عندما تقوم بحرق شيء ما -سواءً كان حطباً ترميه في النار، أو فحماً تضعه على المشواة، أو بنزيناً داخل مرآبك- فإنه يطلق كمية معينة من أحادي أكسيد الكربون أو ما نشير له بالرمز CO؛ وهو غاز عديم اللون والطعم والرائحة، مما يعني أن الكشف عنه أمر مستحيل، وهو مسؤول عما يصل إلى 50% من حالات التسمم العرضية التي تحدث في العالم.
ووفقاً لوكالة مراكز مكافحة الأمراض واتقائها، فإن أغلب حالات التسمم بأحادي أكسيد الكربون تحدث في فصل الشتاء، حيث نُحكِم إغلاق منازلنا ونحرق المزيد من الوقود لننعم بالدفء. والآن بعد أن أصبح الطقس بارداً، حان الوقت لاتخاذ المزيد من الإجراءات الوقائية، وإليك فيما يلي كيف تُبقي هذا القاتل الصامت خارج منزلك.
كيف يتسبب أحادي أكسيد الكربون في الموت؟
إذا قمتَ بتحليل الهواء المحيط بك، فمن المرجح أنك ستجد كميات ضئيلة من أحادي أكسيد الكربون، في حين أن أحادي أكسيد الكربون يحتل المرتبة الثانية من بين أكثر الجزيئات شيوعاً في الكون، ويستخدمه علماء الفلك الراديوي عادةً لتتبع السحب الخاصة بالغازات البينجمية.
ولكن تركيزه هنا على الأرض عادة ما يبقى منخفضاً جداً (عند 0.2 جزءاً في المليون تقريباً [أو اختصاراً ج-ف-م]، مما يعني أنه من أجل كل مليون جزيء في الهواء المحيط، فإن 0.2 جزيء منها عبارة عن أحادي أكسيد الكربون)، وهو تركيز منخفض للغاية لدرجة أنه لا يمكن للغاز أن يُحدث أي ضرر، ولكن تبدأ المشكلة بمجرد أن يصل الهواء الذي نتنفسه إلى 35 ج-ف-م فما فوق. ومن الهام أن نتذكر أن ج-ف-م واحدة عديمة الأبعاد لقياس الكميات فائقة الصغر؛ فمن الممكن أن تكون في مستودع محاطاً بمليون متر مكعب من الهواء، ولكن إذا كان 0.000035% منه فقط مؤلفاً من أحادي أكسيد الكربون، فسوف تجد نفسك في ورطة.
عند هذه المرحلة، يصبح أحادي أكسيد الكربون مميتاً، حيث يقول جوزيف فيشر (بروفسور في جامعة تورونتو، والمشرف الطبي العام في مشفى ثورنهيل العام): "يثبت أحادي أكسيد الكربون نفسه على الهيموجلوبين تماماً حيث يجب أن يتثبت الأكسجين، مما يؤدي إلى انخفاض مقدار الأكسجين في الدم. والأسوأ من هذا أنه يمنع الأكسجين الموجود سابقاً في الدم من مغادرته، وبهذا يتم تجويع بقية الأعضاء من الدم، ويصاب الشخص بالاختناق من الداخل".
وغالباً ما يبدأ هذا التسمم البشع بأعراض مماثلة للإصابة بالإنفلونزا، مثل الصداع والدوار والغثيان. وفي الواقع فإن أغلب المتسممين يفترضون أنهم مصابون بجرثومة ما، غير أن هذه الأعراض قد لا تظهر إلا بعد ساعات من التعرُّض، أي أن المصابين سيعتقدون على الأرجح أنهم يعانون من مشكلة في الجهاز المناعي، لا في الهواء. وبعد 6 إلى 8 ساعات من التعرض لتركيز 35 ج-ف-م، يتعرَّض أغلبية الأشخاص إلى صداع خفيف، ويتناولون حبة أسبرين، ويخرجون من المنزل معتقدين أن المشكلة حُلت، مما يعني أن التسرب الغازي قد يتراكم لأسابيع متواصلة قبل أن يدرك أحدهم وجود مشكلة.
ومع تزايد تركيز الغاز في الهواء، تصبح الأعراض أكثر شدة وسرعة؛ فعند 100 ج-ف-م يظهر الصداع والدوار والغثيان بعد ساعة أو اثنتين، وعند 800 ج-ف-م ستصاب بالارتباك بعد ساعتين، وإذا أخذت قيلولة فقد تستيقظ عاجزاً عن إنقاذ نفسك، على فرض أنك حتى كنت مُدرِكاً لما يحدث، وإذا وصل التركيز إلى 1,600 ج-ف-م فستموت خلال ساعتين.
