بالنسبة للكثير من الناس، لا تكتمل طقوس خَبز الكعك دون تناول بعض العجين غير المطبوخ. ففي عائلتي، إن بعض الأسئلة مثل "من الذي سيقوم بلعق مخفقة البيض؟" و "هل يمكنني أخذ قطعة من العجين؟" كانت دائماً جزءاً من القيام بإعداد الكعك.
ومع ذلك، فقد أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية مراراً تحذيرات حول مخاطر تناول العجين غير المطبوخ. وتضمّنت بعض تلك العبارات الخاصة ما يلي: "إن خلاصة القول لك ولأطفالك هي ألا تأكلوا العجين غير المطبوخ"، و "لا تعطي أطفالك العجين غير المطبوخ أو خليط الخَبز الذي يحتوي على الطحين ليلعبوا به" و "لا تقوموا بإعداد آيس كريم منزلي من عجين الكعك".
وفي الواقع، قام مفوّض إدارة الغذاء والدواء الأميركية بنشر تغريدة حول هذا الموضوع في 10 ديسمبر 2018 قائلاً: "لا يمكنك أكله في المنزل، لا يمكنك أكله مع الفأر. نحن لا نحبه هنا أو هناك، نحن لا نحبه في أي مكان".
وفي حين أن التغريدة التي تحمل الوسم "#FDA we are" للمفوّض سكوت جوتليب تعود إلى شخصية "Sam I am!" في كتاب "Green Eggs and Ham" للدكتور سوس، فإن رسالة إدارة الغذاء والدواء قد أثارت الالتباس والقلق بين الأشخاص الذين يحبّون تناول العجين.
وبالتالي، فإن ذلك يؤدي إلى سؤالين:
1) هل هناك مخاطر حقيقية لتناول عجين الكعك غير المطبوخ؟
2) هل من المناسب لمسؤولي الصحة العامة أن يفترضوا بأنه لا ينبغي لأحد أن يأكل عجين الكعك (وهو شيء أستمتع به أنا والكثيرون غيري على ما يبدو) بسبب هذا الخطر؟
هل هي رسالة مهمة للسلامة أم فكرة نصف ناضجة؟
إن الإجابة على السؤال الأول هي نعم، هناك بالفعل نوعان على الأقل من المخاطر المحتملة المتعلّقة بتناول عجين الكعك غير المطبوخ.
أولاً، عندما يفكّر معظم الناس في المخاطر الصحية وعجين الكعك، فإنهم يفكّرون بالبيض غير المطبوخ. إذ يمكن للبيض أن يتلوث ببكتيريا السالمونيلا، وتشجّع توصيات سلامة الغذاء الناس على طهي البيض حتى يصبح البياض والصفار صلبين من أجل قتل البكتيريا.
ومع ذلك، يمكن لأي شخص يعدّ الكعك أن يقوم بأشياء لتقليل هذا الخطر باستخدام منتجات البيض المبسترة. فعندما أقوم أنا وأولادي بصنع عجين الكعك، فإننا لا نستخدم أبداً البيض العادي، وإنما نستخدم البيض القشري المبستر لقتل أي بكتيريا ضارة دون طهي البيض بحدّ ذاته. (وهو ابتكار رائع للصحة العامة، إذا كنت تسألني!) ونتيجة لذلك، لا داعي للقلق بشأن البيض في عجين الكعك.
والأمر الآخر الذي يتم التقليل من خطره في كثير من الأحيان في عجين الكعك غير المطبوخ هو خطر الطحين نفسه. فعلى الرغم من أن تلوث الطحين غير المطبوخ هو أمر نادر، إلا أنه ممكن الحدوث. إذ ينمو القمح في حقول قريبة من الحيوانات. وعندما "تلبّي نداء الطبيعة" -كما عبّرت إدارة الغذاء والدواء- فيمكن أن يصبح القمح ملوثاً. في عام 2016، تمّ سحب الطحين في أنحاء الولايات المتحدة لأنه كان ملوثاً ببكتيريا الإشريكية القولونية التي أدت إلى إصابة عشرات الأشخاص بالمرض. حتى أن بعضهم دخل إلى المستشفى، وتعرّض أحدهم للفشل الكلوي.
وتعدّ مثل عمليات السحب هذه مهمة للغاية. فعندما نعرف أن المنتج ملوثاً، فيمكننا ويجب علينا التأكد تماماً من التخلص منه. فبمجرد أن قرأت إشعار عملية السحب، قمت بالتحقق فيما إذا كان سيتم سحب الطحين الإضافي الموجود لدي، ولم يكن كذلك. لو كان الأمر كذلك -أو حتى لو لم أكن متأكداً- لكنت رميته دون تفكير.
هل هو حق في الخيار؟
لكن هذا يقودنا إلى السؤال الثاني، فإذا اتخذنا خطوات لتقليل المخاطر (مثل استخدام الطحين السليم والبيض المبستر)، فهل يتعيّن على الأشخاص التوقّف عن تناول عجين الكعك بسبب هذه المخاطر؟
أنا آخر شخص قد يقول بأن الرسائل حول مخاطر الصحة العامة غير مهمة. فمن واجب مسؤولي الصحة العامة تحذير الناس من المخاطر الصحية المرتبطة بالبيض غير المطبوخ وحتى الطحين غير المطبوخ. وعندما يكون لدينا أدلة على أن بعض الأشخاص المحدّدين عرضة للخطر، فعلى مسؤولي الصحة العامة أن يروّجوا بشكل فعّال للإجراءات التي يمكن أن يتخذّها هؤلاء الأشخاص لتقليل المخاطر المحدّدة. إن القيام بذلك يدعم أهداف الصحة العامة وصنع القرار بالنسبة للفرد.
