قراءة عنوان هذا المقال قد تجعلك تتثاءب.. وإليك السبب

إذا كنت النظر إلى صورة هذا الطفل يجعلك تتثاءب، فأنت تعاني من التثاؤب المُعدي.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إذا كنت تريد منع شخص ما من التثاؤب، فإن إخباره بألا يتثاءب ليس فعالاً، وذلك وفقاً لدراسة نشرتها مجلة كَرِنت بيولوجي في شهر أغسطس 2017. حيث سعى الباحثون إلى فهم سبب قيام الكثير منا بالتثاؤب رداً على قيام الآخرين بذلك، وهي ظاهرة تعرف باسم التثاؤب المُعدي. ولا يعتبر البشر هم الكائنات الوحيدة التي تشارك في هذه السلوك الغريب. إذ ان القرود والشمبانزي – بل وحتى الكلاب – غالباً ما تتثاءب عند رؤية – أو حتى سماع – كائن آخر يقوم بذلك.

ولمعرفة سبب ذلك، قام الباحثون بتعريض مجموعة مكونة من 36 شخصاً بالغاً إلى العدوى بشكلها الأشد، وهو مقاطع فيديو لناس يقومون بالتثاؤب. وفي هذه التجربة التي تقوم على التحليل التجميعي، تم تصوير المشاركين في الدراسة وهم يشاهدون تسجيلات الفيديو لأشخاص يتثاءبون، لمعرفة عدد المرات التي كانوا يتثاءبون فيها هم أيضاً. وتم عرض مقاطع الفيديو على المشاركين وفق مجموعات متناوبة، حيث تم إبلاغهم إما بالتثاؤب عند الحاجة لذلك أو بتجنب ذلك قدر الإمكان.

ووفقاً للمؤلف الرئيسي ستيفن جاكسون – الباحث في علم النفس العصبي في جامعة نوتنغهام – فإن الفريق اكتشف بأن الناس يمكنهم منع أنفسهم من التثاؤب – إلى حدٍ ما على الأقل. ولكن طلب عدم التثاؤب لم يجعل في الواقع الأشخاص قيد الدراسة يتثاءبون بشكل أقل من ذلك بكثير. إذ غيّرت التعليمات من إدراك الناس لحاجتهم إلى التثاؤب، ومن الطريقة التي تم التعبير بها عن التثاؤب. حيث مال الأشخاص الذين طُلب منهم عدم التثاؤب إلى كبته. ولكن العدد الإجمالي لمرات التثاؤب ظل ثابتاً. وهذا يشير إلى أن التثاؤب المُعدي ليس تحت سيطرتنا تماماً.

وفي حين أن كل شخص في الدراسة تثاءب تقريباً نفس عدد المرات بغض النظر عن التعليمات الموجهة له، فقد كان هناك بعض التباين بين الأشخاص، حيث تثاءب بعضهم أكثر من غيرهم. ولفهم سبب وجود هذا التباين، قام الباحثون بتعريض المرضى إلى مقاطع فيديو التثاؤب مرة أخرى، مع نفس التعليمات حسب المجموعات. ولكنهم قاموا في هذه المرة بوصل كل شخص بجهاز تحفيز مغناطيسي عبر الجمجمة (TMS)، وهو جهاز يعتمد على الموجات المغناطيسية لقياس ما يعرف بالاستثارة القشرية الحركية.

ويُذكر بأن الاستثارة القشرية الحركية هي مقياس لمدى سهولة إثارة الخلايا العصبية – أي مدى سرعة إرسال الخلايا للإشارات عبر الدماغ – وتدفعنا إلى القيام بأعمال مثل التثاؤب. ويكون الدماغ عند بعض الناس شديد الاستثارة، فلو شبهنا عمل الدماغ بلعبة كرة القدم، ستجدهم ضمن لاعبي الهجوم يستعدون لاستغلال أي فرصة للهجوم على المرمى. بينما يكون الدماغ عند أشخاص آخرين أقل قابلية للاستثارة، حيث يجلسون بشكل مريح في قمرة اللاعبين حتى يتم إخبارهم بأن الوقت قد حان للنزول إلى الملعب. وسوف يستغرق إحضارهم إلى الملعب الكثير من الطاقة. واتضح بأن الأشخاص الذين تكون لديهم القشرة الحركية أكثر استثارة يميلون إلى التثاؤب بشكل أكثر.

ستيفن جاكسون وهو يقوم باستخدام التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة.

ومن المنطقي أن وجود دماغ أكثر اندفاعاً من شأنه أن يجعل حدوث الأمور الغريزية وغير الإرادية أسهل، حتى لو كان سبب حدوث الحافز المُعدي غير واضح تماماً في المقام الأول. إلا أن جاكسون يعتقد بأن الآثار المترتبة على ذلك تتجاوز بكثير معرفة كيفية عدم التثاؤب أثناء حضور اجتماع ممل. وذلك لأن الأدلة تشير إلى أن جزء الدماغ المسؤول عن التثاؤب غير الإرادي هو نفسه مرتبط ببعض اضطرابات الجهاز العصبي مثل متلازمة توريت، حيث يقوم الناس بحركات غير إرادية متكررة أو أصوات غير مقصودة والتي تعرف مجتمعة باسم داء العرَّات.

ويقول جاكسون: “هناك الكثير من أوجه الشبه بين ما يحدث في متلازمة توريت والتثاؤب المُعدي. إذ يقول كثير من الأفراد المصابين بمتلازمة توريت بأنهم يجدون أنفسهم يقومون بحركات دون أي وعي، وهذا مماثل لما نلاحظه مع التثاؤب. حيث يجد بعض الناس أنفسهم يتثاءبون دون وعي بأنهم على وشك القيام بذلك. كما أن الحركات عند الأشخاص الذين يعانون من متلازمة توريت مُعدية. ولذلك، عندما يجتمع الكثير من الأشخاص المصابين بمتلازمة توريت معاً، فإنهم غالباً ما يذكرون فعل الحركات التي يقوم بها بعضهم البعض. إذ يجدون أنفسهم يقلدون حركات شخص آخر دون وعي”.

ويعتقد جاكسون بأنه على المدى الطويل، فإن الحصول على فكرة أفضل حول سبب التثاؤب وآلية إحداث هذه الإشارات الكهربائية لسلوكيات غير إرادية، قد يساعدنا على تطوير علاجات جديدة لمعالجة بعض الاضطرابات مثل متلازمة توريت واضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، بل وحتى الفصام.

هل تثاءبت خلال قراءة المقال؟ بالتأكيد فعلت.