هل تدوير «السبنر» يخفف من التوتر فعلاً؟

4 دقائق
تدوير السبنر لتخفيف التوتر
الصورة: بيكسابي

في عام 2017، اكتسبت لعبة تدوير السبنر (التململ بالسبنر) شعبية واسعة كنوعٍ من ألعاب التسلية، وسجلت أرقام مبيعاتٍ كبيرة لما شاع عن فوائدها في تقليل التوتر، حيث أصبحنا نراها في كل مكان تقريباً؛ على رفوف المتاجر وحتى في محطات الوقود، وقد عانى المعلمون كثيراً لإدارة انتشار هذه اللعبة البلاستيكية الدوارة بين أيدي الأطفال في الفصول الدراسية، لكن عادة التململ لم تبدأ مع السبنر.

يميل البشر عموماً إلى التململ بأشكال مختلفة؛ مثل العبث بالقلم أو النقر بأرجلنا أو العبث بشعرنا، وما يزال التململ لغزاً سلوكياً بشرياً يحير العلماء حتى الآن، ففي حين أن العلم لم يستقر بعد على تحديد سبب التململ، لكن تعطينا الأبحاث بعض الاستراتيجيات التي يمكن توظيفها للمساعدة في جعل هذا السلوك مفيداً أكثر لعملياتنا المعرفية، وأقل تشتيتاً للأشخاص من حولنا.

لماذا نتململ؟

بالرغم من عدم وجود إجابةٍ محددة عن سبب شعور البعض إلى الحاجة للقيام ببعض السلوكيات؛ خصوصاً التململ، لكن النظريات السائدة غالباً ما تربطه بالاهتمام والانتباه. تقول «جولي شفايتسر»؛ أستاذة الطب النفسي والعلوم السلوكية في جامعة كاليفورنيا في ديفيس، والباحثة في معهد مايند: «غالباً ما يحدث التململ كثيراً في ظل ظروف حيث تكون الأمور أكثر صعوبة أو أكثر سهولة. يحدث الاتّزان الداخلي عندما يكون المرء منخرطاً ولا يشعر بالتعب، ومهما كان اهتمامه في ذلك الوقت غير متطلب أو مملاً للغاية، فربما لا يكونون مضطرين للتململ».

أما عندما تكون الأمور أكثر بساطة مما ينبغي، يمكن أن يساعد فعل التململ في إشراك وتحفيز مناطق من الدماغ للمساعدة في الحفاظ على الانتباه. في الواقع، تعمل هذه الحركات على تخفيف بعض التوتر عن النظام العصبي في أوقات القلق أو الضغط العالي. توفر سلوكيات الإزاحة هذه؛ مثل طقطقة الأصابع أو حكّ الجلد، والتي تندرج تحت أفعال التململ، تأثيراً مخففاً أكثر لدى الرجال مقارنة بالنساء في المواقف التي تنطوي على ضغوطٍ عالية، ونظراً لأن التململ المفرط مرتبط باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، غالباً ما يركز البحث حول هذه الظاهرة على الأشخاص الذين يعانون من هذا المرض، ولكن تبقى هناك بعض القواسم المشتركة وثيقة الصلة في سياق أوسع. تقول شفايتسر: «تميل المناطق الحركية والمناطق الحسية الحركية في الدماغ إلى التغير لدى الأشخاص المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه؛ إذ ترتبط بعض النواقل العصبية مثل النوربينفرين والدوبامين بتلك المناطق، لذلك أظن أن هناك سبباً فيزيولوجياً وعصبياً لهذا التفاعل مع البيئة».

هناك بعض النظريات حول التململ لا تربط بينه وبين الانتباه؛ حيث تشير بعض البحوث إلى أن هذه الممارسة تمثل استجابة تلقائية للجسم لإدارة الوزن وحرق السعرات الحرارية الزائدة، ويُعتبر التململ في هذه الحالة جزءاً من مجموعة من السلوكيات المعروفة باسم النشاط غير الرياضي المولد للحرارة؛ والذي ينطوي أيضاً على الحفاظ على وضعية الجسم، والأنشطة الأخرى المرتبطة بممارسة حياتنا اليومية.

بالرغم من أن اللعب وتدوير لعبة سبنر مثلاً لن يكون بمثابة تمرينٍ يمكنه إذابة الدهون وفقدان الوزن، إلا أن التأثير الكلي للعب بها طوال اليوم يمكن أن يكون مهماً فيما يتعلّق باستهلاك السعرات الحرارية.

هل يمكنك التململ بشكلٍ فعال؟ وكيف ذلك؟

تعمل شفايتسر وفريقها حالياً على تطوير دراسة للحصول على فهم أفضل لكيفية تململ الناس؛ حيث يأمل الفريق تحديد الطريقة المثلى لهذه الممارسة كي تكون أقل تشتيتاً وأكثر فاعلية فيما يتعلّق بتخفيف التوتر وزيادة الانتباه. ستنطوي الدراسة على استخدام كرة تململ موصولة بالحاسب، وفي ظل مراقبةٍ مشفّرة بالفيديو للمشاركين في الدراسة.

