ
إحدى الأخطاء الأساسية التي يرتكبها الكثيرون هي تخصيص وقت للتفكير في الحياة خلال أوقات الضعف. هل امتنعت يوماً عن الذهاب للمدرسة أو العمل نتيجة للمرض، ثم بدأت بالتفكير في حياتك وأهدافك العامة؟
هذا خطأ فادح، ففي هذه اللحظات؛ يتحوّل ضعفنا الجسدي إلى عواطف سلبية تلقي بظلال قاتمة على أي شيء وكل شيء في حياتنا، ستتساءل عن أهدافك البعيدة، وستتولّد أفكار مثل: لن أصل إلى هذا الهدف أبداً، إنه بعيد المنال للغاية، أو إذا حاولت فعل ذلك؛ سيعتقد الآخرون أنني مجرد مدّعٍ.
لخلق العلاقة التي تحتاجها مع نفسك حتى تصل لأفضل صورة منك؛ يجب أن تخصص أوقاتاً للوحدة عندما تشعر بالقوة؛ مثل الوقت بعد ممارسة التمارين الرياضية أو الغناء أو الرقص، أو قضاء الوقت مع صديق قريب، امنح الفرصة لمشاعر القوة الفيزيولوجية الحسية التي تشعر بها حتى تُمهّد الطريق للتفكير الإيجابي؛ الذي يقود أفكارك تجاه الأشياء التي يمكنك إنجازها.
كما وجدت «أليسون غابرييل»؛ أستاذة في الإدارة في جامعة أريزونا في دراسة حديثة، أن الوحدة التي تشعر بها يمكن أن تمثّل مصدراً سلبياً لاستحضار الأفكار التي تجعلك تقع في حالة من الاكتئاب يصعب الخروج منها؛ ولكن الوحدة يمكن أن تمثّل مصدراً إيجابياً للدوافع الإيجابية التي تساعدك في إعادة تشكيل الطريقة التي تقارب فيها علاقاتك.
ما هي الأمور التي يعتمد عليها هذا الفصل؟ إنه يعتمد على ما إذا كنت تؤمن في قدرتك على تشكيل العلاقات التي تحتاجها لتستمر وتزدهر في الحياة أم لا، وحتى تولّد هذه المعتقدات الإيجابية في وعيك؛ يجب أن تخصص وقتاً تكون فيه وحيداً، وقوياً. بالمقابل؛ تجنّب الإفراط في التفكير خلال اللحظات التي تميل فيها أفكارك للتأثر بالسلبية والتشاؤم.
مع تذكّر هذه الآليات والتفكير الإيجابي؛ يمكنك تحويل الوحدة التي تعاني منها من ذلك الشعور السلبي الذي كان يدفعك للوقوع في دوامة من التفاعلات الاجتماعية المحرجة؛ التي يليها اجترار الأفكار والشك بالذات، إلى محفّز لتجديد علاقاتك، وخوض تجربة النضج الاجتماعي الذي ترغب فيه، ومع ترافق نموّك الذاتي وتقدّمك الاجتماعي، فلن تشعر بأن حياتك هي رحلة فردية.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً
*نشر بواسطة «أنتوني سيلارد»، أستاذ مشارك بجامعة ولاية كاليفورنيا، معلم وخبير في مجال القيادة، كتب العديد من المقالات العلمية حول العاطفة وإدارة المشاعر. صدر كتابه الأخير بعنوان «Screened In: The Art of Living Free in the Digital Age» في مارس/ آذار 2020.