تُصدِر مفاصلنا أحياناً الأصوات التي نعرفها باسم الطَّرقَعة أو الطَّقطَقَة، لكن المصطلح العلمي لها هو الفرقعة المفصلية "Crepitus" المأخوذ من الجذر اللاتيني الذي يعني "القعقعة". وكلنا تقريباً وعلى اختلاف أعمارنا سمعنا هذه الأصوات، لكنها تصبح أكثر شيوعاً مع التقدُّم في العمر. فما الذي يسبب الفرقعة المفصلية؟
يُعد تكوُّن الفقاعات الهوائية في البطانة السائلة للمفاصل -التي تملأ المسافة الفاصلة بين العظمتين- السبب الأكثر شيوعاً لصدور أصوات الفرقعة. تتباعَد عظام المفاصل يومياً خلال الأنشطة الطبيعية أو بسبب الحركات المقصودة عند إجراء التمارين أو الخضوع للعلاج الطبيعي، وعندما يحدث ذلك يُسبِّب انخفاض الضغط في المسافات البينية عند المفاصل تكوُّن فقاعات من الغاز (الأكسجين والنيتروجين وثاني أكسيد الكربون) داخل السائل الزُّلالي، الذي يؤدي وظيفته في المفاصل كزيت تشحيم طبيعي.
قد يُشعرك هذا الصوت بالقلق، خاصةً إن لم تكن معتاداً على صدوره من مفاصلك، لكن العلماء يقولون بأنه طبيعي تماماً ولا يجب أن يثير المخاوف.
جدلٌ علمي
استمر الجدال طويلاً بشأن تكوُّن فقاعات الهواء المسببة لأصوات الفرقعة المفصلية. وقد سُجِّلَت المحاولة العلمية الأولى لفهم الظاهرة في دراسة أُجريت عام 1947 قالت إن تكوُّن الفقاعات يحدث بعد صدور أصوات الفرقعة، لكن دراسة تالية استنتجَت العكس تماماً، وأن الصوت هو الذي ينشأ بسبب انفجار الفقاعات.
وقد تسبَّب هذا التعارُض في إثارة جدلٍ استمر حتى نُشرَت دراسة عام 2015 استخدَمَت تقنية التصوير الآني للمفاصل أثناء حدوث الفرقعة، وأثبتَت أن تكوُّن الفقاعات هو الذي يُسبب صدور الصوت. ومن المنطقي أن إعادة تراكم الغازات لتكوين فقاعات تتطلَّب وقتاً، وهو السبب وراء حقيقة أنك لا تستطيع فرقعة أصابعك مرتين خلال فترة قصيرة.
ومِن أكثر مَن يمرون بتجربة الفرقعة المفصلية أولئك الذين يمتلكون قدرات على ثني مفاصلهم فيما يتجاوز مَدَاها الطبيعي، وهو ما يُعرَف بفرط حركة المفاصل joint hypermobility، وهذا لأن عظام مفاصلهم تتباعد بسهولة عن بعضها لمسافات أكبر، مما يسمح بتكوُّن المزيد من فقاعات الهواء في السائل الزلالي. وهذه الحالة -وهي تختلف عن متلازمة فرط حركة المفاصل - شائعة إلى حد كبير، وتوجد لدى نسبة 10 إلى 20% من الناس. وهي حالة وراثية، ولهذا فهناك عائلات تنتشر فيها أصوات فرقعة المفاصل.
ولا بد أنك قد سمعت في طفولتك التحذير الشهير من أن فرقعة أصابعك ستصيبك بالتهاب المفاصل. لكن العديد من الدراسات تؤكد أن هذا غير صحيح بالمرة. ومن الطريف أن هذا التحذير قد شغَل بال أحد الباحثين إلى درجة أنه قام - في تجربة امتدَّت على مدى حياته - بفرقعة أصابع يدٍ واحدة من يديه لستين عاماً تقريباً ليرى في النهاية إذا كان سيصاب بالتهاب المفاصل في تلك اليد! ولحسن حظه فقد توالَت نتائج الفحوصات والأشعة لتؤكد خُلُوّ يديه الاثنتين من أية علامات إصابات في المفاصل.
لكن في بعض الأحيان يوجد سبب آخر تشريحي خلف أصوات الفرقعة المفصلية، مثلما يحدث عندما تنزلق الأوتار (وهي الأنسجة التي تربط العضلات بالعظام) فوق بعض البروزات العظمية قبل أن ترتد في سرعة إلى مكانها، وهو ما يسبب مثلاً الصوت الذي تصدره الركبة أحياناً عند القيام من وضع الجلوس إلى وضع الوقوف، أو عند طلوع السلالم حين تنزلق أوتار الركبة فوق مفاصلها العظمية. والأصوات من هذا النوع تتكرر أكثر مع التقدُّم في العُمر وفقدان العضلات لمرونتها وحجمها وقوتها، وفي الوقت نفسه تفقد الأوتار نفسها كثيراً من الليونة. هذه التغيُّرات كلها تساهم في زيادة احتمال صدور أصوات الفرقعة عند احتكاك العضلات والأوتار بالعظام، لكن تبقى هذه الأصوات أيضاً بلا ألم مصاحِب، وبلا خطورة.
متى يكون هناك ما يدعو فعلاً للقلق؟
تكتسي أطراف العظام عند المفاصل - حيث يدوم الاحتكاك - بطبقات من الغضاريف التي تلعب دوراً شديد الأهمية في تلطيف حدة الاحتكاك بين العظمتين المتلاقيتين. لكن ما يحدث في بعض أمراض المفاصل، مثل الفُصال العظمي (والمعروف أيضًا بالتهاب المفاصل التَنَكُّسي)، هو أن هذه الغضاريف الحامية تتآكل بفعل الزمن، وهو ما يجعل أطراف العظام عند المفاصل تتلاقى مباشرةً بلا حماية، مصدرةً أصوات صرير كريهة يصاحبها ألم شديد. ويصيب الفصال العظمي – للأسف – ما يقرب من نصف من بلغوا الخامسة والستين حول العالم. لكن هناك العديد من وسائل تسكين الألم الناشئ عن الفصال العظمي، وما زالُ العلم في سعي حثيث لاكتشاف المزيد منها.
وختاماً إصدار المفاصل للأصوات هو أمر طبيعي وشائع، وتقف خلفه - لمعظم الوقت - أسباب فسيولوجية أكثر منها مَرَضية، و لهذا لا يستوجب الأمر القلق. وحتى الحيوانات تشعر بالشيء ذاته، بل إن هناك دراسات طريفة تقول إن الظِّباء تلجأ عمداً إلى إسماع خصومها أصوات طقطقة مفاصل رُكباتها كوسيلة لاستعراض مهاراتها القتالية. لكن بعيداً عن الظِّباء ومعاركها، إذا كنتَ تشتكي من صوتٍ يصدر من مفاصلك مع طول الاستخدام مصحوباً بألم، فلا تتأخر في استشارة الطبيب.
ريبيكا شيبرد هي طالبة دكتوراه بجامعة لانكاستر، وآدم تيلور هو مُحاضِر بنفس الجامعة، ومدير مركز تدريس علم