الكل يعرف هذا الرقم (37). عندما كنتَ طفلاً، كانت تلك هي الدرجة الذهبية التي يجب أن تتجاوزها لتصاب بالحمى، وتحظى بفرصة للغياب عن المدرسة. ولكن على الرغم من أننا جميعاً نفكر في هذا الرقم على أنه متوسط درجة حرارة الإنسان، إلا أنه ليس دقيقاً تماماً بالدرجة التي نتعامل بها معه كثقافة سائدة. ومن غير المستغرب أن تكون الأجسام البشرية مختلفة، وهذا يعني أن درجة 37 مئوية ليست هي درجة حرارة الجسم المثالية عند جميع الناس.
إن سوء الفهم الجماعي لما نعتبره حمى هو مشكلة كبيرة، لأنك لا تريد تجاهل التغييرات في درجة حرارة الجسم. وغالباً ما تعني الحمى أن جسمك يمر بنوع من الاستجابة المناعية، غالباً من عامل معدٍ، مثل فيروس البرد أو الإنفلونزا أو عدوى بكتيرية. ولكن إذا كنت لا تستطيع أن تتبع معيار 37 درجة مئوية، فكيف تعرف ما إذا كنت تعاني من الحمى؟
من أين جاء هذا الرقم (37)؟
كان كارل راينهولد أوجست فوندرليش أول شخص حاول توحيد درجة حرارة الجسم. وهو طبيب ألماني قام بتسجيل أكثر من مليون قراءة لدرجة الحرارة من 25 ألف شخص. وخلص إلى أن متوسط درجة حرارة جسم الشخص البالغ الذي يتمتع بصحة جيدة تبلغ حوالي 37 مئوية. ولكي نكون منصفين، فقد لاحظ أيضاً أن هذا العدد يمكن أن يتراوح بين 36.2 درجة مئوية و37.5 درجة مئوية، وذلك اعتماداً على الوقت من اليوم، والجنس، والعمر. لكن بقيت درجة 37 مئوية عالقة كمعيار عند البالغين الأصحاء "الطبيعيين".
وعلى الرغم من أن هذه الدرجة لا تزال هي المعيار، إلا أن هذا العدد قد تم التشكيك فيه مرات عديدة خلال العقود القليلة الماضية. وقليل من الأطباء - إن وجدوا- سيقول إن هناك درجة حرارة جسم واحدة مثالية لجميع البالغين.
تعريف درجة الحرارة الطبيعية
لاحظ فوندرليش والعديد من الباحثين المعاصرين أيضاً، أن درجة حرارة الجسم تتقلب كثيراً.
وأول فرق كبير يلعب دوره هو الجنس، حيث تميل درجة حرارة الجسم عند النساء، في المتوسط، إلى كونها أعلى بقليل مقارنة بالرجال، وهو ما يرجع في معظمه إلى الاختلافات الهرمونية، وتخزين الدهون، والأيض. وتتشابك جميع هذه العوامل مع درجة حرارة الجسم الأساسية للشخص.
ويلعب العمر دوراً أيضاً. فدرجة حرارة الجسم عند كبار السن تكون عادة أقل مقارنة بالأشخاص في منتصف العمر وصغار السن. ووجدت إحدى الدراسات أن متوسط درجات الحرارة عند نزلاء إحدى دور رعاية المسنين الذين يبلغ متوسط أعمارهم 80.7 عاماً كانت تتقلب طوال اليوم، ولكنها بقيت في الغالب ضمن مجال 36 درجة مئوية، مع أدنى درجة وصلت إلى 34.4 درجة مئوية. وأشار الباحثون أيضاً إلى أن أكبر النزلاء سناً سجلوا أخفض درجات الحرارة.
وهذا يؤدي إلى التقلب الكبير التالي، وهو الوقت من اليوم. تتغير درجة حرارة جسم أي شخص على مدار اليوم، لتصل إلى حدها الأقصى في وقت مبكر من المساء، وإلى حدها الأدنى في الصباح الباكر. ويمكن أن ترتفع درجة حرارة الجسم أيضاً أثناء وبعد التمرين المكثف.
وبالنظر إلى قدر التقلّب عند فردٍ ما، ومدى اختلافه عن الدرجة المعيارية، فمن الأفضل استخدام الدرجة 37 مئوية كدليل مرن. وإذا كنت ستقوم باختبار صحتك من خلال درجة حرارة جسمك، مثل استخدامها لتحديد ما إذا كنت مصاباً بعدوى، فيجب عليك أولاً قياس خط الأساس لمتوسط درجة حرارة جسمك.
تحديد متوسط درجة حرارتك
لتحديد متوسط درجة حرارتك، قم بقياس درجة حرارتك اليومية على مدى فترة طويلة من الزمن، وكلما كانت الفترة أطول كانت النتيجة أفضل. وللحصول على أفضل دقة، خذ درجة الحرارة في نفس الوقت من اليوم باستخدام نفس ميزان الحرارة. وسوف يعطيك هذا فكرة عن درجة الحرارة الطبيعية الخاصة بك.
بعد ذلك، وفي المرة القادمة التي تعتقد فيها أنك تعاني من الحمى، قارن درجة حرارة جسمك عند شعورك بعدم الراحة بخط الأساس لمتوسط درجة حرارة جسمك. إذا كان هذا الرقم أعلى من درجة حرارتك المعيارية بمقدار درجة واحدة أو أكثر، فعندئذ، وبحسب معايير المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض، فإنك تعاني من الحمى.
لا تركز على الرقم وحده
الأرقام والمعدلات والإحصاءات مفيدة، ولكنها ليست كل شيء. إن معرفة جسمك وشعورك عندما تكون بصحة جيدة، ومن ثم مقارنة ذلك بما تشعر به عندما تكون مريضاً، لا يقل أهمية عنها. ونظراً لأن الأوجاع والقشعريرة تصاحب الحمى عادةً، فإذا كانت لديك هذه الأعراض، فمن المرجح أن تكون مصاباً بالحمى (حتى لو كانت خفيفة)، بغض النظر عما يقوله ميزان الحرارة.
لذلك، اعرف متوسط درجة حرارة جسمك، ولكن أصغٍ إلى جسمك أيضاً.