من المؤكد أنه لا توجد جائحتان متشابهتان، ولكن استجابة الناس العاطفية تجاه أيٍّ منها لا تتشابه أيضاً. هناك طريقتان أساسيتان يلجأ إليهما الناس لإدارة العواطف المؤلمة التي تنجم عن الجوائح؛ إما من خلال كبتها أو إعادة تقييمها. قد لا يكون كبت مشاعرنا هو الاستجابة الأفضل لأنه يستحيل علينا ذلك؛ إذ يمكننا فقط قمع الطريقة التي تظهر مشاعرنا من خلالها.
تشير العديد من الدراسات إلى أنّ كبت مشاعرنا يمكن أن يتسبب بالإجهاد والإرهاق والانعزال عن أنفسنا والآخرين، بينما تُعتبر استجابة إعادة التقييم، أو إعادة صياغة أفكارنا استجابةً للمواقف الصعبة، صحيةً أكثر.
لقد تسببت فترة جائحة كورونا الطويلة بصدمةٍ اجتماعية، ومثّلت أكثر فترات حياتنا إرهاقاً وضغوطاً نفسية؛ لذا فإن أفضل ما يمكننا القيام به بعد التعرض للصدمة هو «نمو ما بعد الصدمة»؛ وهو مبدأٌ في علم النفس طوّره في منتصف التسعينيات عالِمَا النفس «ريتشارد تيديشي» و«لورنس كالهون» من جامعة نورث كارولينا، وينطوي على القدرة على تحقيق تغييرات نفسية إيجابية بعد الأحداث الصادمة في حياتنا بهدف الارتقاء إلى مستوى أداء أعلى.
وجد العالمان أن الأشخاص الذين حققوا أفضل نمو ما بعد الصدمة كانوا من الذين عانوا من ضغط المواقف المؤلمة. في الواقع، ينبع نمو ما بعد الصدمة من عمق معاناتنا عندما نسمح لمشاعرنا بالانطلاق، ولأنفسنا بالإحساس بها بصدقٍ؛ بما في ذلك الأحاسيس الناجمة عن الصدمات المؤلمة في حياتنا.
إذاً، سيكون السؤال الحقيقي؛ والذي سيحدد مدى قدرتنا على النمو بعد الصدمة الحالية التي تسببت بها أكبر أزمةٍ صحية عامة في حياتنا: هل سنتقبّل ما مررنا به ونتعلّم منه، أم سنهرب من محنتنا؟ قد تقول في نفسك القول أسهل من الفعل، لأنه كيف لنا مواجهة المشاعر الصعبة؛ بما في ذلك الشعور بالوحدة والقلق والصدمة والحزن، التي عشنا معها خلال هذا الوباء؟
إليك استراتيجيةً رائعةً تعلمتها من كتاب «سوزان بيفر» بعنوان «حكمة القلب المكسور»؛ وذلك بعد أن عانيت من انفصالٍ مدمّر في حياتي؛ ما تسميه الكاتبة استراتيجية «دعوة عواطفك المُجهدة إلى العشاء».
عندما تحضر طاولة العشاء، ستدرك أنه لا يمكنك دعوة أي شخصٍ إليها. الخطوة الأولى هي أن تقول لنفسك يومياً ولعدة مرّات: أشعر بكذا وبكذا...، وكتابة هذه المشاعر على ورقة لتكون حاضرةً معك على العشاء. وبمجرد تحديد ما كنت تشعر به، تخيّل أن هذه المشاعر هي ضيوف على مائدة العشاء -حرفياً. اسأل كلّ ضيفٍ: لماذا أتيت هذا المساء، ماذا سأتعلّم منك يا تُرى؟ ثم اسأل نفسك: ما هي القيمة الأعمق التي يضيفها وجود هذه المشاعر لديّ؟.
