كيف تخدع أدوية «ما قبل التعرض» فيروس الإيدز وتمنع الإصابة به؟

4 دقائق
علاج فيروس الإيدز
علاج مريض ثانٍ من الإيدز يحمل أملاً جديداً للمرضى

وافقت إدارة الأغذية والدواء في أكتوبر/ تشرين الأول 2018 على دواء «ديسكوفي» ليصبح ثاني دواءٍ من نوعه يعمل على الوقاية من فيروس الإيدز في الولايات المتحدة، وذلك بعد 6 سنوات على الموافقة على دواء «تروفادا» لنفس الغرض. كان كلا الدوائين، والذي تنتجهما شركة «جيلاد ساينس»، يُستخدمان في السابق كعلاجٍ للمرضى المصابين فعلاً بالفيروس، لكنهما أصبحا الآن من أكثر الأدوية أماناً وفعالية للوقاية من الإصابة بالفيروس بين الأفراد الأكثر عرضة للخطر، كالمثليين ومتعاطي المخدرات عن طريق الحقن. ولكن كيف تعمل هذه الأدوية، وما المخاطر التي تنطوي على تناولها؟

فيروس الإيدز الخبيث

يعد فيروس نقص المناعة البشرية خبيث جداً، إذ يستهدف نوعاً من خلايا الدم البيضاء المناعية التي تسمى خلايا «سي دي 4»، والتي تشكّل خط الدفاع الأول ضد العدوى. يقوم الفيروس باختطاف هذه الخلايا المناعية وتحويلها إلى مصانع صغيرة لصنع المزيد من النسخ منه، والتي تقوم بدورها بإصابة الخلايا المناعية الأخرى. وهكذا، ومع انتشار الفيروس أكثر، ينخفض ​​عدد خلايا سي دي 4 لدى المصاب، مما يجعله عرضة للعدوى الانتهازية (مثل ساركوما كابوسي، التي تسببها نوع من فيروس الهربس والمتكيسة الرئوية الجؤجؤية) والتي يمكن لنظام المناعة السليم القضاء عليها بسهولة عادة.

يستخدم الفيروس مجموعة من الأدوات للسيطرة على الجهاز المناعي، وهي عبارة عن شريطٍ من «رنا» الفيروسي وأنزيمٍ لربطه مع الحمض النووي «دنا». يلعب هذا الأنزيم الدور الأساسي في الارتباط مع النيوكليوتيدات الموجودة في الخلية (اللبنات الأساسية للحمض النووي) وترتيبها في شريطٍ حلزوني مضاعف وفقاً لمخطط الرنا الفيروسي. يقوم الفيروس بعد ذلك بإدخال هذه الخيط في نواة الخلية المناعية المستهدفة، مما يجبرها على إنتاج المزيد من نسخه باستمرار حتى تنفجر وتموت في النهاية؛ لتطلق الفيروسات الجديدة وتصيب خلاياً مناعية جديدة.

يقول كريج هندريكس، مدير قسم علم الأدوية السريري في كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز: «تُصنف هذه الأدوية ضمن فئة الأدوية الوقائية من فيروس الإيدز، أو ما يُعرف بأدوية الوقاية ما قبل التعرّض، وتُعرف اختصاراً PeEP. وبالرغم من وجود دوائين مختلفين منها، إلا أن آلية تأثيرها الأساسية واحدة. تؤخذ حبوب «تروفادا» مرة واحدة يومياً، وهي عبارة عن مزيج من دوائين هما: «إمتريسيتابين»، و«تينوفوفير ديسوبروكسيل فومارات»، وكلاهما من مثبطات الإنزيم (أي هي جزيئات ترتبط بالإنزيم لتقليل نشاطه) المتنكرة في شكل نيوكليوتيدات، وهي مصممة للارتباط بأنزيم فيروس الإيدز على وجه التحديد. ينبغي على الأفراد الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس تناول هذه الأدوية يومياً، إذا ما رغبوا بحماية أنفسهم، وبشكلٍ دائم طالما ما يزالون عرضة لالتقاط الفيروس، وتبلغ تكلفة هذه الأدوية حوالي 2000 دولار شهرياً».

علاج مريض ثانٍ من الإيدز يحمل أملاً جديداً للمرضى

ويضيف هندريكس في هذا الصدد: «بمجرد أن يمتص الجهاز الهضمي الدوائين السابقين، ويدخلان إلى مجرى الدم والبقع الساخنة الأخرى التي تحوي خلايا سي دي 4 المناعية (خاصة المستقيم وعنق الرحم). يمكن لهذه الأدوية الدخول إلى داخل هذه الخلايا المناعية دون مشاكل؛ نظراً لطبيعة بنيتها الجزيئية التي تسمح لها بذلك، ولأن الخلايا المناعية لا تستجيب إلى هذه الجزيئات المصممة على شكلِ مادةٍ وراثية مزيفة. وهكذا تصل تراكيز الدوائين إلى مستوياتٍ ثابتة في جهاز المناعة بعد حوالي أسبوعٍ من البدء بتناولها».

