بدءاً من الانتقال إلى الجامعة، إلى إخراج الأغراض الشتوية من التخزين، وصولاً إلى تجهيز البيت استعداداً للشتاء، يعد الخريف فصلَ رفع الأشياء وحملها؛ وهذا يعني أنك يجب أن تركز تفكيرك على ظهرك، وكيفية تجنب تعريضه للأذى.
ذلك أن إصابة الظهر هي أسوأ بكثير من الألم المبرح الذي يرافقها، فقد تؤدي إلى مشكلة مزمنة تؤثر على حياتك بأكملها، وعلى الرغم من عدم وجود طريقة مؤكدة لتجنب الأذى، إلا أن استيعاب أسباب المشكلة وكيفية حدوثها قد يساعد إلى درجة كبيرة على الحد من الألم.
افهم ظهرك
أولاً: لا يوجد شيءٌ اسمه "ألم ظهر" هكذا ببساطة، وذلك وفقاً للبروفسور ستو ماكجيل (الذي كان يدرِّس علم الحركة في جامعة واترلو، ومؤلف كتاب "The Back Mechanic"). وبالمقارنة نجد أنه إذا أصيب شخص ما بتشنج في الساق، وكسرَ آخرٌ عظم القصبة، فنحن لا نسمي كلا الألمين "ألم الساق".
إن أفضل طريقة لمنع الإصابات الخفيفة والشديدة هي فهم وظيفة الظهر وعمله والعضلات المختلفة التي يعتمد عليها، ويشرح ماكجيل هذا بمصطلحات هندسية، واصفاً الظهر بأنه عمود مرن، حيث يقول: "هل من المعقول أن يقوم مهندس بوضع حمل ضاغط على عمود مرن؟" هذا أشبه بموازنة كرة بولينغ على قطعة اسفنجية مستقيمة، وهو تشبيه يوضِّح العمل الصعب الذي يقوم به العمود الفقري.
وحتى يستطيع العمود الفقري دعم الوزن فإنه يحتاج إلى الصلابة التي يستمدها من العضلات في الجذع، فمثلاً عندما يحبس رافعو الأثقال أنفاسهم مباشرة قبل رفعة ثقيلة، فإن هذا يهدف إلى منح العمود الفقري المزيد من الصلابة.
وتماماً كما في الهندسة، فإن العضلات التي تحافظ على استقامة الظهر الشبيه بالعمود يجب أن تتحمل عدة متغيرات، مثل تغير وزن الحمل، والفترة الزمنية التي يخضع فيها النظام للضغط، وعدد المرات التي يتكرر فيها الرفع. وسيقول لك أي مهندس أن النظام سيُبدي علامات الإجهاد مع الوقت، وهنا يأتي الألم، كما يشرح ماكجيل.
يقول ماكجيل: "يوجد حد إجهاد لأنسجة الظهر، وهو يتأثر بالأحمال المتكررة والطويلة"، وعندما تتخطى هذا الحد فستبدأ عادةً بالشعور بالألم، ويختلف حد الإجهاد من شخص لآخر، كما يختلف بمرور الزمن. ومن العوامل المؤثرة على مقدار الإجهاد الذي يمكن أن يتحمله ظهرك: العمر ووزن الجسم واللياقة البدنية والإصابات السابقة، وعوامل أخرى كثيرة، وإذا بالغت في تجاوزه فلن تجد ملاذاً سوى المسكِّنات وزجاجات الماء الحار.
وتوجد علامتان واضحتان يشيران إلى أنك تحمِّل جسمك أكثر بكثير من طاقته، الأولى هي أنك غير قادر على استخدام أساليب الرفع التي سنصفها لاحقاً، والثانية هي أن تكون مضطراً لحبس أنفاسك قبل المحاولة، وإذا تذكرت ما قلناه سابقاً عن رافعي الأثقال فستعلم أن حبس الأنفاس هذا يعني أن عمودك الفقري أصبح في حاجة إلى مقدار أكبر من الصلابة، وأنك تحمِّل جسدك فوق طاقته، ولهذا عليك أن تنتبه إلى تنفُّسك.
أساليب الرفع
الآن أصبحت مدركاً لوجود حدود لقدرات ظهرك، وترغب في التزام الحذر أثناء مساعدة صديقك على نقل أغراضه إلى منزل جديد، ولهذا يجب أن تُبقي ألم الظهر بعيداً عنك عبر التخطيط الحذر والتحرك بطريقة صحيحة.
