تعدّ البكتيريا التي تعيش داخل الأمعاء - والتي تشكل مجتمعة ما يسمى بالميكروبات المتعايشة في الأمعاء - متنوعة بشكل كبير، مع عدد لا يحصى من الأنواع والسلالات. ولكنها تختلف أيضاً اعتمادا على الفرد – حيث أن الميكروبات المتعايشة عند شخص ما لا تتماثل مع تلك الموجودة عند شخص آخر سوى قليلاً. وقد وجد العلماء بأن هذه الاختلافات يمكن أن ترتبط بصحتنا. فعلى سبيل المثال، من المرجح أن يكون لدى الشخص المصاب بمرض السكري مجموعة معينة من الميكروبات بشكل أكثر من الشخص غير المصاب بالسكري. ولكن آليات هذا التأثير البكتيري لا تزال غامضة جداً.
وفي دراسة نشرت يوم الأربعاء 30 أغسطس في مجلة نيتشر، اتخذ العلماء خطوة باتجاه اكتشاف ذلك. ووجدوا بأن الجزيء الذي تنتجه بعض أنواع البكتيريا يمكنه أن يتفاعل مع مستقبلات البروتين عند الفئران – توجد هذه المستقبلات أيضاً عند البشر – مما يحسّن في نهاية المطاف من تنظيم الجلوكوز عند القوارض. ويمكن لهذه النتائج أن تساعد الباحثين على فهم آلية مساهمة البكتيريا في الحفاظ على الصحة، ومعرفة التغيرات التي تحدث على مستوى البكتيريا عندما نقع ضحية للمرض. وفي المستقبل، يمكن لهذه المعرفة أن تسمح لنا بتوظيف الميكروبات الطبيعية لعلاج المرض بالفعل.
ويقول المؤلف الرئيسي شون بريدي، وهو عالم الأحياء الدقيقة في جامعة روكفلر: "كنا نعلم بأن البكتيريا تنتج الجزيئات التي تمكّنها من التواصل، وبأن هذه الجزيئات تستهدف المستقبلات في الخلايا البشرية. وربما تقوم البكتيريا لدينا بإنتاج الجزيئات أيضاً، والتي قد يكون لها بعض التأثير علينا".
على مدى العامين الماضيين، قام بريدي وفريقه بجمع عينات البراز لتحليل الحمض النووي للميكروبات التي تعيش بداخلها. وكشف كل هذا البحث عن جزيئات ترسل إشارات في البكتيريا وتعرف باسم الأميدات N-acyl. وتشارك هذه الجزيئات عند البشر في مجموعة متنوعة من مسارات الإشارات المختلفة. فعلى سبيل المثال، فإنها ترتبط بمجموعة من البروتينات الموجودة على السطح الخارجي للخلايا والتي تعرف باسم GPCR. وبمجرد ارتباطها فإنها تأمر الخلية القيام بوظائف معينة، مثل تحرير الناقلات العصبية أو غيرها من البروتينات. فهي في جوهرها تساعد الجسم على تنظيم نفسه.
وركّز الباحثون على تفاعل الأميدات N-acyl مع GPR119، والذي يساعد على السيطرة على تنظيم سكر الدم عند الفئران. إذ قاموا بإعطاء إحدى مجموعات الدراسة سلالة من البكتيريا التي تحتوي على N-acyl وتركوا المجموعات الأخرى بدونها. ووجدوا بأن مجموعة الفئران التي حصلت على الأميدات N-acyl كان استقلاب الجلوكوز لديها أفضل بكثير من تلك التي لم تحصل عليها. وبعبارة أخرى، كانت الفئران التي حصلت على البكتيريا الخاصة أكثر قدرة على تفكيك واستخدام الطاقة الموجودة في الجلوكوز، مما يسمح لها بإرسالها إلى الخلايا والأنسجة بحيث يمكنها دعم وظائفها الجسدية.
فماذا يعني كل هذا بالنسبة للبشر؟ فنحن نعرف بالفعل بأن الميكروبات قد يكون لها تأثير على صحتنا، ولكن كيفية تأثيرها علينا غير واضحة. وإذا تمكنّا من التعرف على بعض التفاعلات كالتي اكتشفها بريدي وفريقه، وإثبات أنها تحدث عند البشر أيضاً، فيمكننا معرفة كيفية استخدام البكتيريا كدواء. من الناحية النظرية، فإن مثل هذا الارتباط بين البكتيريا والجزيئات التي ترسل الإشارات يمكن أن يساعد في تنظيم نسبة السكر في الدم والسيطرة على الوزن، أو حتى الوقاية من الإصابة بأمراض المناعة الذاتية.
ولكن هذا الهدف لا يزال بعيداً لعدة سنوات. ففي الوقت الراهن، كل ما نعرفه هو أن مجموعة كبيرة من ميكروبات الأمعاء تبدو مفيدة. كما أن أفضل طريقة لتحسين التنوع في الأمعاء هو تناول مجموعة متنوعة من المواد الغذائية، بما فيها الكثير من الفواكه والخضروات والكثير جداً من الألياف.