عصر القلق الجديد: كيف أثرت جائحة كورونا علينا؟

3 دقائق
القلق

وفقاً لمسحٍ أصدره مؤخراً مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها، ارتفعت مستويات القلق في الولايات المتحدة في المتوسط ثلاث أضعاف ما كانت عليه قبل عام. ما هو تفسير هذا الارتفاع؟ حسناً، ستقول أن السبب واضح؛ وهو جائحة فيروس كورونا. في الواقع، لقد لعبت الجائحة دوراً مهماً في زيادة مستوى القلق لدينا، لكن السبب في هذا الاتجاه أعمق من ذلك بكثير.

في البداية، ألمح «سيجموند فرويد»، وعالم النفس الوجودي «رولو ماي» بعده، إلى أن القلق هو خوف غامض لا تُعرف أسبابه بدقة. في الواقع، يمكن أن تساهم الكثير من العوامل في بيئتنا في شعورنا بالقلق، فنحن نشعر بالقلق عندما يكون هناك شخص أو موقف أو حدث في بيئتنا يعيق طريق تحقيق أهدافنا، أو يخالف قيمنا، وفي نفس الوقت لا نعلم ما يجب فعله حيال ذلك.

القلق هو استجابة طبيعية للجائحة. يُعتبر القلق عاطفة فطرية وضرورية للبقاء والاستمرار. وهو -بكلامٍ آخر- آلية دفاع، حيث ترتبط بيولوجياً بنظامنا الفيزيولوجي لمساعدتنا على تطوير وإدامة حالة اليقظة المفرطة، والاستعداد لمواجهة المحن والشدائد. لذلك يزيد القلق من الاجهاد، وإذا تعرضنا له بشكل متكرر بمرور الوقت، فإنه يقلل من أداء جهاز المناعة لدينا.

متى يؤدي التهديد في بيئتنا إلى مستوى عالٍ من القلق؟

عندما نشعر أنه يهدد وجودنا بحد ذاته. نحن ندرك أن وجودنا مهدد عندما تتحقق أي من الشروط الخمسة التالية:

1. عندما نشعر أننا غير قادرين على التعامل مع التهديد، وبأنه يفوق قدرتنا على مواجهته بما نمتلك من موارد متاحة.

2. يتداخل الشرط الثاني مع الأول. عندما نشكّ بكفاءتنا كبشر لأننا غير قادرين على التعامل مع التهديد بفعالية. وقد نشعر بذلك نتيجة المعتقدات السلبية حول أنفسنا والتي ورثناها عن آبائنا، أو تعلمناها من مدرسينا أو مربينا أو غيرهم من البالغين الذين شعرنا بضرورة اتباعهم؛ لأنهم كانوا أقوى منّا عندما كنا ما نزال صغاراً. ولكن، لماذا ورثنا هذه المعتقدات السلبية؟ لأن آباءنا أو القائمين على رعايتنا كانوا بمثابة عالمنا المحيط بنا. إن الاعتقاد بأنهم كانوا مخطئين في تربيتهم لنا سيكون أشبه بالاعتقاد بأن عالمنا بأسره كان على خطأ، الأمر الذي يصعب فهمه وتفسيره في الواقع. لذلك سيكون تقبّل فكرة أن آبائنا هم بشر غير كاملين وغير معصومين، أي مثلنا تماماً، سمة تدل على نضوجنا حقاً.

3. الشعور بأن التهديد في محيطنا يؤثر على هويتنا الإنسانية. على سبيل المثال، يرتبط الكثير منا بعمله نفسياً إلى درجةٍ يصبح جزءاً لا يتجزأ من هويتنا. وإذا كنت من هؤلاء الأشخاص، فستتصور أن أدنى تهديد لعملك هو تهديد لهويتك، وبالتالي سيحفّز ذلك القلق لديك.