وقد أجرى ماكجيل دراسة على 80 عاملاً في مجال السيارات ممن كانوا يعملون على تزيين صادمات السيارات بالكروم، وهو عمل يتطلب رفع حوالي 32 كيلوغراماً طوال اليوم كل يوم، ولم يعانِ أكثرهم من آلام في الظهر، وقد كشف ماكجيل أن عضلات الظهر لديهم كانت في الواقع أضعف من مثيلاتها عند العمال الذين كانوا يعانون من آلام في الظهر، على عكس ما هو متوقع، فلماذا إذن؟
يقول ماكجيل: "إن الأشخاص الذين لم يعانوا من إصابة في الظهر من قبل كانوا يرفعون الأوزان بوضعية صحيحة، وبالتالي لم يتعرضوا قط لإجهاد شديد في الأنسجة، وهذا يعني أن زيادة القوة ليست هي الحل، بل التحرك بشكل أفضل".
كيف ينطبق هذا عليك؟ لقد سمعنا جميعاً تلك النصيحة الشهيرة: "ارفع باستخدام ساقيك"، ولكن الأمر أكثر تعقيداً من هذا؛ حيث يجب -أولاً- أن تقف أمام الغرض الذي تريد رفعه، ثم تجلس القرفصاء وأنت تثني ساقيك مع الحفاظ على وضعية ظهرك الطبيعية، ثم أمسك بالغرض بقوة، واحمله تحت كتفيك، ومن ثم ادفع بساقيك نحو الأسفل لتصعد إلى وضعية الوقوف من وضعية القرفصاء. وما أن تصبح على استقامة كاملة، أبقِ الغرض على ارتفاع الخصر تقريباً، ولا ترفع الحمل إلى ما فوق رأسك، وإذا كنت في حاجة لوضع حمل ثقيل على الرف فاستخدم سلماً أو منصة وقوف صغيرة. ومع التسلق نحو الأعلى، حافظ على الغرض على مستوى الخصر، أما إذا كنت تريد وضع الغرض على الأرض، فعليك أن تنفِّذ العملية السابقة بالعكس.
وسبب ذلك أن استخدام الساقين للرفع يسمح لك بالاعتماد على عزم التدوير الهائل الذي يتمتع به الوركان، وهما مصمَّمان خصوصاً لرفع كتلة الجذع الكبيرة فوق الأرض بسهولة (وهذه الكتلة تصل إلى نصف كتلة الجسم في المتوسط)، أما الرفع باستخدام الظهر فيتطلب المزيد من الجهد، ويتسبب في المزيد من الإجهاد للجسم.
ولكن ماذا لو لم تتمكن من رفع الغرض باستخدام قوة الساقين فقط؟ هذا يعني أنه يجب أن تحركه بالدفع؛ أي عليك أن تجلس القرفصاء أولاً لاستخدام أسلوب الرفع السابق، ثم قم برفع الغرض الثقيل بما يكفي لوضع شيء تحته لتسهيل انزلاقه (مثل قطعة من الورق المقوى)، وبعد ذلك قم بتحريك جسدك إلى وضعية منخفضة، بمدِّ إحدى الساقين نحو الخلف وثني الأخرى بشكل قائم أمام الجسم، مع المحافظة على التوازن واستقامة الظهر، وادفع الغرض نحو الأمام بذراعيك، وبمجرد أن يمتد الذراعان إلى أقصى حد، قف وعد إلى نفس الوضعية السابقة واستخدم ذراعيك ثانية. وتجنب سحب الغرض، لأن هذا يتطلب استخدام عضلات الظهر.
واعلم أن استخدام الأسلوب المناسب -سواء كنت تساعد صديقك على رفع الأريكة أو تحاول كسر الرقم القياسي في رفع الأثقال- سيساعدك على حماية ظهرك، وذلك بالحفاظ على الإجهاد أن يكون ضمن الحدود المقبولة. ويجب أن تتذكر أنه يوجد لكل حركة وضعية مناسبة، فمثلاً عند دفعك أو سحبك للأغراض المنتشرة في حياتك اليومية (مثل عربة التسوق أو جزازة العشب)، تذكر أن تستخدم ذراعيك بدلاً من ظهرك.
