أنا شغوف باللياقة البدنية. كما أنني ألتزم ببرنامج غذائي صحي وغني بالمغذيات؛ ما يعني أنني أقوم بتقليل كمية السكر التي أتناولها إلى حد ممكن، وأتناول الكثير من الأغذية أو الوجبات الكاملة بغرض تحسين صحتي.
قد تتساءل عن مدى فعالية مثل هذا النظام الغذائي وخطة التمارين الرياضية في مكافحة مرض كوفيد-19، بما أن البعض قد اقترح -دون أدلة داعمة- أن تلقّي اللقاحات قد يكون غير ضروري إذا تم اتباع نمط حياة صحي مفصل بدقّة.
بصفتي عالم أبحاث درست علم التغذية لما يقرب من 20 عاماً، فقد تابعت باهتمام كبير استجابة «مجتمع العافية» للقاحات كوفيد-19. في حين أن تناول الطعام بشكل صحي يمكن أن يؤثر بشكل إيجابي على جهاز المناعة؛ إلا أنه ليس من المعقول أن نتوقع أن التغذية وحدها كافية للوقاية من فيروس يمكن أن يكون مهدداً للحياة.
تجربتي مع علم التغذية
تدرس مجموعتي المخبرية في جامعة ممفيس تأثير الطعام والمغذّيات المعزولة على صحة الإنسان. في يناير/كانون الثاني 2009، أجرينا دراسةً أوليةً لنظام غذائي نباتي صارم. أدرجنا 43 رجلاً وامرأة سُمح لهم بتناول أكبر قدر ممكن من الأطعمة النباتية حسب الرغبة؛ لكنهم شربوا الماء فقط لمدة 21 يوماً وامتنعوا عن تناول أية مشروبات أخرى.
بيّنت نتائج هذه الدراسة وجود تحسّنات في العديد من المتغيّرات المتعلّقة بالصحة القلبية الاستقلابية؛ مثل نسب الكولسترول في الدم وضغط الدم ونسب الأنسولين والبروتين المتفاعل-سي (وهو نوع من البروتينات تزيد نسبته استجابةً للالتهابات). أتممنا منذ إجراء تلك الدراسة عدداً من دراسات التغذية الأخرى على البشر والحيوانات باستخدام نفس النظام الغذائي النباتي.
أنتجت أبحاث مختبري ما يقرب من 200 ورقة علمية خضعت لمراجعة الأقران، إضافةً إلى فصول في كتب دراسية تتخصص بموضوع المغذّيات وممارسة التمرينات والتفاعل بين هذين العاملين. تبيّن نتائج أبحاثنا، وأبحاث علماء آخرين أيضاً، أنه من الواضح أن للطعام أثر بليغ على الصحة.
بالنسبة للعديدين؛ يؤدي إجراء تغيير إيجابي في عادات الأكل إلى تحسّن في مؤشّرات سريرية هامّة مثل نسب الكولسترول والغلوكوز في الدم بطريقة تسمح للأطباء أحياناً بالاستغناء عن بعض الأدوية التي تعالج ارتفاع نسب الكولسترول والسكري. في بعض الحالات الأخرى؛ تتحسن هذه المؤشرات ولكن المريض يظل بحاجة إلى استخدام الأدوية للتعامل مع المرض المصاب به. هذا يعني أنه في بعض الحالات، فإن اتباع نظام غذائي صحي هو ببساطة أمرٌ غير كافٍ للتعامل مع المشاكل الصحية.
التغذية والمقاربات الصحية الأخرى مهمّة
على الرغم من أنه تم أخذ بعض المنتجات الطبيعية بعين الاعتبار كعلاجات لمرض كوفيد-19؛ إلا أنه لم يتم التركيز بشكل كافٍ على التغذية المبنية على الأطعمة الكاملة كمقاربة وقائية. أعتقد أن هذا هو أمر مؤسف، وأعتقد أن تقوية الجهاز المناعي للبشر بهدف محاربة كوفيد-19 والعدوات الفيروسية الأخرى، هو أمر بالغ الأهمية. تبيّن الأدلة أن الأنظمة الغذائية الغنية بالمغذّيات، وممارسة التمارين الرياضية بشكل منتظم، والحصول على قدر كافٍ من النوم هي عوامل تساهم في الحفاظ على الوظيفة المناعية المثلى.