في الواقع، نشعر أن هويتنا، والتي ترتبط بشدة بالنسيج الاجتماعي لمجتمعنا، معرضة للخطر خلال هذه الجائحة وعلى عدة مستويات. يقول «ريتشارد لازاروس»، عالم النفس في جامعة كاليفورنيا في بيركلي: «تشترك المواقف المثيرة للقلق في سمةٍ تحفيز الشعور بأن هناك شيئاً ما خطيراً سيحدث لنا، والذي يمكنه تقويض إحساسنا بماهيتنا في هذا العالم والمعنى الحقيقي لحياتنا».

4. التصور أن شخصاً أو موقفاً أو حدثاً ما في محيطنا يمثّل تهديداً لهدف حياتنا، أو القيم التي نربطها بالمعنى الحقيقي لحياتنا. على سبيل المثال، إذا قضيت جزءاً كبيراً من طفولتك في رؤية والديك وهما يتشاجران -أو يعيشان بعيدين عن بعضهما البعض في منزلين مختلفين (كما في حالتي)-، وكنت تؤمن بأن جزءاً من هدفك في الحياة هو الحفاظ على زواجٍ صحي، وتنشئة أطفالك في أسرةٍ سعيدة، فقد تثير تعليقات زوجك العرضية بأن الأطفال غير سعداء ربما قلقاً كبيراً لديك.

وبما أن قيمك جزءٌ لا يتجزأ من هويتك ولا يمكن فصلها عنها، فإن الشرط الرابع يتداخل إلى حد ما مع الشرط الثالث. في المثال الذي ذكرته للتو، قد تتحدد هويتك في أن يكون زواجك صحياً ومستداماً. وبالتالي، فإن أي تهديدات لتلك الهوية ستثير القلق لديك.

5. الشعور بأن وجودك مهدد إذا كنت تشعر بأن شخصاً أو موقفاً أو حدثاً ما في بيئتك يمثل تهديداً لحياتك نفسها. يقول لازاروس: «الشعور بقرب الموت، والذي يمثل نهاية وجودنا الجسدي والنفسي، هو السبب الرئيسي للقلق».

بناءً على الشروط الخمسة آنفة الذكر، يعرّف لازاروس القلق بأنه عاطفة «وجودية». أي أنك عندما تتصور شخصاً أو موقفاً أو حدثاً ما في بيئتك بمثابة تهديد، فإنك تميل إلى تفسير ذلك التهديد على أن ليس مجرد تهديدٍ عابر لشيء تمتلكه، مثل سيارتك أو وظيفتك، أو حتى علاقتك بالشريك، ولكنك تنظر إليه كتهديدٍ لوجودك تماماً.

هناك العديد من القضايا التي يمكننا أن تفعلها حيال هذه الشروط الخمسة. ومع ذلك، فنحن كبشرٍ «بخلاء معرفياً» وعقولنا كسولة ولا نرغب في التفكير كثيراً. لذلك يميل معظمنا إلى التركيز على الإجراءات الفورية التي يمكن أن نتخذها للحد من التهديد؛ بدلاً من التركيز على المعنى الوجودي للتهديد نفسه، وهو ما يثير قلقنا حقّاً.

قد تتمثّل الإجراءات الفورية هذه خلال جائحة كورونا في ارتداء القناع الواقي، وغسل اليدين، والحفاظ على مسافة مترين من الآخرين. ومع ذلك، ما زلنا نشعر بعدم الأمان على المستوى الوجودي الأعمق، لأننا نعلم أن التهديد يتجاوز كونه مجرّد تهديد جسدي إلى تهديدٍ اجتماعي ونفسي واقتصادي وسياسي.

في حين أنه من المسلّم به أنه يجب التفكير كثيراً بقلقنا، فإن فهم أسبابه على مستوى أعمق سيقلل من تأثيره غير المرئي علينا. إن مستقبل رفاهنا في هذا العالم الذي نعيش فيه، والذي يصبح معقداً أكثر فأكثر، يعتمد إلى حدٍ كبير على مواجهة أسباب قلقنا ومعالجتها بحكمةٍ وروية.


هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي