ربما قادك التساؤل عن مصدر العضّات المجهول على يديك وساقيك إلى البحث في دوامة جوجل؛ ووصل بك إلى هنا لتقراً هذه السطور أخيراً. لا داعي للقلق، على الرغم من أن التخلص من بقّ الفراش أمرٌ معقد فعلاً، إلا أنه ليس مستحيلاً. والخطوة الأولى إلى ذلك هي فهم طبيعة بقّ الفراش.
ماذا يريد بقّ الفراش منّا؟
يتغذى بقّ الفراش على طعامٍ واحدٍ فقط؛ الدماء، وهو يفضل دم البشر على وجه الخصوص. تحتاج هذه الحشرات التي تمر بعدة مراحل أثناء نموها إلى «وجبة من الدماء» للوصول إلى مرحلة النضج الجنسي، لتنتقل إلى المرحلة التالية. وبمجرد وصولها إلى مرحلة النضج الكامل، تحتاج إلى الغذاء مرة كل 5 إلى 10 أيام لكي تحافظ على حياتها.
ليس لهذه الحشرات توقيت معين لهجومها علينا، فهي تستغل الوقت المناسب خلسة وتمتص دمائنا. يقول «ربورتو بيريرا»، عالم الحشرات في جامعة فلوريدا: «بالرغم من أنها تمتص كمية صغيرة جداً من دمك في كل عضّة تقوم بها، إلا أن هذه العضة تستغرق حوالي 10 دقائق، لذلك من الأفضل لها أن تقوم بذلك أثناء نومك، أي عندما لا تتحرّك».
لا يميل بقّ الفراش إلى البقاء طويلاً على جسم الإنسان. ونظراً لأننا لا نمتلك الكثير من الشعر على أجسامنا، فمن السهل عليها أن تعضّك، لكنها تجد صعوبةً في التشبث بأنحاء جسمك، خصوصاً وأننا نميل للتحرك حتى أثناء نومنا. تميل حشرات البق إلى الاختباء في فراشنا وتقوم بالعض مرات متكررة خلال تغذية واحدة تقوم بها، ولذلك يظهر نمط عضات بق الفراش في خطوط مكونةٍ من 3 عضّات في مكان واحد على جسمك، وهذا النمط خاصّ ببق الفراش فقط، ومن خلاله نتعرف إلى وجود هذه الحشرات في فراشنا.
بالطبع تفضل الكثير من الحشرات الأخرى عضّ البشر، فإذا وجدت آثار عضّاتٍ حول كاحليك فقط وفي نفس الوقت تمتلك حيواناً أليفاً، ففي الأغلب تكون المسئولة البراغيث -التي تختبئ في فراء حيوانك الأليف- كما أنّ نمط عضاتها مختلف. أما إذا كنت تعاني من طفحٍ جلدي، فقد يكون السبب هو مرض الجرب الذي تتسبب به نوع من الطفيليات من مفصليات الأرجل، بينما إن ظهرت لديك عضةٌ أو عضتان منتفختان، فغالباً ما يكون البعوض هو المسؤول عنها.
أثناء تغذيتها، أو بعد الانتهاء منها مباشرةً، تتخلص الحشرات من بقايا الوجبة الأخيرة، وغالباً ما تترك بقعاً صدئةً أو نقاطاً سوداء صغيرة من برازها على الشراشف، خصوصاً في الأطراف السفلى من السرير حيث يعود البق في طريقه إلى مخبئه في الشقوق الصغيرة في أثاث منزلنا. توجد هذه المخابئ على بعد 5 أقدام من السرير؛ وربما تصل إلى 20 قدماً. إن الاستدلال على مخلّفات بق الفراش طريقةٌ جيدة في تحديد ما إذا كان بقّ الفراش هو المسؤول عن اللدغات على جسمك أو شيءٌ آخر. يمكن استخدام نوعٍ من الورق الفاتح الذي يُظهر مخلفات البق واضحةً ويجعل من السهل التعرف عليها، وذلك بوضعها حول السرير في الأماكن التي تشك أن البق سيسلكها إلى مخبئه.
يلاحظ العديد هذه العضّات في البداية بسبب الحكّة التي تتسبب بها، إلا أنّ هناك من تتسبب لهم العضّات بردّ فعلٍ تحسسي، مثل تورّم أماكن العضات -قد يعتقد البعض أنها بسبب البعوض- والإصابة بطفحٍ جلدي يسبب حكّةً شديدة مزعجة. في الحقيقة، لا تظهر ردة الفعل هذه عند الجميع، لذلك قد يكون البحث عن العضّات بحدّ ذاتها طريقةً غير فعّالة في تحديد ما إذا كان بق الفراش موجوداً في فراشنا.
إن هذه الأعراض التي تظهر لدينا ومعرفة أن بقّ الفراش الموجود في فراشنا يتغذى على دمنا يسبب لنا الكثير من القلق والأرق، وربما يتسبب التعرض لتجربة بقّ الفراش المريرة بضغط نفسيٍّ كبير لدى بعض الناس.
من الناحية الصحية، لا يُعتبر بقّ الفراش أسوأ الطفيليات التي تقتات على دمائنا عموماً. يقول بيريرا: «لا يتردد الكثير منّا في الذهاب للصيد مثلاً أو الخروج في نزهة رغم احتمال تعرّضهم لمئاتِ من لدغات البعوض. لكّن البعوض؛ كما يقول: «ينقل أمراضاً خطيرةً للغاية، بينما بقّ الفراش لا ينقل أي أمراضِ على الإطلاق».
المرض الوحيد الذي تبين أن بق الفراش ربما ينقله «في بيئة مخبرية» هو مرض «شاغاس». لكنه لا ينتقل أساساً من بق الفراش إلى الإنسان، كما يفعل البعوض. لقد تبين أن الفئران التي تتعرّض لعضات بق الفراش ربما علقت بجروحها بعض من براز بقّ الفراش الحاوي على الفيروس، وبذلك تلتقط هذا الفيروس لتقوم بنشره بدورها. وفي الحقيقة لا يوجد دليلٌ على حدوث هذه العدوى بهذه الطريقة سابقاً لدى الأشخاص الذين يعانون من وجود بقّ الفراش في منازلهم رغم أنه ممكن من الناحية النظرية. في المقابل؛ من المعروفٌ عن البعوض أنه يتسبب في ملايين الوفيات كلّ عام.
وفي إطار الأمانة العلمية التي يتوخاها العلماء لتقديم معلوماتٍ موثوقة للناس، سمح «بيريرا» لبقّ الفراش بالتغذية على دمه. ويقول بيريرا إنه من الصعب بدايةً تغذية مستعمرةً من بقّ الفراش مخبرياً بشكلٍ مصطنع، لذلك، قدّم لها بعضاً من دمه، كما قال حرفياً: «أضع على ذراعي أو ساقي وعاءً يحوي بقّ الفراش واتركهم يتغذون على دمي لفترة من الوقت لتنمية المستعمرة لدراستها».
من أين أتت حشرات بقّ الفراش؟
عاش بقّ الفراش مع البشر منذ كنا نعيش في الكهوف. وهو المكان الذي يعتقد العلماء أنها نشأت فيه أساساً. تعيش الخفافيش موسمياً في الكهوف، وهي تتدلى رأساً على عقب أثناء نومها، وأثناء ذلك، تتغذى على دمها حشرات بقّ الفراش. بينما تختبئ هذه الحشرات بين الوجبات بين شقوق جدران الكهوف المليئة بها، والتي تعدُ مخبأً مثالياً لها. عند غياب الخفافيش عن الكهف، تدخل هذه الحشرات بحالةٍ من السبات. تمتلك هذه الحشرات قدرةً خارقةً على الصمود دون غذاء لمدة عامين خلال فترة سباتها، لكنها تستيقظ بسهولة عندما تشعر بوجود بشرٍ حولها يمكن أن يوفروا لها وجبات جيدة من الدماء.
عندما انتقل البشر للعيش في الكهوف التي كانت تقطنها الخفافيش، أصبح لدى حشرات بقّ الفراش امداداتٌ على مدار العام من الغذاء الذي كان صعباً الحصول عليه من الخفافيش سابقاً. وعندما غادر الإنسان الأول الكهوف إلى المساكن الحضرية جلبوا معهم بقّ الفراش حيث ازدهرت هناك وتمتّعت بالدفء والحماية من أعدائها أيضاً، ووجدت فيها، كما الكهوف، الكثير من الأماكن للاختباء فيها. وهكذا تطورت لتصبح الآفات التي نعرفها اليوم.
كما هو الحال في العصر الحديث تماماً، كان يمكن لبقّ الفراش في العصر الحجري القديم حين سكن إنسان «هومو سابين» الكهوف في البداية أن يؤثر على أي شخص، بغضّ النظر عن إن كان غنياً أو فقيراً. لكّن الفقر وقلّة الموارد كانت سبباً في استفحال بقّ الفراش لدى الأشخاص ذوي الموارد المالية المحدودة. تقول أحد المصادر التي تعود إلى القرن الخامس عشر عن بقّ الفراش: « إنها لا تتكاثر في الفراش الذي يتبدل بشكل متكرر، كما هو الحال في منازل الأثرياء».
