وجدت دراسة سريرية من المرحلة الثانية نُشرت في دورية «ساينس ترانزيشونال ميديسن» في 9 يونيو/ حزيران الجاري، أن «أوكسيد النتروز»؛ والمعروف بين أطباء الأسنان باسم «غاز الضحك»، قد يساعد في تخفيف أعراض الاكتئاب عند بعض الأشخاص الذين يقاومون علاج هذا الاضطراب.
يعاني 17 مليون بالغ أميركي من الاكتئاب الذي لا تفيد العلاجات الشائعة في علاجه، ويُظهر الباحثون اهتماماً الآن في مقاربات ذات مفعول أسرع من الأدوية التقليدية؛ مثل مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية؛ والتي يمكن أن يستغرق مفعولها ما يصل إلى 6 أسابيع حتى يظهر.
يقول «بيتر ناجل»؛ المؤلّف الرئيسي للدراسة وطبيب تخدير في جامعة شيكاغو: «حتى بداية استخدام الكيتامين، لم يكن هناك أي دواء يمكن أن يخفف أعراض الاكتئاب بسرعة». وفقاً لناجل،؛ فإن الكيتامين -الذي كان معروفاً منذ زمن طويل مثل أوكسيد النتروز- يُعتبر علاجاً جديداً واعداً؛ ولكن يمكن أن يكون له آثار جانبية خطيرة؛ مثل زيادة ضغط الدم، والهلوسات والإدمان. ومثل الكيتامين، فإن أوكسيد النتروز يعطّل مستقبلاً عصبياً اسمه «إن إم دي إيه»؛ مما جعل الباحثين يعتقدون أن له آثار مضادة للاكتئاب أيضاً. وفقاً لناجل، فغاز الضحك «قد يكون أقدم دواء استخدمه البشر في الطب؛ أقدم حتى من الأسبرين». يفيد ناجل أيضاً بأن هذا الدواء استُخدم أولاً كمخدّر للتسلية في الحفلات في القرن الثامن عشر في إنكلترا، ولهذا سمي بهذا الاسم، وهو يعتبر أقل خطورةً من ناحية الآثار الجانبية مقارنةً بالكيتامين.
اقرأ أيضاً: كيف تفرّق بين الاكتئاب والقلق؟
تبعت المرحلة الثانية من التجربة السريرية المرحلة الثانية الأساسية التي شملت 20 مشاركاً (والتي نُشرت نتائجها في 2015)؛ والتي بيّنت أن أوكسيد النتروز قد يكون له آثار مضادة للاكتئاب سريعة المفعول. مع ذلك، فوفقاً لناجل: «بقيت الكثير من الأسئلة المهمة دون إجابة»؛ ومنها ما إذا كانت الجرعات الأخفض من أوكسيد النتروز فعالةً بنفس القدر ولها آثار جانبية أقل (إذ عانى بعض المرضى من الغثيان والإقياء)، وما هي المدّة التي تدوم لها الآثار المضادة للاكتئاب.
تفاصيل التجربة
شملت التجربة الجديدة؛ والتي كان الهدف منها الإجابة عن الأسئلة السابقة، 20 مشاركاً يعانون من الاكتئاب المقاوم للعلاج. كان معظم المشاركين من النساء، وكانت نسبة النساء البيض منهم هي 96%. جرّب الباحثون جرعتين مختلفتين من أوكسيد النتروز (بالإضافة إلى علاج وهمي يحتوي الأوكسيج فقط)، استنشقها المشاركون لمدّة ساعة. أجرى الباحثون سلسلة من اختبارات تقييم المزاج قبل استنشاق المرضى الجرعات، بالإضافة إلى اختبار تقييم أخير بعد 4 أسابيع من تلقّي الجرعة الأخيرة.
قال «تشارلز كونواي»؛ المؤلف الرئيسي وأستاذ الطب النفسي في جامعة واشنطن، لموقع «إس تي إيه تي نيوز»: «عملت مع مرضى الاكتئاب لزمن طويل، ولم أتوقّع أن نجد حلولاً جديدة؛ لكن المرضى في هذه التجربة، والذين عرفت بعضاً منهم لفترة طويلة، تحسّنوا بالفعل».
وجد الباحثون أن الجرعتين لهما مستويين متقاربين من الفعالية؛ ولكن الجرعة الأخفض كان لها آثار جانبية مثل الغثيان أو الصداع. عندما انتهت الدراسة التي دامت 3 أشهر، لاحظ 85% من المرضى أنهم تحسّنوا. دخل 8 من أصل 20 مريضاً في فترة الاسترخاء، وكانت مستويات الاكتئاب لديهم منخفضة، بينما شهد 11 مريضاً انخفاضاً بنسبة 50% في مستويات الاكتئاب لديهم. يقول ناجل: «لقد وضّحنا لأول مرة أن الآثار المضادة للاكتئاب يمكن أن تدوم أسبوعين عند العديد من المرضى».
أشار الباحثون إلى أن الدراسة عانت من بعض المشاكل؛ إذ كان من الصعب منع المشاركين من اكتشاف العلاج الوهمي، كما أن بعض المشاركين غيّروا جرعة مضادات الاكتئاب التي يتناولونها خلال التجربة.
اقرأ أيضا: هل يعود الاكتئاب بعد العلاج؟
قال «رافي داس»؛ خبير في الآثار النفسية للعقاقير والأدوية في جامعة «يونيفيرستي كوليدج لندن» لوكالة «إن بي سي نيوز»: «المشكلة الأساسية هي أن الدراسة ضيقة للغاية (أي لا تحتوي على عدد كبير من المشاركين)»، كما ذكر خبراء آخرون لموقع «إس تي إيه تي نيوز» أن أوكسيد النتروز يمكن أن يُساء استخدامه؛ مثل الأدوية الأخرى التي تؤثّر على الدماغ، وأنه لا توجد معلومات كافية حول أمان استخدامه المطوّل. وفقاً لما قالته «ليسا هاردينغ»؛ وهي طبيبة نفسية في كلية جامعة ييل للطب، للموقع نفسه، نظراً لأن كل المشاركين تقريباً كانوا من البيض، فالتجارب المستقبلية يجب أن تشمل مجموعة أكثر تنوّعاً.
يقول ناجل: «من المثير إيجاد هذه هذا النوع من النتائج الأولية؛ لكن هذه النتائج لا يجب إعادة إنتاجها فحسب؛ بل يجب أن تظهر في تجارب سريرية أوسع بكثير وأكثر تنوّعاً، ونأمل أن تشمل تجارب دولية».
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً