في العصر الرقمي: 5 طرق نفقد بها علاقاتنا المقربة مع الآخرين

4 دقائق
علاقات عاطفية, هواتف, كيف تضر الهواتف بعلاقتنا مع الآخرين, علم نفس

هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً


في هذه المرحلة من تاريخ البشرية، يبدو أن هناك إجماع على أن الإفراط في استخدام الهواتف الذكية والأجهزة الأخرى يسبب إضعاف علاقاتنا المقربة. مع ذلك، لا يفهم معظم الأشخاص كيف يحصل ذلك. في هذا المقال، سأحاول شرح الطريقة التي يسبب بها اعتمادنا المفرط على البريد الإلكتروني وإرسال الرسائل النصية، وأشكال أخرى من التواصل المبني على النصوص (مثل فيسبوك ماسنجر)؛ على ابتعادنا عن الأشخاص المقربين لنا. إليكم 5 أسباب تفسر الطريقة التي نخسر بها علاقاتنا المقربة في العصر الرقمي.

الانحياز السلبي الفعال الناتج عن استخدام البريد الإلكتروني

يتمحور التواصل البشري بشكلٍ أساسي على الكلمات ما بين السطور، بدلاً من ما هو مكتوب حقيقة: تلك المشاعر والفروقات في التعبير وراء الكلمات. المشكلة في البريد الإلكتروني -كما وجدت عدة دراسات- هي أنه يسبب «انحيازاً سلبياً فعالاً».

ما معنى ذلك؟ كما بينت «كريستين بايرون» من جامعة «جورجيا ستيت»، عندما ينوي الشخص أن يصيغ رسالة عبر البريد الإلكتروني بأسلوب ونبرة إيجابية، يُفسَّره المتلقي غالباً كشيء محايد عاطفياً. وعندما يرسل شخص ما بريداً إلكترونياً مكتوباً بأسلوب محايد، فعادة ما يُفسره المتلقي كأسلوب سلبي. ومن الممكن أن يكون هذا هو السبب وراء النتائج التي وجدتها الأبحاث، والتي تنص على أن الإنترنت يساعد في بدء العلاقات أكثر من تنميتها.

الإفراط في التواصل باستخدام التكنولوجيا يؤثر على تعامل الفرد مع الآخرين بشكلٍ مباشر

وجدت دراسة أجراها الباحثان في أمراض السرطان «بولا كليم» و«توماس هاردي»؛ أن 92% من المشاركين في مجموعات دعم المصابين بالمرض على الإنترنت يعانون من الاكتئاب. بينما في مجموعات الدعم على الأرض (الواقعية)؛ لا يعاني أي أحد من المشاركين في هذه المجموعات.

لماذا يصبح الأشخاص المصابون بالسرطان مكتئبين في حالة اجتماع مجموعتهم عبر الإنترنت؟ وجد العالم الاجتماعي من جامعة ستانفورد «نورمان ناي» في دراسة على أكثر من 4000 شخص أن هناك أثر يدعى بـ «أثر العزل»، ويعني أنه كلما قضى الفرد وقتاً أكثر على الإنترنت، سيقضي وقتاً أقل في التواصل عبر الهاتف وبشكلٍ مباشر مع أفراد العائلة والأصدقاء القادرين على توفير دعم شخصي مباشر. كما سيسبب ذلك المزيد من العزل للفرد عن بيئته الاجتماعية.

الإفراط في استخدام البريد الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي يؤدي إلى انخفاض المتعة بالحوارات الشخصية

لا تدعم الأبحاث الحديثة «أثر العزل» فحسب، ولكنها تقدّم تنبؤاً أسوأ حتى: «لا يسبب استخدام الهواتف تقليل وقت التواصل المباشر مع الأشخاص الذين نهتم لأمرهم فحسب، بل يسبب أيضاً انخفاض المتعة التي نشعر بها خلال التواصل المباشر». عندما سألت الباحث «رايان دواير» لماذا تنخفض المتعة التي يشعر بها الأشخاص في التواصل المباشر كلما استخدموا هواتفهم أكثر، قال ما يلي: «السبب هو تشتت الانتباه. إن استخدامك لهاتفك أثناء التواصل المباشر مع أحدهم يجعل من الصعب عليك الانخراط في الحديث، مما قد يعطل المحادثة ويؤدي إلى تواصل ممل».

خذوا «بول» على سبيل المثال، وهو محلل مالي قابلته مؤخراً. حدّثني بول عن موعد عشاء حضره، قال:

«كان أغلب الأشخاص في هذا العشاء يعلمون -سلفاً- أخباري من الإنترنت لدرجة أننا بالكاد تحدثنا» ثم أضاف: «كانوا في الأغلب منشغلون بأجهزتهم، غير مدركين بمقدار العزل الذي يعكسونه. هذا السلوك جعلني أشعر بالارتباك والوحدة».

الإفراط في استخدام التكنولوجيا يجعلنا أكثر وحدة

في الولايات المتحدة، وجدت دراسة استقصائية أجرتها شركة «سيجنا» على 20 ألف أميركي، ونُشرت في مايو/ آيار 2018، أن نصف الأميركيين تقريباً يعانون من الوحدة، وذلك بناء على مقياس الوحدة الخاص بجامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس. ينذر ذلك بحدوث «وباء من الوحدة».

بعد سنة، أجرت سيجنا دراسة أخرى على أكثر من 10000 بالغ أميركي، وكانت النتائج -وما كشفت عنه أيضاً- مقلقة أكثر، إذ اتضح أن 3 من أصل 5 أميركيين يعانون من الوحدة.

الولايات المتحدة ليست البلد الوحيد الذي يعاني من «وباء الوحدة» هذا، إذ استُخدم هذا المصطلح في المملكة المتحدة أيضاً عن طريق «ذا رويال كوليج أوف جينيرال براكتيشونرز». فمعدلات الوحدة في المملكة المتحدة تتجاوز تلك الموجودة في الولايات المتحدة؛ لدرجة أن رئيسة الوزراء السابقة «تيريزا ماي» عيّنت وزيراً خاصاً للوحدة في 2018. اتخذت ماي هذا القرار على إثر دراستين وجدتا أن 9 ملايين بريطاني يشعرون غالباً أو دائماً بالوحدة، وأن الأطفال البريطانيين يقضون وقتاً خارج المنزل بمعدل أقل من المساجين.

كلما أصبح الفرد وحيداً أكثر بسبب استخدام التكنولوجيا، يكون من الصعب عليه تشكيل علاقات سليمة

وجدت دراسة على 1839 بالغ آيرلندي أن أكثر عامل يحفز الوحدة هو ليس عدد العلاقات التي يشكلها الفرد، بل جودة تلك العلاقات. تبين أن العلاقات منخفضة الجودة -والتي تسود عندما يكون الأشخاص حولك منشغلين بأجهزتهم بشكلٍ لا يسمح لهم بأن يُبدوا انتباهاً كافٍ لحاجاتك الاجتماعية العاطفية- هي العامل المحفز الأساسي لزيادة مستويات الوحدة.

وما يجعل الوضع أسوأ أيضاً هو أن الوحدة التي نشعر بها تغذي نفسها بنفسها. إذ أنه عندما نشعر بالوحدة، نصبح مفرطي الحساسية اتجاه المواقف الاجتماعية. وبالإضافة لذلك، كما تبين لي من دراستين نُشرتا مؤخراً، بأننا نحن كبشر نشعر بالارتباك وعدم الارتياح بنسب أكبر عندما نقع في هذه المواقف، مما يسبب انغلاقنا على أنفسنا، والذي بدوره يجعل الآخرين يتجنبون التعامل معنا.

الحل

إليكم 3 إستراتيجيات يمكنكم تجربتها لمحاولة حل المشاكل أعلاه، وتجديد العلاقات التي تهمكم.

1. استخدموا هواتفكم كهواتف فقط

بناء على الدراسات أعلاه، لن يساعدكم استخدام الهواتف الذكية في إنشاء العلاقات التي ترغبون بها على الأرجح. لكن الاتصال بالأشخاص والالتقاء بهم سيفعل ذلك.

2. حولوا الوحدة إلى عزلة

إن الانعزال الاجتماعي لا مهرب منه. على عكس الوحدة والعزلة، إذ أنهما يعتمدان على المشاعر المرتبطة بقضاء الوقت وحيداً. عندما تشعرون بشعور سلبي مثل الانزعاج أو التّوق خلال قضاء الوقت لوحدكم، فهذه هي وحدة. بينما عندما تشعرون بشعور إيجابي مثل السعادة أو الرضا خلال قضاء الوقت لوحدكم، فهذه هي عزلة. يمكنكم تحويل الوحدة إلى عزلة بالبحث عن فوائد قضاء الوقت بمفردكم، مثل التخطيط لحياتكم ومهنكم المستقبلية وغيرها. لفعل ذلك يمكنكم:

3. راجعوا أنفسكم

عندما تقدموا على تجديد التواصل مع ذواتكم، ستصبحون قادرين على اختبار مشاعر عميقة أكثر خلال قضاء الوقت بأنفسكم. سيساعدكم ذلك في التعامل مع علاقاتكم بطرق هادفة وعميقة أكثر.

ماذا يناسبك؟ هل وجدت طرقًا لاستخدام (أو عدم استخدام) أجهزتك لتعزيز علاقاتك الوثيقة؟


*نشر بواسطة «أنتوني سيلارد»، أستاذ مشارك بجامعة ولاية كاليفورنيا، معلم وخبير في مجال القيادة، كتب العديد من المقالات العلمية حول العاطفة وإدارة المشاعر. صدر كتابه الأخير بعنوان «Screened In: The Art of Living Free in the Digital Age» في مارس/ آذار 2020.

المحتوى محمي