من الينابيع الحارة إلى القطب المتجمد الجنوبي، ومن أعالي الجبال إلى أعماق البحار، ومن أكثر البيئات برودة إلى أكثرها سخونة، ومن أعلى طبقات الهواء إلى أدنى طبقات التربة، ومن النبات إلى الحيوان إلى جسم الإنسان، نجد البكتريا في كل مكان، حتى الأماكن التي لا يستطيع أي كائن آخر العيش بها أو الوصول إليها، وعلى الرغم من انتشارها الواسع، إلا أننا لم نكتشف وجودها حتى عام 1590 حين اختُرع المجهر، ومنذ ذلك الحين ونحن نتعلم المزيد عن أنواع وفوائد البكتيريا ومضارها.
ماهي البكتيريا؟
البكتيريا؛ هي كائنات حية دقيقة أحادية الخلية من بدائيات النوى، أي أن خلاياها لا تحتوي على نواة، ويعيش أعداد ضخمة من أفرادها معاً في مجموعات تسمى المستعمرات، ويبلغ حجم الخلية البكتيرية الواحدة بضعة ميكرومترات، ولا ترى إلا بالمجهر، وتعيش في جميع البيئات.
البكتيريا لها أشكال مختلفة، هناك ذات الشكل الكروي تسمى المكورات، وذات الشكل العصوي تسمى العصيّات، وأخرى لها شكل حلزوني تسمى البكتيريا الحلزونية.
فوائد البكتيريا
إن أول ما يتداول إلى أذهاننا عند سماع كلمة البكتيريا، هو أنها كائنات تسبب المرض؛ لكن ليست جميع أنواع البكتيريا ضارة، وإنما للبكتيريا فوائد عديدة للإنسان، حيث توجد في الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي وتساعد على الحفاظ على الجهاز المناعي وهذا لأن وجودها يعمل على عدم تكون البكتيريا الضارة في الجسم، وأيضا توجد البكتيريا النافعة داخل الأمعاء، وبعضها ينتج فيتامين ك، الذي يلعب دوراً رئيسياً في منع تجلط الدم، كما تساهم في الحماية من العدوى المعوية، وتساعد في عمليات التمثيل الغذائي.
وتساعد بكتيريا الأمعاء أيضاً في التعرف على الإصابة ببعض الأمراض، ففي إحدى الدراسات وجد الباحثون نوع من البكتيريا موجودة بكثرة عند مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي، وبكميات أقل ممن لا يُعانون من المرض. وتقول دراسة اخرى، أن استخدام أحد أنواع بكتيريا الأمعاء قد يساعد على الحد من انتشار السرطان. كما أن بكتريا الأمعاء تساعد على علاج اضطرابات النوم، عن طريق المساعدة في صنع الناقلات العصبية في القناة الهضمية، مثل «السيروتونين» الذي يعتقد الباحثون أنه مسؤول عن اضطرابات النوم.
لا تقتصر فوائد البكتيريا على الإنسان فقط، بل تتعدى ذلك بكثير، على سبيل المثال، يوجد بكتيريا على جذور النباتات البقولية كالفول والترمس، تسمى بكتيريا العقد الجزرية، تشكل عقداً آزوتية، تمد هذه البكتيريا النبات بالآزوت الضروري لتركيب البروتينات، وفي المقابل يقدم النبات المسكن والمواد الغذائية لهذه البكتريا. كما تساهم البكتيريا الرمية الموجودة في التربة في تفكيك بقايا الكائنات الميتة، وتحويلها إلى مركبات بسيطة، تُغني التربة بالمواد العضوية التي يمكن للنباتات الاستفادة منها، وبالتالي تمنع البكتيريا تراكم الجثث والبقايا على كوكبنا.
وعندما اتجهنا إلى السماء، وجدنا البكتريا في الغيوم، فإن نوع من بكتيريا «البسودوموناس» يمتلك قوة خارقة تمكنها من تجميد المياه وتحويله إلى جليد في الغيوم، وذلك يحفز هطول الأمطار أو ندف الثلج.
فوائد البكتيريا في الصناعة
لبعض أنواع البكتيريا دور مهم في صناعة العديد من المواد، فبعضها يحوّل السكريات إلى الإيثانول، وأُخرى تحول الكحول إلى حمض الخل، كما أن بعضها يستخدم في تصنيع مواد عضوية كالأسيتون والأيزوبروبانول، كما يستخرج من بكتيريا المطثيات الوشيقية، مادة «توكسين البوتولينيوم»، المعروفة تجارياً باسم البوتوكس المستخدم في عمليات التجميل.
أما في صناعة الأغذية، فقد استخدم البشر البكتريا في صناعة مختلف مشتقات الحليب، كاللبن والجبن والزبدة، حتى دون أن يدركوا وجود البكتيريا وأنها هي العامل المسبب لعملية التحويل هذه. يختلف المنتج المصنوع باختلاف نوع البكتيريا الداخلة في عملية التحويل، وتسمى هذه البكتيريا بالبكتيريا اللبنية.