ويمكنك أن تعتمد على قاعدة أساسية، وهي أن تعتبر عمودك الفقري بمنزلة جسر يصل بين أسفل الجذع والرأس، وإذا لم تحنِهِ أثناء مهمة معينة، فأنت غالباً في وضع جيد.
ويلعب التخطيط السابق أيضاً دوراً هاماً في حماية الظهر، حيث إن رفع 90 كيلوغراماً لمرة واحدة قد يبدو أسهل من رفع 9 كيلوغرامات لعشر مرات، ولكن هل يستطيع ظهرك تحمل الوزن الثقيل، حتى باستخدام أسلوب صحيح؟ يجب أن تعرف حدود إمكانياتك وتخطط سابقاً لمهامك، خصوصاً عندما تكون هذه المهام كثيرة.
احترم جسدك
يمكن أن ننظر إلى أسلوب استخدام الظهر في حياتنا اليومية على أنه الناحية الأخرى من الرفع الرياضي، ولكن بدلاً من رفع الأوزان الثقيلة أو تأدية الشقلبات، فإن الكثير من الأعمال يتطلب إبقاء الجسم البشري في وضعيات محددة لفترات طويلة من الزمن، وعلى الرغم من أن الإجهاد اللحظي قليل جداً، إلا أنه يتراكم بمرور الوقت، وهو ما يطلق عليه اسم "الإجهاد الوضعي"، مما يعني أن جدتك كانت محقة عندما كانت تطلب منك أن تجلس بشكل منتصب.
ومثلاً يتعرض الإنسان المعاصر العادي إلى الكثير من أنواع الإجهادات الوضعية: مثل تصلُّب الرقبة بسبب التراسل على الهاتف طوال النهار، أو آلام في الكتفين بسبب الجلوس أمام المكتب، أو ألم نابض في أسفل الظهر بسبب الوقوف طوال اليوم.
وحل هذه المشاكل يتطلب أمرين مختلفين؛ الأول هو تغيير وضعية جسدك بشكل منتظم، فصحيح أن مسألة الأذى الذي يمكن أن يتسبب فيه الجلوس طوال النهار أكثر تعقيداً مما تظن، ولكن تغيير الوضعية بانتظام -من الجلوس إلى الوقوف ومن ثم الجلوس ثانية- سيكون مفيداً لك، إضافة إلى تجنب وضعيات الانحناء التي تتسبب في إجهاد بعيد المدى لظهرك.
والثاني هو أن استخدام الأساليب المناسبة -كما ذكرنا من قبل- مفيد إلى حد كبير، وهذا يعني أنه توجد حتى طريقة صحيحة للجلوس أمام الحاسوب، وهي أن تجلس أولاً بشكل مريح في كرسيك، دافعاً بوركيك إلى الخلف قدر الإمكان، ومن ثم عدِّل ارتفاع الكرسي بحيث تصبح الركبتان على مستوى الوركين أو أخفض بقليل، مع ارتكاز القدمين بشكل كامل على الأرض، والظهر على مسند الكرسي بزاوية 100-110 درجة، ويمكنك أن تستخدم وسادة قطنية لدعم الظهر أو حزاماً لتصحيح الجلسة عند الضرورة، وعليك أخيراً أن تضع مساند الذراعين على ارتفاع يسمح باسترخاء الكتفين وإسناد اليدين إلى أعلى الطاولة.
ولكن ماذا لو كان المكتب مرتفعاً لدرجة لا تسمح بوجود الذراعين والساقين في الوضعية الصحيحة في نفس الوقت؟ يمكنك حينها أن تشتري مسنداً للقدمين بحيث لا تُبقي ساقيك مُدلَّاتين في الهواء.
وأخيراً ولمزيد من الفائدة، يمكن أن تدرب ظهرك لزيادة المرونة والتوازن، حيث إن هناك الكثير من التدريبات التي تساعد على تطوير القوة والتوازن (مثل اليوجا)، بحيث تخفِّف الألم أو تحمي منه، كما يمكنك أيضاً أن تمارس تمرينات البيلاتيس، أو تتعلم وضعيات رفع الأثقال من مدرب محترف.
وتذكر أن الوضعيات السليمة والتمارين المنتظمة الجيدة ومعرفتك لحدودك، كل هذا لا يحميك بشكل مطلق من إصابات الظهر، ولكن إذا فهمت جسدك جيداً، فسوف توفر على نفسك الكثير من الألم.