مُخطئٌ من يعتقد بأن البعوض مجرد حشرةٍ صيفيةٍ مزعجة، إذ إنه ناقل خطيرٌ أيضاً للعديد من الأمراض الفتاكة، مثل الملاريا التي تهدد سلامة أكثر من نصف سكان الأرض، وتُصيب حوالي 300 مليون ضحية كل عام. ومع تزايد استخدام المبيدات الحشرية، تطورت أجيال جديدة من البعوض قادرة على مقاومة المبيدات الحشرية، ما يهدد بإجهاض الجهود المبذولة لمكافحة البعوض والأمراض التي ينقلها.
وقد أظهرت دراسة حديثة أجرتها جامعة ميريلاند الأميركية إمكانية استخدام فطور مُعدلة جينياً قادرة على إنتاج سموم مشابهة لسموم العناكب والعقارب في القضاء على تلك الحشرات، وبالتالي حل مُعضلة مقاومتها للمبيدات الحشري التقليدية.
يقول المعد المساعد للدراسة ريموند جون سان ليجر، أستاذ علم الحشرات بجامعة ميريلاند: "لقد حثّت منظمة الصحة العالمية مراكز الأبحاث في مختلف أنحاء العالم على ابتكار طرائق جديدة للقضاء على البعوض، وما النتائج التي توصلنا إليها إلا ثمرة استجابتنا لذلك النداء."
يُطلق على الفطر المُستخدم في هذه الطريقة اسم ميتاريزيوم بينغشانزي، ويُعرف بكونه قاتلاً طبيعياً للبعوض. إلا أنه لا يتمتع بمفعول سريع في القضاء على تلك الحشرات.
يقول سان ليجر: "تستغرق الفطور عادةً زمناً طويلاً جداً للقضاء على البعوض".
وقد أراد سان ليجر وزملاؤه تسريع تلك العملية، ولذلك عمدوا إلى إنتاج سلالات معدلة جينياً من الفطور باستخدام سموم عقارب يُطلق عليها اسم أندروكتونس أوستراليس، والتي تستوطن شمال أفريقيا، وعناكب يُطلق عليها اسم هادرونيش فيرسوتا، والتي تستوطن جبال بلو ماونتنز بالقارة الأسترالية وتُعرف بشباكها قمعية الشكل. يستطيع سم العقارب سد قنوات الكالسيوم لدى البعوض، في حين يستطيع سم العناكب سد قنوات البوتاسيوم والكالسيوم، مما يجعل تأثيرات هذه السموم تفوق تأثيرات المبيدات الحشرية التقليدية. ومع وجود هذه السموم في الفطور، يُصبح بإمكان كل بوغ فطري القضاء على بعوضة. وبحسب سان ليجر، فلا يوجد ما هو أفضل من ذلك.
وقد أفاد تقرير الدراسة بأن جميع البعوضات التي أصابتها العدوى الفطرية قد فقدت قدرتها على نقل طفيلي الملاريا في فترة لا تزيد عن خمسة أيام، وهو ما يفوق العتبة القياسية لمنظمة الصحة العالمية فيما يخص عوامل مكافحة ناقلات الأمراض.
والآن، هل تعلمون ما هو أفضل جزء في هذا الخبر؟ لقد وافقت وكالة حماية البيئة الأميركية على استخدام تلك السموم، إذ إنها آمنة ولا تؤثر سوى في البعوض المستهدف بسبب نوعيتها العالية. فقد أظهرت التجارب بأن الفطور المعدلة وراثياً لا تُلحق أي أذى بنحل العسل، ما ينفي احتمال أن هذه الفطور وبالاً على البشر في المستقبل.
وبحسب المعد المساعد للدراسة بريان لوفيت، فإن جامعة ميريلاند قد استعانت بعلماء من معهد أبحاث علوم الصحة بمدينة بوبو ديولاسو في بوركينا فاسو لتطوير الناموسيّات (شِباك الأسرّة) المُعالجة بالفطور القاتلة.
يقول لوفيت: "لقد شهد هذا المجال بالتحديد صعود التقنيات الحديثة فيه، والتي تمثلت في الناموسيات المعالجة بالمبيدات الحشرية، وساعدتنا كثيراً في حربنا ضد الملاريا في تلك المنطقة من العالم، إلا أن فعاليتها تراجعت مؤخراً بسبب تمكن البعوض من تطوير مقاومة تجاه المبيدات الحشرية".
وبحسب سان ليجر، فإن الطريقة الجديدة تقوم في البداية على مزج الفطور المُعدلة جينياً مع زيت السمسم، والذي يُرش فوق الأغطية السوداء المتوفرة، ومن ثم تعلّق الأغطية في أرجاء المنزل. تنجذب البعوضة إلى اللون الأسود، وحالما تقف على الغطاء فإنها تُصاب بالعدوى الفطرية، ما يُشكل بداية نهايتها.
من المقرر أن يشرع الباحثون في اختبار الأبواغ الفطرية على البعوض في وسط مغلق من الشباك، بالإضافة إلى اختبارها على أصناف حشرية أخرى. وبحسب سان ليجر، فمن الضروري أيضاً فتح قنوات للحوار مع المجتمعات التي قد تستفيد من هذا المنتج الجديد.
يقول سان ليجر: "إننا نقوم بإجراء اختبارات الأمانٍ بشكل مستمر، ونتحدث دائماً مع الناس والخبراء والحكومات، فهؤلاء جميعاً هم المستفيدون الحقيقيون من مكافحة البعوض، والذين سيتأثرون جوهرياً بالتقنية الحديثة".