تعدّ كافة مواسم الإنفلونزا مميتة. وعلى الرغم من أن هذا العام قد يبدو أسوأ من المعتاد – وقد ينتهي بحالات أكثر من الوفيات – إلا أنه أيضاً تذكير خطير بأن الإنفلونزا تودي بحياة الناس بشكل دائم. ولا يزداد وعينا به إلا في بعض الأحيان فقط.
بالنسبة لآلاف الأشخاص الذين يصابون بالإنفلونزا ويشفون منها، فقد يبدو بأنه من غير الممكن أن تموت من هذا المرض الذي غالباً ما يشبه الزكام السيء. حسناً، هذه هي الآلية:
الخطوة 1: أن تكون كبيراً جداً أو صغيراً جداً على الأرجح
يتشابه الجهاز المناعي عند طفل عمره ثمانية أشهر وعند كهل عمر ثمانين عاماً في كونهما غير مستعدين بشكل جيد للتعامل مع الإنفلونزا. فالرضع (وحتى الأطفال الصغار) ببساطة لم يسبق لهم أن تعرضوا لعدد كافٍ من العوامل الممرضة لتتعرف أجسادهم على كيفية مكافحة الفيروسات، بينما يعاني كبار السن من تدهور عام في الأجهزة التي من شأنها أن تقضي عادةً على الإنفلونزا. وهذا هو السبب في أن معظم الناس الذين يموتون من الإنفلونزا لا يكونون من الأشخاص السليمين في العشرينات من أعمارهم أو حتى من الآباء، بل يكونون إما صغاراً جداً أو كباراً جداً.
ولكن هذا لا يعني أن الأشخاص في العشرينات من أعمارهم لا يموتون من الإنفلونزا. بل هم معرضون لذلك بالتأكيد. فهم فقط أقل عرضة للموت من معظم سلالات الإنفلونزا. وهذا ليس صحيحاً دائماً، إذ استهدفت الإنفلونزا الإسبانية الشباب الأصحاء لأنهم لم يسبق لهم أن تعرضوا لسلالة مماثلة. ويبدو بأن فيروس هذا العام أصعب من المعتاد على مواليد طفرة المواليد بعد الحرب العالمية الثانية (والذين لا يزال الكثير منهم أصغر من أن يكون الهدف الأولي للإنفلونزا) لأنه يختلف عن السلالات التي كانوا أكثر تعرضاً لها عندما كانوا أطفالاً. وبعبارة أخرى، لا أحد يضمن الإصابة بالإنفلونزا أو عدم الإصابة بها. ولكن بشكل عام، فإن الصغار جداً والكبار جداً يحتاجون إلى معظم الحماية.
الخطوة 2: أن تتعرض للإصابة بالتهاب الرئة
أثناء مطاردة مختلف أنواع خلايا الدم البيضاء لفيروس الإنفلونزا داخل الجسم، فإنها تؤدي إلى حدوث الالتهاب. فالالتهاب هو رد فعل مناعي لجميع أنواع المشاكل، من الفيروسات إلى البكتيريا إلى الرضوض الجسدية، ويهدف إلى حدوث الشفاء. إذ يتورم الجلد والأعضاء قليلاً لاستيعاب جميع الخلايا الجديدة المتدفقة لمحاولة ترميم جسمك. وهذه ليست مشكلة مع حالات العدوى الصغيرة، ولكن اشتداد الالتهاب يمكن أن يكون خطراً.
ففي الرئتين على سبيل المثال، يمكن للتورم أن يمنع الأكسجين من الوصول إلى الأوعية الدموية. فالأكسجين ينتقل عادةً عبر الأغشية الرقيقة جداً في عدد كبير من الأسناخ الرطبة داخل الفصوص الرئوية. وعندما يتورم هذا النسيج بسبب الخلايا المناعية، يصبح من الصعب على الأكسجين الوصول إلى الأوعية الدموية الصغيرة التي من المفترض أن ينتقل إليها. ويكون هناك أيضاً بعض الأضرار في أنسجة الرئة. ولا يمكن للفيروسات أن تتكاثر من تلقاء نفسها، ولذلك تضطر للقيام بذلك داخل خلايا الجسم. وهذا يعني بأنه من أجل قتل الفيروس، فإن على جهاز المناعة تخريب الجسم إلى حد ما، الأمر الذي يجعل عملية الأكسجة أصعب.