بعد أن انتقل بقّ الفراش إلى الإنسان، لم يعد بالإمكان التخلّص منه مطلقاً. يقول «زاكاي ديفريز»، الباحث الذي يدرس علم الحشرات الحضري في جامعة نورث كارولينا: «لقد أصبح بقّ الفراش الآن متكيفاً ومتخصصاً في العيش بجانبنا تماماً». فأقدامهم لم تعد تحتوي على مواد لزجة لأنهم لم يعودوا بحاجة للمشي على جدران الكهوف، وهذا يفسّر ميلها لتفضيل الفراش والأثاث المُنجد كثيراً، فمن السهل عليها تسلّق الأقمشة المُحاكة. وهي لا تتغذى على دماء القطط والكلاب (إلا نادراً) لأنه سيكون عليها اجتياز فرائها للوصول إلى جلدها (رغم قدرتها على اجتيازها حسب الجمعية البيطرية الأميركية)، لذلك تفضّل التغذية على جلدنا الذي يسهل الوصول إليه.
وقد حدث أن كان بقّ الفراش منتشراً في كل أرجاء أمريكا الشمالية حتى منتصف القرن العشرين، إلى أن اختفى فجأةً كُلياً. لم يعلم أحدٌ سبب ذلك بالضبط، لكّن الباحثين يشكّون في أن السبب قد يتعلّق بتغيير طريقة حياة الناس وأنواع المبيدات الكيميائية المُستخدمة. ثم ما لبث بقّ الفراش طويلاً حتى عاد ليعيش بيننا عودة المنتصر، وقد خرجت نظريات تشرح سبب عودته، إلا أنها كانت تجمع كلّها على مجموعةٍ من العوامل، ربما السفر المتكرر أو الحد من استخدام أنواعٍ معينة من المبيدات وغيرها من العوامل التي ربما ساعدت في عودة بقّ الفراش.
اليوم يمكنك أن تجد حشرات بق الفراش من نوع «Cimex lectularius» في كل مكانٍ في أميركا الشمالية في غرف الفنادق، وأنظمة النقل والبيوت، حيث لم يكن أحدٌ يسمع بها منذ 25 عاماً. يقول بيريرا: «توجد في كل مكانٍ حالياً، لقد ظهرت حشراتُ بقّ الفراش فجأةً في كلّ مكانٍ في بدايات هذا القرن، ولم تكن شركات مكافحة الآفات تعرف حقاً ما يجب القيام به للقضاء عليها، لكن الآن، فإن الخبر السار أن هناك طرقاً جديدةً للتعامل مع انتشارها والحد منها».
هذا ما ينبغي فعله
إذا كنت تعتقد أن بق الفراش منتشرٌ في منزلك، فلا داعي للذعر. لقد تحسنت أساليب مكافحتها كثيراً منذ ظهورها في أوائل الألفية الجديدة، عليك فقط الاتصال بخبراء مكافحة الآفات. إذا لم تكن متأكداً من موثوقية بعضهم، يمكنك التواصل مع مكتب الإرشاد في جامعة الولاية المحلية ببساطة كما يقترح «ديفريز»، حيث يمكنك الحصول على المشورة بخصوص الشركات ذات السمعة الحسنة التي تقوم بعملها باحترافية.
يحاول البعض معالجة غزو بقّ الفراش بنفسه، لكّن «ديفريز» يُحذّر من ذلك، حيث يقول: «لقد تحدثت مع أشخاصٍ قاموا بذلك فعلاً من تلقاء أنفسهم، لكنه عملٌ يحتاجُ لجهدٍ كبير وصعبٌ جداً، فإذا فاتتك أنثى واحدة خصبة أو تركت بضع البيض، فالمشكلة ستعاود الظهور مجدداً بأكملها».
وبدلاً من ذلك، يقترح «ديفريز» البحث عن شركة متخصصة بما يُعرف بالإدارة المتكاملة لمكافحة الآفات عوضاً عن الاكتفاء برشّ المبيدات. يقول ديفيريز: «ينبغي اتباع استراتيجيات متعددة لمكافحة بقّ الفراش، وذلك يعني، بالإضافة لاستخدام المبيدات الحشرية، اتباع أساليب أخرى في مكافحتها، مثل تغليف فرش المنزل ووضع المصائد بالإضافة للمعالجة الحرارية». إذاً علينا اتباع النهج الذي تقترحه شركة مكافحة الآفات.
الفكرة هي أن تبقى هادئاً قدر الإمكان بغضّ النظر عن ضخامة هذه المشكلة. لقد تمكن البشر من التعامل مع هذه الآفة عبر التاريخ، وأنت لست استثناءً، ستتمكن من التخلص منها بالتأكيد.