ضع في اعتبارك أننا لا نشعر بعاطفةٍ معينة تجاه أي شيء إلا إذا كان مهمّاً فقط؛ كما يوضح عالم النفس في بيركلي «ريتشارد لازاروس»، وبالرغم من أن البحث تناول باستفاضةٍ خاصية العواطف هذه، لكن معرفتنا ما تزال قليلةً حول السبب الذي يجعلنا لا نعاني من العواطف إلا عندما لا يزال هناك شيءٌ ما تعلمنا إياه؛ متعلّق بأحداث الحياة التي تشير إليها.
لا يأتي هذا الفهم من البحث الأكاديمي، بل من الممارسات الروحية. على سبيل المثال، تقول المُمارسة البوذية «بيما تشودرون» في كتابها «عندما تتداعى الأشياء: نصائح من القلب للأوقات الصعبة»: «لا شيء يزول حتى يعلمنا ما الذي نحتاج معرفته ... إنه يستمر في العودة بأسماء وأشكال جديدة إلى أن نتعلم كل ما لديه عن المكان الذي نفصل فيه أنفسنا عن الواقع، وكيف ننسحب بدلاً من الانفتاح، وننغلق على أنفسنا بدلاً من السماح لأنفسنا بتجربة كل ما نواجهه من عواطف بصدقٍ ومسؤولية».
لماذا تعتبر مواجهة مشاعرنا مهمة؟
لنأخذ على سبيل المثال الإدمان، تنبع جميع أنواع الإدمان من ميل البشر لتجنّب تجربة عواطف صعبةٍ معينة والتعلّم منها؛ فسواء كانت المشاعر التي نحاول تجنبها هي الإحباط، القلق، الهجر، الحزن، الصدمة أو أية عاطفة مؤلمة أخرى، فقد يكون من الأسهل على المدمن كبتها أو مواراتها بشيء خارجي على المدى القصير؛ مثل إدمان مشاهدة الأفلام الإباحية أو الألعاب أو الهاتف أو الكحول أو المخدرات، بدلاً من الاعتراف بهذه العواطف ومواجهتها ومحاولة علاجها لتحسين حياتك.
وكما قرر «لوك سكايوالكر» في فيلم «حرب النجوم» مواجهة مخاوفه، والشروع في رحلته ليصبح محارب «جيداي» عظيم بدلاً من البقاء في منزله، فإن كل منا يمتلك هذا القرار دائماً؛ قرار تجاهل المشاعر المؤلمة التي نشعر بها، أو الارتقاء إلى مستوى التعلّم منها، وتحسين حياتنا بالتالي.
كل منا مدعو إلى مهمة شخصية تبدأ مع الاعتراف بأنّ عواطفنا تشير إلى هويتنا وما نقدّره، وإذا تقبلنا فكرة أن هذه العواطف وُجدت كي نتعلم منها، فإننا ننتقل إلى المستوى التالي من التطور الشخصي. سيحاول الكثير منّا جاهداً تجنّب هذه المهمة الشخصية؛ ولذلك نُعرّف الإدمان بأنه الانخراط المتكرر في نفس السلوك، رغم معرفتنا بآثاره السلبية على قدرتنا على عيش حياتنا بشكلٍ طبيعي.
وبذلك يتجلّى السؤال الشكسبيري حول هل كنّا سنواجه عواطفنا في أعماق دواخلنا نحن كبشر أم لا؟ طريقة إجابتنا على هذا السؤال ستحدد هل سننظر إلى الجائحة -لنقل بعد 10 سنواتٍ من الآن- على أنها مصدر جميع الأشياء السلبية في حياتنا، أم أنها كانت بمثابة زرّ إعادة ضبط عملاق ساعدنا على أن نكون ما هو عليه في ذلك الوقت؟
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.
*نُشر بواسطة «أنتوني سيلارد»؛ أستاذ مشارك بجامعة ولاية كاليفورنيا، معلم وخبير في مجال القيادة، كتب العديد من المقالات العلمية حول العاطفة وإدارة المشاعر. صدر كتابه الأخير بعنوان «Screened In: The Art of Living Free in the Digital Age» في مارس/ آذار 2020.