بعد أن تتمركز الأدوية (أو الجزيئات الدوائية) المتنكرة في الخلايا التائية، إذا حدث والتقط الشخص الذي يتناولها فيروس الإيدز عن طريق الاتصال الجنسي أو الحقن، لن يتمكن الفيروس من تمييزها عن المادة الوراثية الحقيقية للخلية، وسيفترض أنها من مكونات الحمض النووي الموجودة في الخلية. وبالتالي، وفي حال وجودٍ كميةٍ كافيةٍ منها في الخلية المناعية بالطبع، لن يكون هناك أمام الأنزيم الفيروسي خيارٌ سوى الارتباط بها.

يقوم إنزيم الفيروس بعد ذلك بإنشاء الشريط المضاعف من الدنا المزيف -تماماً كما يفعل في الحالة العادية- لتكون مصنعاً للرنا الفيروسي. ولكن بمجرّد ارتباط الأنزيم بالنيوكليوتيدات المزيفة، تنهار العملية برمتها، ويفشل إنشاء جزيء حمض الدنا اللازم لعملية نسخ الفيروس، مما يوقف الانزيم في مساره، وبذلك يفقد الفيروس القدرة على الهيمنة واختطاف الخلية المناعية. وبمجرد أن يفشل في السيطرة على الخلية المضيفة، يموت الفيروس في النهاية. في الحقيقة، آلية عمل أدوية ما قبل التعرض في هذه الحالة أشبه باعتماد الطاهي على وصفةٍ سيئة لصنع وجبة طعامٍ من كتاب الطبخ، لكّن الطاهي يمزّق كتاب الطبخ مطمئناً إلى أنه لن يحتاج إليه بعد ذلك، ولكن الطبخة احترقت، ولن يكون هناك خيارٌ آخر لتجريبه.

دواء التروفادا

يتخصص دواء التروفادا بالخلايا المناعية، لكّن له أعراض جانبية قد تكون خطيرة في بعض الأحيان. فقد أظهرت الدراسات أن الدوائين يدخلان إلى خلايا العظام والكلى أحياناً، وبالتالي قد تؤثر على كفاءة هذه الأنظمة من خلال قتل الميتاكوندريا في خلاياها، وفي بعض الأحيان قد تؤدي إلى قتل الخلايا نفسها. إلا أن هندريكس يشير إلى أنه لا داعي للقلق بالنسبة للأشخاص الذين لديهم كلى وعظام سليمة وصحية عند البدء بتناول هذا النوع من الأدوية، ومع ذلك، ينبغي استشارة الطبيب قبل أخذها. وبالرغم من هذه التحذيرات، يعتبر الكثير أن تناول التروفادا آمنٌ تماماً مثل الأسبرين اليومي.

يقول هندريكس: «بينما تروّج شركة جيلاد لدواء «ديسكوفي» كنسخةٍ أكثر أماناً من الدواء -وقد رفع المرضى دعوى قضائية ضد الشركة لاحتكارها هذا الدواء لغاياتٍ تجارية- ينبغي أن لا يقلق من يتناولون دواء تروفادا حالياً. في الواقع، الآثار الجانبية السلبية لدواء تروفادا على وظائف الكلى والعظام منخفضة جدًا في بداية تناوله، بينما آثار دواء ديسكوفي الجانبية أقل بقليلٍ فقط بالمقارنة. يتمثل الفرق الرئيسي بين الدوائين في أن الدواء الجديد يستخدم مادة تينوفوفير ألافيناميدي (TAF) بدلاً من التينوفوفير ديسوبروكسيل فومارات(TDF). حيث أن كلاهما عبارةٌ عن مادةٍ تحمل عقار تينوفوفير، الجزيء الفعال في محاربة فيروس الإيدز، إلى الخلايا المناعية في الجسم في الأساس. وبالرغم من أن قدرة جزيء «TAF» على المرور عبر أغشية الخلايا المناعية أكبر قليلاً من قدرة جزيء «TDF»، إلا أن كلا الجزيئين، وبمجرّد أن يصبحا داخل الخلية، يتمتعان بنفس الفعالية في إحباط فيروس نقص المناعة البشرية».

تحارب أدوية ما قبل التعرّض فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) فقط، ولا تحمي من الأمراض الأخرى المنقولة جنسياً، مثل السيلان والكلاميديا والزهري. يجب على المرضى الذين يتناولون هذه الأدوية مراجعة أطبائهم كل 3 أشهر لإجراء اختبارٍ لجميع الأمراض المنقولة جنسياً، إلى جانب التحاليل اللازمة لفحص صحة الكلى. ووفقاً لهندريكس، فإن على المرضى تناول هذه الأدوية يومياً لحماية أنفسهم لانها بالأساس وقائية. ويشير إلى أن بعض الإصابات قد حدثت نتيجة فشل المريض بالحفاظ على تناول هذه الأدوية بانتظام. ومع ذلك، فإن بعض الأطباء والعيادات في الولايات المتحدة تسمح بخيار جرعة «2-1-1» عند الحاجة فقط، إذ أن هذه الجرعة في معظم الحالات، تكون بنفس فعالية أخذ الحبوب يومياً.

يقول هندريكس: «الدواء نفسه يعمل بشكلٍ جيد بالفعل، لكن لن يعمل طالما أنك لا تتناوله».

المقالة باللغة الإنجليزية

المحتوى محمي