كشفَت دراسة جديدة أجراها باحثو علم النفس في جامعة كولورادو الأميركية عن أفضل 3 طرق لإزالة الأفكار من العقل، وذلك بمساعدة تصوير الدماغ والأبحاث السلوكية، ونُشرت نتائج الدراسة في دورية «نيتشر كوميونيكيشنز».
تُعتبر هذه الدراسة الأولى التي تتجاوز مجرّد طرح سؤال «هل توقفت عن التفكير في ذلك؟» على شخص ما، بل بدلاً من ذلك، ركّزَت على إلقاء نظرة على نشاط دماغ الشخص، وتحليل نمط الفكرة، ثم مشاهدتها وهي تتلاشى أثناء إزالتها.
يُعتبر الإفراط في التفكير أحد أعراض العديد من الاضطرابات النفسية، بما في ذلك الاكتئاب، والقلق، واضطراب ما بعد الصدمة، واضطراب الوسواس القهري، ويُعتقد أنه ينشأ عن نوع من العجز في الذاكرة العاملة لدى الشخص؛ وهي هي جزء من الدماغ يهتم بما هو في متناول اليد، ويمكن أن تحتوي على الكثير من المعلومات؛ عادةً حوالي ثلاثة أو أربعة مفاهيم في وقت واحد، لذلك من الضروري التخلُّص من الأفكار غير المتعلِّقة بتنظيم الأفكار وتخزينها للمستقبل.
وجد الباحثون أنه عندما يركّز الناس على استبدال فكرة بأخرى، أو تصفية أذهانهم من خلال التأمّل، تتلاشى بصمات الفكرة في الدماغ للفكرة بشكل أسرع، تاركةً بقايا ظلّها فقط في الخلفية، أمّا عندما يركّز الناس على إسكات أو «قمع» فكرةً جديدة، فإنّ توقيعها في الدماغ يستغرق وقتاً أطول ليختفي، على الرغم من أنها عندما تختفي في النهاية، يكون رحيلها أكثر اكتمالاً.
على الرغم من صعوبة إبعاد الأفكار السلبية عادةً، إلا أنه ثبُت أنّ بعض التدريبات العقلية تُنقّي الذهن بشكل أسرع، والبعض الآخر أبطأ، بينما هناك تقنيّات لا تعمل على الإطلاق، ومع ذلك، فإنّ العديد من هذه النتائج تستند ببساطة إلى التقارير الذاتية أو الاختبارات السلوكية غير المباشرة، بينما يمنحنا تصوير الدماغ قياساً أكثر موضوعية.
أظهرت أبحاث التصوير أنّ تغيير محتويات الذاكرة العاملة يُنشّط المنطقة الجدارية للدماغ؛ حيث نتلقى المعلومات الحسية ونعالجها. ومع ذلك، فإنّ مسح محتويات الذاكرة العاملة ينشّط قشرة الفص الجبهي؛ الذي يشارك في العمليات المعرفية المُعقّدة مثل اتخاذ القرار، ومن المثير للاهتمام أنّ المتطوعين في هذه الدراسة؛ الذين واجهوا صعوبة أكبر في التحكم بأفكارهم الداخلية، أظهروا نشاطاً أكبر في قشرة الفص الجبهي ومنطقة «بروكا» المرتبطة بالمعرفة الكلامية.
استند البحث السابق على ثلاثة استراتيجيات متميزة لإزالة الأفكار من العقل أثناء الاستلقاء داخل آلة التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، عُرض على 50 مشاركاً، بشكلٍ عشوائي، صور لوجوه مشهورة وفواكه ومَشاهد يمكن التعرف عليها؛ والتي فكروا فيها بنشاط لمدة 4 ثوانٍ لكل منهم، وعند إنشاء «توقيعات دماغية» لكل عنصر من هذه الأشياء، طُلب من المشاركين إما مسح الفكرة بالتأمل، أو قمع الفكر بالتركيز عليه ثم نسيانه بشكل مباشر، أو استبدال الفكرة بشيء آخر شوهد في الدراسة.
بتحليل البيانات الناتجة باستخدام التعلُّم الآلي، اكتشف الباحثون تسلسلاً هرمياً لمناطق الدماغ التي تشارك بدرجات متفاوتة في التحكُّم في الأفكار؛ بما في ذلك المناطق الجدارية والأمامية القطبية، بالإضافة إلى الفص الجبهي الظهراني المرتبط بالانتباه والذاكرة العاملة، ومن خلال النظر إلى أنماط نشاط الدماغ، كان الفريق قادراً، ولأول مرة، على إظهار متى تمّت إزالة فكرة من الذاكرة العاملة لدى الشخص.
لا يزال من غير الواضح بالضبط ما يحدث لكل هذه المعلومات في الدماغ، لكنه يشير إلى أنه يمكن إزالة فكرة بسرعة وبشكل مؤقت من الذاكرة العاملة مع التركيز الصحيح للانتباه، كما يمكن أيضاً إزالتها بشكل دائم من خلال «التدخل الذهني الاستباقي»؛ مما يفسح المجال لأفكار جديدة.
قد يكون تدريب الفرد على تحويل انتباهه عن طريق إعادة توجيه -أي استبدال- الفكر أو من خلال تقنيات اليقظة -أي تصفية الأفكار- خطوة أولى مُثمرة يتّبعها التدريب لممارسة السيطرة المعرفية لقمع الفكر غير المحبب، وبالتالي التقليل من فعاليته.