فيما يخص المدخول الغذائي، بيّنت دراسة نُشرت حديثاً وشملت عيّنةً من العاملين بالقطاع الصحي الذين أُصيبوا بكوفيد-19 أن الأفراد الذين اتّبعوا نظاماً غذائياً نباتياً، أو نباتياً باستثناء تناول السمك، كانوا أقل عرضةً بنسبة 73% و59% للإصابة بحالة متوسطة إلى عالية الشدة من مرض كوفيد-19 على الترتيب؛ وذلك مقارنةً بالأفراد الذين لم يتّبعوا أحد هذين النظامين. على الرغم من أن هذا مثير للاهتمام؛ إلا أنه من الضروري تذكّر أن هذه النتائج تمثّل ارتباطاً وليس سببية.
على الرغم من أن الأشخاص يستطيعون استغلال التغذية للمساهمة في تعزيز نظامهم المناعي ضد كوفيد-19؛ إلا أن النظام الغذائي هو فقط أحد العوامل المهمة التي يجب أخذها بعين الاعتبار. هناك عوامل أخرى مهمّة للغاية أيضاً؛ ومنها التعامل مع التوتر وتناول المكمّلات الغذائية والتباعد الاجتماعي وارتداء الكمّامات.
لأكون واضحاً؛ يجب اعتبار كل هذه العوامل وسائلَ محتملةً لمحاربة كوفيد-19، ولا يجب الاستعاضة عن تلقّي اللقاحات المنقذة للحياة بها.
اللقاحات ليست مثالية.. ولكنها تنقذ الحياة
برأيي أنه من المثير للاهتمام أن جميع الآباء تقريباً يدركون ضرورة تلقيح أطفالهم ضد الأمراض الخطيرة؛ مثل النكاف والحصبة وجدري الماء، ولا يعتقدون أن بعض الأطعمة، أو بيئة التنشئة، ستؤدي وظيفة اللقاح.
مع ذلك؛ عندما يتعلق الأمر كوفيد-19، يتم التخلي عن القناعة من قبل البعض الذين يعتقدون أن نمط الحياة الصحي سيكون بديلاً عن اللقاحات، دون التفكير بجدية في ما يفعله اللقاح في الواقع لتوفير الوقاية ضد الفيروس؛ وهو أمرٌ أسلوب الحياة الصحي وحده ببساطة لا يستطيع أن يُحدِثه.
عند التفكير في تلقّي لقاح كوفيد-19، ضع في اعتبارك ما يلي: جميع الأدوية لها مخاطر؛ بما في ذلك الأدوية التي تبدو حميدةً مثل الأسبرين. يُعتقد أن وسائل منع الحمل الهرمونية -والتي تستخدمها ملايين النساء كل شهر- تسبب ما يقدر بنحو 300-400 حالة وفاة سنوياً في الولايات المتحدة لوحدها. وينطبق الشيء نفسه على الجراحة التجميلية وحقن البوتوكس والإجراءات الاختيارية الأخرى.
الكثير من الناس يكونون على استعداد لقبول المخاطر المنخفضة في تلك الحالات؛ ولكن ليس في الحالات المتعلقة بلقاحات كوفيد-19، على الرغم من حقيقة أن خطر حدوث مضاعفات خطيرة أو خطر الوفاة بسبب كوفيد-19 يفوق بكثير المخاطر المنخفضة للآثار السلبية الخطيرة المرتبطة باللقاحات.
لن تمنح أية مقاربة لنمط الحياة وقايةً كاملةً ضد مرض كوفيد-19؛ وهذا يشمل الالتزام الصارم بالنظام الغذائي الشمولي الغني بالمغذيات (والذي يتضمّن تناول الأطعمة الكاملة بشكل رئيسي) والنظام النباتي والخُضري وغيرها من الأنظمة. اللقاحات ليست مثاليةً أيضاً. العدوات الاختراقية تحدث في بعض الحالات، على الرغم من أن اللقاحات توفّر وقايةً عاليةً من الحالات المرضية الشديدة والوفاة.
أنا أشجع الناس على بذل كل ما في وسعهم لتحسين صحة وفعالية جهاز المناعة لديهم، بشكل طبيعي. بعد ذلك؛ فكر بجدية في الوقاية الإضافية التي يمكنك الحصول عليها نتيجةً لتلقّي لقاحات كوفيد-19. عندما يتخذ الناس قرارات بناءً على أحدث الأدلة العلمية - والتي تتطور دائماً - بدلاً من العواطف والمعلومات المضللة، يُفترض أن يصبح القرار السليم أكثر وضوحاً.