وحتى لو تمكنت بطريقة ما من النجاة، فقد وجدت الدراسات أنك قد تعاني من أضرار بعيدة الأمد، حيث يمكن أن يؤدي التعرض إلى أحادي أكسيد الكربون إلى تفاقم المشاكل القلبية مثلاً، وقد يؤدي إلى إيذاء الكبد في بعض الحالات النادرة، كما تنتج بعض الآثار الأخرى، مثل الهذيان وفقدان الذاكرة والعمى والاكتئاب، نتيجة تلف دماغي.
ويؤكد فيشر على مسألة الإصابات العصبية تحديداً، ويقول: "نعتبر طبياً أن (الوقت هو الدماغ)؛ أي أن المزيد من خلايا الدماغ ستموت كلما مر وقت أطول قبل إعادة تدفق الأكسجين".
إزالة المصادر المحتملة
من الواضح أن لدينا الكثير من الأسباب التي تدعونا إلى تجنب التسمم بأحادي أكسيد الكربون؛ إذن فكيف يمكنك أن تمنعه من التراكم؟
يجب أن تتذكر أن أي شيء يحرق الهيدروكربونات أو المواد العضوية -بدون استثناء تقريباً- يُصدر هذا الغاز، وتتضمن المصادر المحتملة الكثير من الأشياء، بدءاً من مجفف الملابس ووصولاً إلى الفرن. وحتى تحدَّ من مقدار أحادي أكسيد الكربون الذي تصدره هذه الآلات، يمكنك أن تبدأ بإزالة أية آلات تحرق الوقود ولا ضرورة لوجودها في المنزل.
يمكنك مثلاً أن تستعيض عن أدواتك المنزلية وتجهيزاتك الآلية التي تعمل بالوقود بمثيلاتها التي تعمل بالكهرباء. وبالنسبة للأجهزة التي تحرق الوقود ولا يمكن الاستبدال بها (كالمولدات الكهربائية مثلاً)، فيمكنك على الأقل أن تخرجها من مساحة السكن الخاصة بك، وتخزِّنها خارجاً أو في غرفة خارجية جيدة التهوية.
وبالإضافة إلى تخزين هذه الآلات خارجاً، يجب أن تحاول أن تتجنب استخدامها في الداخل، وعندما تريد تشغيل محرك بسرعة عالية أو تبدأ بحرق الوقود، افعل ذلك في الخارج أو في مساحة جيدة التهوية، مثل المرآب بعد فتح بابه بشكل كامل. وأيضاً لا تترك أي شيء بمحرِّك دون إشراف، حتى لو كان هذا لفترة قصيرة وحسب.
المحافظة على الآلات
لن تتمكن من إغلاق كل مصدر محتمل لأحادي أكسيد الكربون أو إخراجه، ولهذا يجب أن تحرص على أن تبقى التجهيزات الضرورية في حالة جيدة وجاهزية عالية للعمل، مثل الفرن والموقد ومجفف الملابس وغيرها.
ولكن قبل أن نبدأ، يجب أن تتذكر أن هذا الغاز شديد السُّمِّية، ولا مجال هنا للعبث أو التساهل على الإطلاق، ومهما كنت بارعاً في استخدام الآلات وإصلاحها، فعليك أن تتصل بمختص وتُخرج الجميع من المنزل فوراً عند أدنى شك في وجود تسرب.
وبشكل عام، عندما تتقادم التجهيزات مثل الأفران وسخانات المياه، تصبح أنظمة الحماية فيها أقل تحملاً لضغط العمل، ولهذا يجب أن تتفحصها وتفكر جدياً في تجديد ما أصبح قديماً للغاية منها. وإذا لم يكن لديك ما يكفي من المال، يمكنك أن تدرس استخدام بدائل أكثر فعالية من حيث الطاقة، وهو ما سيوفر عليك الفواتير ويقلِّل من مخاطر التسمم بأحادي أكسيد الكربون.
وسواء اشتريت تجهيزات جديدة أم لا، يجب أن تتفقدها بانتظام لتحرص على بقائها في حالة جيدة. وتعتبر بداية الطقس البارد وقتاً جيداً لهذا الإجراء؛ لأن الكثيرين منا سيقومون بتشغيل التدفئة في المنزل لأول مرة منذ الربيع الفائت.