ويُذكر بأن حوالي ثلث الناس الذين يموتون من الإنفلونزا يموتون مباشرة. أي أنهم يموتون من آثار الفيروس (والآثار الناجمة عن محاولة أجسادهم مكافحة الفيروس). ويعدّ الفشل التنفسي – عندما لا تتمكن الرئتان ببساطة من الحصول على ما يكفي من الأوكسجين – هو أحد الطرق الأكثر شيوعاً، كما أنه أحد أسرع هذه الطرق. وتحدث الوفيات المباشرة من الإنفلونزا بسرعة، وغالباً في غضون أيام قليلة، ويرافقها القليل من علامات التحذير.
وهذه ليست الطريقة الوحيدة التي يمكن للالتهاب أن يقضي عليك.
الخطوة 3: أن تتعرض للإصابة بالتهاب واسع النطاق في كامل الجسم، والمعروف باسم تعفن الدم
يعدّ "فشل الأعضاء المتعدد" سيئاً بقدر ما يبدو. وكما هو الحال مع التهاب الرئتين، يمكن لأعضائك الأخرى أيضاً أن تصاب بالتورم الشديد عندما يقوم الجهاز المناعي بإرسال الخلايا لقتل الفيروس. ويمكن لرد الفعل واسع نطاق في كامل الجسم من هذا القبيل أن يؤدي إلى تعفن الدم، والذي يحدث عندما يتفاعل الجهاز المناعي بشكل قوي جداً لدرجة أن الالتهاب الناتج ينهك الأعضاء. ويمكن أن تتوقف أعضاء متعددة في وقت واحد، ويحدث الموت بسرعة.
وحتى الالتهاب في بعض الأعضاء المفردة يمكن أن يسبب آثاراً جانبية خطيرة.
فالقلب والدماغ شديدا التأثر بشكل خاص بالالتهاب، لأنه لا بد لهما أن يقوما بوظيفتهما بشكل صحيح طوال الوقت من أجل البقاء على قيد الحياة. ولا يمكنهما تحمّل الضرر بقدر ما يمكن للكلى أو الكبد أو تحمّله. فالتهاب الدماغ يؤدي إلى الموت بسرعة، وعلى الرغم من أن تورم القلب لا يسبب الموت فوراً، إلا أنه يمكن أن يحفز مشاكل القلب الأخرى الكامنة لتقوم بالضرر.
إذا تمكنت من اجتياز كل ما سبق واستطعت البقاء على قيد الحياة، فلا يزال هناك خطر واحد متبقٍ.
الخطوة 4: أن تتعرض للإصابة بعدوى ثانوية، الالتهاب الرئوي على الأرجح
لدينا جميعاً بكتيريا داخل أجسادنا، ومعظمها لا يسبب لنا أي ضرر (بل يعتبر الكثير منها مفيداً). وهذا يشمل البكتيريا الخطرة الأخرى الموجودة بكميات صغيرة أو المعزولة بحيث لا تؤذينا.
ولكن عندما يكون الجهاز المناعي مضطرباً بالفعل تحت تأثير العدوى الفيروسية، فيمكن أن تنتشر هذه البكتيريا إلى الرئتين وتقوم بالسيطرة. وهذا ما يسمى بالعدوى الثانوية، ونسميها عندما تحدث في الرئتين بالالتهاب الرئوي. وعلى عكس الموت المباشر، يعمل الالتهاب الرئوي الثانوي ببطء أكثر. سوف تبدأ غالباً بالشعور على نحو أفضل بعد بضعة أيام من الإصابة بفيروس الإنفلونزا عندما يبدأ جسمك بمحاربته بشكل أكثر فعالية. وبعد ذلك، تشعر فجأة بأنك أسوأ بكثير. حيث تكون البكتيريا قد استغلت الوقت وأصبحت تتكاثر بسرعة داخل الرئتين، ويصبح جهاز المناعة المضطرب بالأصل يكافح من أجل المواجهة.
إذا لم تراجع المستشفى عندما تبدأ حالتك بالتفاقم، فمن المرجح أن تموت من العدوى. فالمضادات الحيوية يمكنها أن تساعد إذا أخذت في الوقت المناسب، ولكنها غير مضمونة. وفي بعض الأحيان، تكون البكتيريا قد انتشرت بالفعل إلى حد كبير لدرجة أنه لا يمكن للمضادات الحيوية أن تقتلها بسرعة كافية. كما أن الضرر الذي لحق بالعضو لا يشفى بالضرورة بمجرد أن يتم علاجك.
إذا أصبت أنت أو أي شخص تعرفه بالإنفلونزا - أو كنت تعتقد بأنك مصاب بالإنفلونزا - وكنت تشكّ بأن حالتك تنعطف نحو الأسوأ، فيرجى الذهاب إلى الطبيب. فالإنفلونزا تودي بحياة الآلاف من الناس في الولايات المتحدة كل عام، ولا تنتظر حتى فوات الأوان.