تدخل البكتيريا أيضاً في الصناعات الطبية، فقد توصل علماء الهندسة الوراثية إلى تعديل بكتيريا العصيات القولونية وراثياً لتنتج الانسولين المستخدم في علاج مرض السكري، وهذا عن طريق حقن البكتيريا بالحمض النووي المنتج للانسولين عند الإنسان، ثم توضع البكتيريا في أوساط مناسبة للتكاثر وانتاج المزيد من الانسولين. كما تُنتج أنواع أخرى تسمى البكتيريا الشعاعية «الأكتينومايسس»، مركبات تستخدم في صناعة المضادات الحيوية وأشهرها المضاد الحيوي «الستربتومايسين»، الذي يستخدم ضد بكتيريا السل.
أيضاً استطاع فريق من الباحثين إيجاد طريقة مبتكرة لاستخدام نوع من البكتيريا الزرقاء «السيانوبكتيريا» في صناعة خرسانة البناء الصديقة للبيئة، تعيش البكتيريا الزرقاء في الماء وتصنع غذائها بنفسها، وعند استخدام هذه البكتيريا في الخرسانة، تصبح الخرسانة قادرة على معالجة نفسها من التصدعات.
تدخل البكتيريا فيما يُعرف بصناعة الفضاء، حيث يُعنى الباحثون بدراسة وجود البكتيريا للاستدلال على وجود حياة خارج الأرض، كما استطاع علماء الفلك الاستفادة من البكتريا في الدراسات الفلكية، ففي إحدى الدراسات تمكن العلماء من دراسة قدرة البكتيريا على نشر الحياة بين الكواكب، بسبب قدرتها على تحمل الظروف القاسية في الكون.
ولعل أحدث فوائد البكتيريا في الصناعة هي التخلص من التلوث البلاستيكي، فقد تمكن باحثون من الاستفادة من نوع من البكتيريا التي تحلل البلاستيك، في الحصول على أنزيم فائق يمكنه تفكيك المخلفات البلاستيكية التي تسبب التلوث البيئي، وإعادة تدويرها، وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
الفرق بين البكتيريا والفيروسات
تختلف البكتريا عن الفيروسات في بنيتها وشكلها وحجمها، فالفيروس أصغر حجماً من البكتيريا بكثير، ويتكون في أغلب الأحيان من غلاف بروتيني، يحيط بالمادة الوراثية التي تتكون من «RNA أو DNA» فقط، والفيروسات غير حية خارج الخلايا المضيفة، فهو يحتاج إلى وسيط حتى يتكاثر، لذا تعد جميع أنواع الفيروسات مضرة، للإنسان والحيوان والنبات وحتى للبكتيريا.
وعند النظر في بنية البكتيريا نجد أنها مكونة من جميع عضيات الخلايا الحية الأخرى، إلّا أن مادتها الوراثية توجد ضمن سيتوبلاسما الخلية وليست ضمن نواة، كما أن خلاياها تحتوي على كلا الحمضين النوويين «DNA و RNA» معاً، ويمكنها العيش والتكاثر خارج خلايا المضيف، عند توفر الوسط والبيئة المناسبة لها، حسب نوعها، كما أنها ليست جميعها مضرة كما ذكرنا سابقاً.
أضرار البكتيريا
على الرغم من أعداد البكتريا الهائلة والمنتشرة في كل مكان، إلا أن 1% منها فقط تسبب الأمراض للإنسان، فبعضها يصيب الفم وتسبب تسوس الأسنان، والمكورات السحائية تصيب أغشية الدماغ وتسبب السحايا، كما تصيب المكورات الرئوية الجهاز التنفسي وتسبب الالتهابات وذات الرئة، و المطثية الغازية تصيب الجلد وتسبب تآكل أنسجته ومن ثم الغرغرينا، وقد تصل البكتيريا إلى الدم، عن طريق الحقن الملوثة غالباً، وتسبب تجرثم الدم والتهاب شغاف القلب، كما تسبب السالمونيلا التهاب المعدة والأمعاء، ويوجد أيضاً بكتريا تسبب أمراض الجهاز التناسلي مثل النيسيريا البنية التي تسبب داء السيلان، واخرى تسبب التهابات الجهاز البولي، وتطول قائمة الأمراض التي تسببها البكتيريا للإنسان، لكن أغلبها يمكن علاجه والسيطرة عليه بالمضادات الحيوية.
لا تقتصر الأضرار التي تسببها البكتيريا على أمراض الإنسان فقط، فهي تسبب الأمراض للحيوانات ونفوقها، كما تصيب النباتات أيضاً وتضر بالمحاصيل، وتسبب فساد الأغذية من خضار وفواكه ولحوم ومعلبات وغيرها، وتؤدي بمن يتناولها إلى التسمم الغذائي.
طرق الوقاية من البكتيريا
يمكنك الوقاية من الإصابة بالبكتيريا الضارة عن طريق الاهتمام بقواعد النظافة العامة، من تنظيف الأسنان، وغسل اليدين باستمرار، غسل الجروح جيداً وتضميدها، والتأكد من استخدام الأدوات الطبية المعقمة، وتجنب الاقتراب من المرضى بعدوى بكتيرية، بالإضافة إلى غسل الخضار والفواكه جيداً قبل تناولها، والتأكد من رائحة ولون وقوام اللحوم والمعلبات والمنتجات الغذائية الأخرى، والابتعاد عن العلاقات الجنسية غير المشروعة لتجنب العدوى بأمراض الجهاز التناسلي.
وعندما تظهر عليك أعراض الإصابة بعدوى بكتيرية، عليك تغطية الفم والأنف عند العطس أو السعال، واطلب الرعاية الصحية المختصة، وابتعد عن الآخرين كي لا تنقل لهم العدوى.