علماء يتمكَّنون من إجراء تقدُّم طبي كبير لمعالجة العمود الفقري

3 دقائق
تعتبر آلام الظهر إحدى الأسباب الرئيسية للإعاقة.

إن العمود الفقري مدهش جداً، فهو هيكل لا مثيل له في الجسم؛ لأنه يمكِّنك من التحرُّك في جميع أنحاء العالم والقيام بالكثير من الأشياء الرائعة، ولكن نظراً لتعقيده الشديد، فهو أيضاً عرضة للإصابة. ويعدُّ ألم العمود الفقري سبباً رئيسياً للإعاقة، وقد تزايد تركيز الأبحاث عليه في السنوات العشرين الماضية. وأظهرت دراسة جديدة نُشرت مؤخراً بعض أكثر الإجراءات طموحاً وهي تؤتي ثمارها، وذلك في العمود الفقري عند الماعز على الأقل.
وقد أجرت الدراسة مجموعةٌ من الباحثين متعدِّدي الاختصاصات في جامعة بنسلفانيا، وتم نشرها في مجلة سيانس ترانسليشنال ميديسين (Science Translational Medicine)، وتدعم هدفاً يسعى إليه بعض أعضاء الفريق منذ أكثر من عقد من الزمن، وهو اكتشاف كيفية الاستبدال بالأقراص الفقرية التالفة أقراصاً أخرى مزروعة في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية للمريض نفسه.
ويقول مؤلف الدراسة روبرت موك (الذي يدير مختبراً لأبحاث العظام في جامعة بنسلفانيا): "في كل مرة تمشي فيها خطوة أو تحرِّك عنقك أو ترفع شيئاً ما، يحدث ضغط على أقراص العمود الفقري". وتعتبر الأقراص جزءاً أساسياً من وظيفة العمود الفقري، وقد يؤدي تلفها إلى الكثير من الألم، ولكنها معقدة أيضاً، ويوضّح ذلك موك بقوله: "إن الأقراص هي الأنسجة الرخوة للعمود الفقري، أي جزء العمود الفقري الذي يتيح لك الانحناء والالتواء".
وتتكون هذه الأقراص من جزأين مختلفين ومعقَّدين من الناحية الميكانيكية؛ فمركزها عبارة عن كيس يحتوي على مادة مائية تعمل ممتصٍّاً للصدمات عند الحركة، ويحيط بالمركز حلقة من مادة أقسى، وهي التي تعمل كشريط ضغط، وتتحكم في المادة الهلامية (إذا لم تتصوَّر الأمر بعد، فهناك صورة في هذا الرابط)، ويتوضَّع هذا التركيب بين فقرتين، أو بين عظام العمود الفقري.
وتساعد الأقراص في الحفاظ على استقامة العمود الفقري وتتيح لك القيام بالكثير من الحركات الصعبة، ولكنها تمثِّل تحدياً كبيراً من وجهة نظر مختبر موك، حيث يقول موك إن السبب الرئيسي هو أن أقراص العمود الفقري هي أكبر بنية في الجسم ليس لديها تغذية دموية خاصة بها، فهي تعتمد على الدم الذي يغذِّي الفقرات لتحصل على المواد المغذية، مما يعني أن هذه المغذيات قد تضطر إلى الانتقال لمسافة مليمترات (قد تكون هذه مسافة صغيرة خارج الجسم، ولكنها مسافة كبيرة في العمود الفقري) للحفاظ على استمرار الوظائف الخلوية المهمة. وليس من البسيط زراعة أقراص جديدة تحتوي على خلايا يمكنها التعامل مع هذه البيئة.
وقد تم تنفيذ هذا الإجراء قبل ذلك بنجاح في ذيل الفأر، يقول موك: "لقد بدأنا بداية صغيرة"؛ إذ قام الباحثون بزراعة القرص البديل في المختبر باستخدام طبقة من المواد الحيوية لإعطائه شكلاً يعمل كدعامة، بالإضافة إلى الخلايا الجذعية الخاصة بالفأر. وقاموا بزرع القرص البديل في ذيل الفأر ولاحظوا كيفية عمله لمدة خمسة أسابيع، واكتشفوا أن بإمكانه استعادة وظيفة القرص الأصلي.
وفي دراسة جديدة، قاموا بإجراء نفس العملية على الماعز، وهي تعتبر جيدة للدراسة لأن عمودها الفقري يشبه ذلك الموجود عند البشر ولديه أجزاء متشابهة في الحجم، وذلك كما يقول موك. وبعد زراعة القرص في المختبر ونقله بواسطة نفس التجهيزات الجراحية التي يستخدمها هارفي سميث (أحد مؤلفي الدراسة) على مرضاه البشر، قام الباحثون بمراقبة الماعز خلال خمسة أسابيع، ووجدوا أن وظيفة القرص بقيت على حالها أو تحسَّنت عما كانت عليه عندما تم زرعها. وبعد مرور ثمانية أسابيع، كان القرص يندمج مع الأنسجة المحيطة.
ويقول موك: "من السهل جداً زرع الأشياء في المختبر من الناحية الأكاديمية"، ويضيف أن زرع شيء ما في المختبر ورؤيته وهو يندمج مع الجسم ويقوم بوظيفته كان أمراً مثيراً.
ومن الجدير بالذكر أن جيمس أياتريديس (مدير برنامج أبحاث العمود الفقري في كلية أيكان للطب بمستشفى ماونت سايناي) لم يشارك في البحث الحالي، ولكنه يقول إنه يتتتبَّع فريق موك منذ بعض الوقت، ويضيف: "أعتقد أنها دراسة رائعة وأنه تقدُّم مهم. وما أدهشني هو أنهم تمكَّنوا من إبقاء الخلايا على قيد الحياة وجعلها مُنتجة [خلال ثمانية أسابيع]". وقد تمكَّنت الخلايا الجذعية المستخدمة لزراعة القرص البديل من معرفة كيفية التعامل مع بيئة تفتقر إلى التغذية الدموية الخاصة بها. ويقول: "هكذا تستطيع المواد المغذِّية أن تدخل وتلاحظها الخلايا وتواصل عملها".
وفي حين أن هذا التقدم يعتبر مثيراً بحدِّ ذاته، إلا أن موك يحذِّر من أن إجراء محاولة مماثلة لاستبدال الأقراص عند البشر هو أمر بعيد المنال. أولاً، يقول بأن فريقه يخطط لمواصلة العمل على الماعز، ومتابعة كيفية عمل قرص البديل لمدة عام على الأقل. وإذا سارت الأمور على ما يرام، فعندها ستكون هناك سلسلة من التجارب وموافقات إدارة الأغذية والأدوية الأميركية قبل أن تصبح العملية متاحة لعامة الناس. وسيستغرق هذا الأمر سنوات من الآن.
وعلى الرغم من أن عملية زرع القرص لا يزال يلزمها بعض الإجراءات قبل أن تصبح عملية عادية إن كان ذلك ممكناً أصلاً، إلا أن أياتريديس يقول إن هناك الكثير من الأسباب التي من شأنها أن تجعل الأشخاص المصابين بألم العمود الفقري يتفاءلون بأن خياراتهم العلاجية سوف تتحسَّن خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة. ويضيف أياتريديس: "ستتحسن الإجراءات والمواد الحيوية وعملية صنع القرار كذلك".

المحتوى محمي