تقترح شفايتس وزملاؤها أن بعض التقييم الذاتي البسيط يمكن أن يساعد في الوقت الحالي. تقول: «حدد وقتاً لنفسك أثناء القيام بنشاط معين لمعرفة الوقت الذي تستغرقه لإنجازه بدقة، ثم جرب مرة أخرى القيام بهذا النشاط أثناء استخدام أداتك المفضلة للتململ. لن يقدم ذلك نتائج مهمة من الناحية العلمية، ولكنه قد يمنحك فكرة عامة حول ما إذا كان هذا السبنر مثلاً يساعد أو يلحق الضرر بقدرتك على أداء المهام والانتباه».

أما «كيمبيرلي باترسون»؛ أخصائية علاج مهني في مجالس منطقة العاصمة للخدمات التعليمية التعاونية في نيويورك، فتقدم نصائح مماثلة: «يتعين على الأفراد القيام بتجاربهم الخاصة لتحديد السلوكيات التي تساعدهم أو تؤذيهم. يتعين عليك أن تمر بالتجربة لتكتشف ما الذي يعمل». لقد تبين لباترسون أثناء عملها مع مصابي التوحد أن بعض أساليب التململ مفيدة جداً في تحسين الأعراض.

تتجاوز أجهزة العلاج المهني التي تستخدمها باترسون السبنر العادي بتعقيدها، لكن العديد منها يظل بسيطاً إلى حد ما. تقول باترسون: «لدينا أدوات مثل الأربطة التي نضعها في أسفل أرجل المكتب؛ بحيث تسمح للطالب بدفع قدمه عليها عند جلوسه، وتعتمد مقاومة هذه الأداة على سمك الرباط عموماً»، كما تفضل باترسون استخدام الكرة الإسفنجية البسيطة، أو المطاطية؛ التي توفر مقاومة عند الضغط عليها. تشمل الأدوات الأخرى حلقاتٍ بسيطة ووساداتٍ مصنوعة من مادة الليكرا المطاطية، حيث توفّر تحفيزاً حسياً ووسيلة تململٍ بسيطة.

في الواقع، ليس بالضرورة أن كل أداة يسوَّق لها أنها «لعبة تململ» أو «أداة لتخفيف التوتر» يمكن أن تكون مفيدة على وجه التحديد، فلا بد من التجربة لتبين فعاليتها. قد تجد أحياناً أن سلوك التململ الذي اعتدت القيام به لا يساعدك كالمعتاد، حيث تقول باترسون في هذا الصدد: «إذا كنت مريضاً أو لم تحصل على قسط كافٍ من النوم، فمن شأن ذلك أن يؤثر ذلك على النتيجة وعلى فعالية بناء المدخلات الحسية في نظامك».

تطبيع التململ

بالرغم من العلاقة المعقدة بين التململ والانتباه، إلا أن بعض الأبحاث ما زالت تؤكد أن الناس يعتبرون هذه الحركات مؤشراتٍ على تشتت الانتباه والتلهي. من المهم أن ندرك أن التململ ليس سلوكاً يحتاج إلى تصحيح دائماً. تقول شفايتسر: «إذا كنت تلعب بسبنر في الفصل الدراسي، فهذه مشكلة، لكن هناك أفراداً بحاجةٍ للتحرك كثيراً، فإذا كان لا يؤثر على أي شخصٍ آخر، فدعه يفعل ذلك».

يمكن للأفراد الذين يقومون بالتململ التحكم في ألا تؤثر سلوكياتهم سلباً على الآخرين. في الحقيقة، من شأن اختيار جهاز التململ الذي لا يحتوي على قطع متحركة، ولا يصدر أصواتاً مزعجة، ويسهل إمساكه (بحيث لا تسقطه) أن يقلل من احتمال أن تكون هذه السلوكيات سبباً في تشتيت انتباه من حولك، حتى أن باترسون تقترح تجربة تمارين تقوية اليدين عندما تحتاج إلى التركيز؛ فهي توفر التحفيز في حين يقل احتمال سقوط الأدوات من اليدين أثناء التململ.

إذا كنت تعتقد أن سلوكيات التململ مشتتة بشكلٍ خاص، فقد يكون بوسعك أداؤها بطريقةٍ مناسبةٍ أكثر في بيئتك. على سبيل المثال، إذا كنت تميل إلى تحريك ركبتك للأعلى والأسفل من خلال شد عضلة ربلة الساق، فاجلس في مقعدٍ بعيد عن الآخرين الذين تزعجهم الاهتزازات التي تُحدِثها ويصعب عليهم تجاهلها.

تقول شفايتسر: «كان لدي طالب متميز جداً في كلية الطب، وكان يحرك ساقه كثيراً أثناء المحاضرات؛ حيث كان صف الكراسي حيث يجلس متصلاً مع بعضه البعض، فكانت الاهتزازات الناجمة عن حركة ساقه تزعج الجميع بالفعل، لذلك انتقل الجميع إلى أماكن أخرى وبقي الطالب لوحده في صف المقاعد. كان ذلك مناسباً للجميع».

هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً

المحتوى محمي