وعلى النقيض من ذلك، عندما تقول إحدى وكالات الصحة العامة بشكل لا لبس فيه "لا تأكل العجين غير المطبوخ" (بغض النظر عما إذا كان الطحين أو المكونات الأخرى قد تأثرت بعملية السحب أم لا)، فهذا يعني ضمناً (بشكل خاطئ) بأنه لا يمكن لأحد ألا يتفق مع ذلك بتبرير منطقي.
حسناً، أنا عضو هيئة تدريس في إحدى كليات الصحة العامة، ولا أتفق مع ذلك.
أعلم أن بعض مسؤولي الصحة العامة سيشعرون بالرعب من تصريحي هذا. وسيعتقدون بأنني أقوم بالانتقاص من رسالتهم وإعطاء الناس الإذن بأن يعرّضوا أنفسهم للخطر بشكل غير ضروري.
ولكن الكلمة الرئيسية للجملة السابقة هي "غير ضروري". إن تحديد فيما إذا كان الأمر ضرورياً أم لا ليس رأياً علمياً، بل هو رأي يعتمد على القيمة. فقد يعتقد مسؤول إدارة الغذاء والدواء بشكل شخصي أن تناول عجين الكعك غير المطبوخ هو أمر غير مهم وبالتالي قرّر عدم تناوله أبداً. وهذا هو قراره. وفي الوقت نفسه، يمكنني أن أعتقد بأن أكل عجين الكعك (المعدّ من الطحين المعروف بأنه لن يتم سحبه ومن البيض المبستر) هو شيء أستمتع به بما يكفي لأرغب بتعريض نفسي وأطفالي لخطر (صغير جداً) من أجل القيام به.
الحياة والمخاطر
بصفتنا خبراء في الصحة العامة، لا نريد من الناس أن يعتبروا عمليات سحب الطعام بمثابة مشاكل حسابية ويقدّروا احتمال تعرّضهم للمرض. فإذا تناولت طعاماً سيئاً، فعليك أن تتصرّف.
ولكن إذا كنت أعرف أن الطحين الموجود لدي ليس به مشكلة ولن يتم سحبه، فلا يوجد سبب محدّد للاعتقاد بأن هذا الطحين غير مناسب لتناوله بشكل غير مطبوخ. والخطر الوحيد هو الخطر الأساسي الصغير جداً، كأن يكون الطحين ملوثاً بمصدر مختلف وغير معروف حتى الآن، على سبيل المثال.
لا يمكننا التظاهر بأننا نعيش حياتنا بدون مخاطر. فأنا أعرّض نفسي وأطفالي للخطر في كل مرة نركب فيها السيارة، وفي كل مرة نأكل فيها السوشي أو الهامبرغر غير المطهي بشكل جيد، وفي كل مرة يتناول فيها أحدنا الأدوية، وفي كل مرة نركب فيها الدراجة أو نلعب كرة القدم.
ومع ذلك، يقرّر الكثير منا القيام بهذه الأشياء على أي حال، مع تقليل المخاطر عندما نستطيع (عن طريق ارتداء أحزمة الأمان وخوذة الدراجة، على سبيل المثال). نختار الحياة والتعرّض للمخاطر بدلاً من السلامة وعيش حياة أقل متعة. وليس من غير المنطقي أن نتعامل مع عجين الكعك بنفس الطريقة.
لذا، أقول لزملائي الممارسين في مجال الصحة العامة بأن نواصل العمل على إعلام عامة الناس بالمخاطر الصحية التي قد لا يتوقعونها أو يقدّرونها، وتحفيز الناس على اتخاذ إجراءات فورية بشأن عمليات سحب بعض الأغذية وتشجيعهم على تقليل المخاطر.
وفي الوقت نفسه، دعونا جميعاً نذكّر أنفسنا بأن هدفنا لا يتمثل بتقليل كل المخاطر بغضّ النظر عن التكلفة. بل إن هدفنا هو تعزيز الحياة. ويعني تعزيز الحياة في بعض الأحيان تحذير الناس من أن الطحين ملوث والتأكّد من أنهم قد تخلّصوا منه. وفي أحيان أخرى، يعني تعزيز الحياة السماح لهم بأن يتمتعوا ببعض عجين الكعك (المُعدّ بعناية) دون التباس.
هناك خطر في تناول عجين الكعك غير المطبوخ. ومع ذلك، وكما أشرت في ردّي على تغريدة الدكتور جوتليب في تويتر: "... إذا كان العجين غير المطبوخ يجعلك تبتهج، فإن قبول التعرّض للمخاطر قد يكون خياراً ... ولكن ما تريد القيام به هو خيارك أنت، وليس خياري أو خيار إدارة الغذاء والدواء".
بريان زيكمند فيشر هو أستاذ مشارك في السلوك الصحي والتوعية الصحية والمدير المساعد لمركز أخلاقيات البيولوجيا والعلوم الاجتماعية في الطب في جامعة ميشيغان. وقد نُشر هذا المقال أولاً على موقع ذا كونفرسيشن (The Conversation).