1. الانسجام والوئام يبني علاقة
من الصحيح القول أنه في معظم الحالات الّتي تُقابل فيها مبادراتك الودية تجاه الآخرين باللامبالاة أو التجاهل، فإن المشكلة ليست فيك أنت، بل فيهم. مع ذلك، يمكنك دفع الأشخاص الأكثر تحفظاً وانعزالية واستقلالية للتجاوب عندما يفي تفاعلك معهم بتلبية احتياجاتهم النفسية. يجب أن يكون تفاعلك صادقاً وأصيلاً، الأمر الّذي يجذب الشخص الآخر إليك ويجعلك ودوداً.
استكشف «زاكاري جي بيكر» وآخرون، في بحثٍ أجروه هذا العام، دور الانسجام في تلبية الاحتياجات النفسية الأساسية. وقد وجدوا أنّ الوئام يرتبط بشكلٍ إيجابي بعدة أنواعٍ من إشباع الحاجات النفسية، ومن المرجح أن يتنبأ بشكلٍ مستقل بمدى الحاجة إلى الرضا في مجالات الاستقلال الذاتي، والكفاءة والعلاقات.
يشرح بيكر وآخرون أنّ للانسجام 3 مكوّناتٍ رئيسية، وهي التأثير الإيجابي والاهتمام المتبادل، ومستوى التّنسيق بين الشّركاء المتفاعلين، ويصفون هذه المكوّنات بأنّها تشبه «الرّنين الإيجابي»، وهي توليفة من التّأثير الإيجابي المشترك والرّعاية المتبادلة والاهتمام، بالإضافة إلى التّزامن السّلوكي والبيولوجي. كما لاحظوا أنّ الرّنين الإيجابي المُتصوّر مرتبط بالعواطف الإيجابيّة وبالصحة العقليّة، ومرتبط بانخفاض الإصابة بالأمراض وأعراض الكآبة، والشّعور بالوحدة.
2. بناء العلاقات مع المعارف
مع من يمكنك بناء العلاقات؟ لحسن الحظّ، التّقارب ليس شرطاً أساسياً لمن تريد بناء علاقة معه؛ فقد لاحظ بيكر وآخرون أنّه بإمكاننا الانسجام مع أشخاص لسنا قريبين منهم. وبالتّالي، يمكنك أن تنجح في تكوين علاقةٍ مع زميل العمل البعيد تماماً، كما لو كان أحد أفراد أسرتك.
كما يشير بيكر وآخرون إلى أنّنا بطبيعتنا نتفاعل بشكل روتيني مع الأشخاص غير المقرّبين، لأن العلاقات العرضية أقل عبئاً علينا من حيث تكوينها والحفاظ عليها. ومع ذلك، تشير نتائجهم إلى أن العلاقة الفريدة بين الانسجام والاحتياجات النفسية تحدث عبر الزمن والإدراك العلائقي بين الأفراد. إن حقيقة أن هذه الارتباطات لم تختلف اعتماداً على نمط العلاقة أو مستوى حميميّتها تشير إلى أن جميع أنواع العلاقات هي طرق مهمة محتملة لتلبية الاحتياجات النفسية والعاطفية.
فكيف إذاً يمكننا بناء الألفة والانسجام مع الأشخاص البعيدين عنا عاطفياً وجسدياً؟ من خلال أمرين، سياق المحادثة ومحتواها.
3. التوافق
يتطلب كسب الآخرين أكثر من الكلمات. لقد درس «نامكجي كودنبورج» وآخرون عام 2017 تأثير شكل المحادثة -بغض النظر عن المحتوى- على تطور وتنظيم البنية الاجتماعية. وقد لاحظ -من بين النتائج الأخرى- أنّ الإحساس بـ «الواقع المشترك» لا ينتج فقط من تبادل المعلومات خلال المحادثة، بل من الإدراك الذاتي لتجربة المحادثة سلسة التدفق بين كلا الطرفين. يصف كودنبورج أطراف المحادثة في هذه الحالة بأنهم «على نفس الموجة» ويختبرون نفس الواقع المشترك الناجم عن الإحساس الداخلي الذي تولده سلاسة المحادثة وسهولة تدفقها.
ويقدم الباحثون مثالاً كيف يمكن لمكالمات الفيديو التي تتخللها بعض المشاكل التقنية؛ في أن تكون حاجزاً يحول دون تكوين فكرةٍ حسنةٍ عن الأشخاص في الطرف الآخر من المحادثة. على سبيل المثال، يمكن لباحثٍ عن العمل من الخارج؛ متمتع بسيرةٍ ذاتية ممتازة وشخصية ودودة وإجابات مقبولة للأسئلة المتعلّقة بالوظيفة، أن يفشل في المقابلة ويظهر بأنّه غير ملائمٍ للوظيفة لمجرّد أنّ من يُجري المقابلة معه لم يرتح له.
قد يكون السبب في الافتقار المُتصوَّر للحماسة لدى المسؤول عن المقابلة، أو ترك الشّخص الّذي تقدّم للعمل انطباعاً بأنّه بعيد ومنعزل، أو حتّى فشله في الضّحك على نكات المُحاور. في الواقع، وسواء أدركنا ذلك أم لا، فإن هذا النّوع من نقص تدفق المحادثة يمكن أن يخلق- دون وعي- حاجزاً بين الأشخاص.
يبدو أن الاقتراب من الأشخاص البعيدين عنّا يتطلّب التّخطيط والإعداد المسبق، وكذلك إظهار الاحترام الصادق لهم. ولكن إذا كان تكوين علاقةٍ معهم أمراً مهمّاً، فهناك دائماً طرقٌ لخلق الانسجام والوئام معهم من خلال الاتصال والمحادثة.