وبالنسبة للفرن: قم أولاً بتنظيف الفلتر أو الاستبدال به، وبعد ذلك تفقَّد الأنابيب بحثاً عن أي تآكل أو ضرر أو صدأ أو أية دلالات أخرى على الاهتراء. وإذا كان الفرن يعمل، فضَعْ يديك على الأنبوب فوقه، وإذا شعرت بأنه ساخن لدرجة حارقة ولو بشكل بسيط، فهذا يعني أن الفرن في حاجة إلى صيانة.
بعد ذلك تفحص فتحات التهوية؛ حيث يجب أن تكون هذه الفتحات قريبة من سخان المياه ومجفف الملابس وغيرها من الأدوات التي تعمل بالوقود، وذلك حتى تسمح بتجديد الهواء، ولكن يجب لهذا السبب أن تكون خالية من الغبار والأوساخ التي قد تعيق عملها. ابدأ من القبو ومن ثم تجول حول المنزل، وتفقَّد كل فتحة تهوية حتى تتأكد من أنها غير مسدودة. ويجب أن تُجري هذا الفحص أكثر من مرة في السنة.
أما بالنسبة للمدافئ التي تعمل بكتل الوقود الصلب والمواقد، يمكنك أن تتصل بمختص ليقوم بتنظيف المدخنة قبل هطول الثلج. وما أن تفعل هذا، حاول ألا تستخدم هذه المصادر الحرارية إلا بشكل متقطع وحسب، ويمكنك على سبيل المثال أن تستخدم مصباحاً ليد مرتعش الإضاءة بدلاً من الوهج الدافئ للنار في الموقد.
من الصعب أن تتجنب تشغيل الأفران ومثيلاتها، ولكن يفضل أن تستخدمها للغرض الذي صُمِّمت لأجله تحديداً. ولا شك في أن استخدام الفرن سيجعل الغرفة دافئة، ولكنه لم يُصمَّم للتدفئة، ولهذا يجب ألا تشغله لهذا الغرض فقط.
قم بتركيب أجهزة إنذار
بما أن أحادي أكسيد الكربون عديم الرائحة والنكهة واللون، فإن اكتشافه مبكراً يتطلب جهاز إنذار. وتوجد العديد من الأنواع والأشكال لهذه الأجهزة، بما فيها ذات التوصيل المباشر، والتي تعمل بالبطارية، والتي توصل بالمقبس الكهربائي. حاول أن تصرف نقودك بشكل جيد بشراء أنواع معروفة، ولكن في نفس الوقت لا داعي لشراء جهاز يحتوي على الكثير من المميزات والوظائف؛ حيث إن بعض الأجهزة تحتوي على شاشة تعرض تغيرات جودة الهواء بشكل مستمر (أشبه بشاشات البورصة)، وهو أمر غير ضروري، إلا إذا كنت شديد الحرص، أو لديك هواية تتعلق بكيمياء الغلاف الجوي.
هناك شيء واحد يجب أن تحرص على وجوده في الجهاز الذي ستشتريه، وهو وجود نظام طاقة احتياطي يعمل بالبطارية، وهذا ينطبق أيضاً على الأجهزة التي تعمل بالتوصيل المباشر أو بالتوصيل بالمقبس الكهربائي؛ حيث إن البطارية تسمح للجهاز بمواصلة العمل حتى في حال انقطاع الكهرباء. ولا تنس تغيير البطاريات على الأقل مرة واحدة كل ستة أشهر.
ويجب أن تركب جهازاً واحداً على الأقل في كل طابق، في مكان يتيح لك تفقده يومياً. وينصح المصنِّعون (مثل نيست) بتركيب الجهاز على ارتفاع متر ونصف تقريباً فوق الأرضية، بحيث يمكنك بسهولة أن تقرأ مؤشرات الجهاز، ولكن إذا كنت ترغب فقط في نظام إنذار دون شاشة، فيمكنك أن تركب الجهاز على السقف، ولكن لا تضعه قرب الفرن أو المراوح السقفية أو فتحات التهوية؛ حيث إنها قد تؤثر على قدرته على تفحص الهواء بشكل سليم.
وإذا كان لديك أجهزة إنذار فتفقَّد تاريخ التركيب؛ حيث إنها تفقد فعاليتها بعد حوالي خمس سنوات تقريباً، مما يعني أنك قد تكون في حاجة إلى تبديلها.