يتحدث الكثيرون عن ضعف فعالية لقاح الإنفلونزا، وعن السجل البائس للتنبؤ بحدوثه. ويجب على لقاح الإنفلونزا أن يحمي الإنسان من ثلاثة أو أربعة فيروسات مميزة، تملك كل منها خصائصها الجينية الفريدة، وغالباً ما تفشل التنبؤات السنوية المتعلقة بالإنفلونزا.
فلماذا يكون من الصعب جداً معرفة نوع اللقاح الذي سيتم تصنيعه؟ وكيف يمكن تحسين اللقاح؟
الإنفلونزا، ذلك الشر المستتر
الفيروسات التي تسبب الإنفلونزا مراوغة. وعلى عكس الأمراض الأكثر ثباتاً، فإن الانفلونزا تتحول باستمرار إلى أشكال مختلفة للنجاة من حملات اللقاح السنوية. ويشكل هذا صميم حاجتنا إلى لقاح سنوي. فهناك دائماً بديل جيني جديد. وهو أمر يشبه إلى حد ما مقاومة المضادات الحيوية. وتميل الفيروسات إلى أن يكون لها طفرات جينية أكثر، لأن طريقة تكرارها عرضة للأخطاء. أما بالنسبة للكائنات الأكثر تعقيداً، فإن الطفرات المستمرة ستكون إشكالية (لا يتطلب الأمر سوى بعض الطفرات الرئيسية لإصابة البشر بالسرطان). لكن فيروس الإنفلونزا يزدهر على الطفرات، وتعني وفرة الأخطاء أنه وفي مرحلة ما، ستكون إحدى السلالات مختلفة بما فيه الكفاية لتتوقف الحصانة التي يسببها اللقاح عن العمل.
وتخضع معظم الفيروسات لشكل من أشكال هذا التطور، ولكن فيروس الإنفلونزا سريع بشكل خاص (فيروس نقص المناعة المكتسب أسرع منه، ويمكن أن يتكيف لتجنب دواء جديد خلال يوم واحد). وفي الوقت الذي انتشرت فيه الإنفلونزا من الصين إلى الولايات المتحدة، كانت قد اتخذت بالفعل شكلاً جديداً بالكامل.
وبسبب هذا التغيير المستمر، يجب على منظمة الصحة العالمية أن تنتظر قبل الدعوة إلى ما يجب أن يكون متاحاً من اللقاحات حتى فبراير قبل موسم الإنفلونزا في نصف الكرة الشمالي. وهذا يعطي شركات الأدوية ما يكفي من الوقت لتصنيع اللقاح. ولكن نأمل أن يكون ذلك قريباً من بدء الموسم للوصول إلى التنبؤ الصحيح. ولكن ستة أشهر أو نحو ذلك هي وقت طويل لتطور الفيروس، لذلك ينتهي الأمر باللقاح ليكون وسيلة ضعيفة للوقاية. وإذا تمكنا من تصنيع لقاحات بشكل فوري، أو تمكنا من معرفة الشكل الذي سيكون عليه الفيروس كل شتاء، فسيكون التنبؤ صحيحاً غالباً. ولكن هذا لا يحدث.
وأخيراً سنقوم بتطوير وسائل التنبؤ
في السنوات الأخيرة، كان هناك شيء من التنامي في الأدوات المتاحة للتنبؤ بالانفلونزا. وتقدم مبادرة التنبؤ بالأوبئة، التي تديرها مراكز مكافحة الأمراض، تنبؤات من 28 نموذجاً مختلفاً، وتراقب مدى قدرة كل منها على التنبؤ بموسم الإنفلونزا. وتدمج مبادرة التنبؤ بالأوبئة أيضاً تلك النماذج في نموذج واحد، وهو عموماً أكثر دقة من أي تقدير فردي.
يأخذ كل نموذج في الاعتبار عوامل مختلفة ويتنبأ بمتغيرات محددة. ويركز البعض على توقيت حدوث الجوائح، بينما يركز بعضها الآخر على السلالات التي ستسيطر. وقد تطلّب نظام واحد من جامعة كارنيجي ميلون استطلاعات أسبوعية، وحاول التنبؤ بالجوائح على أساس المعرفة عند الحشود. وتم عمل هذا النموذج بالإضافة إلى النظام الآخر، والذي يستخدم آلة التعلم لتحليل البيانات من مراكز مكافحة الأمراض. وتفوق كل منهما على النموذج المدمج.
وانضمت جامعات أخرى أيضاً إلى صراع التنبؤ هذا، ولكن حتى الآن لا يملك أي من الأنظمة الوثوقية الكافية لاتخاذ قرارات حقيقية بناء عليها.
الانتباه إلى تطور الفيروسات يمكن أن يحسن التنبؤات
في يونيو 2016، كان علماء من جامعة شيكاغو، ودون علم الجمهور، يتنبأون بعدد حالات الإنفلونزا التي ستظهر في الموسم المقبل. ويستخدم نظامهم البيانات الوبائية القياسية، ولكنه يتضمن أيضاً معلومات عن مدى تطور الفيروس. وقد سمح هذا المكون الإضافي لهم بالتنبؤ بدقة بشدة الجوائح خلال موسم 2016-2017، ونشروا نتائجهم في دورية "ساينس ترانسليشنال ميديسن" في أكتوبر 2017.
ويجب توخي الحذر لكون هذا النوع الخاص من التحليل قد ركز على منطقة واحدة في الولايات المتحدة، ولم ينظر في توقيت حدوث الجائحة على الإطلاق. ومع ذلك، فقد تفوق على جميع أساليب التنبؤ الحالية. وبينما نعتمد حالياً على البيانات كما تأتي في موسم الإنفلونزا، فإن هذا النموذج كان قادراً على التنبؤ في الصيف الذي يسبق الموسم. وهذا ليس مبكراً بما فيه الكفاية للتأثير على اختيار اللقاح، ولكن يمكن أن يكون مبكراً بما فيه الكفاية لإتاحة الوقت لأنظمة الرعاية الصحية للتحضير بشكل أفضل. وإذا كان معروفاً أن مناطق معينة ستكون معرضة لخطر كبير، فسنتمكن من توفير المزيد من اللقاحات وغيرها من اللوازم.
وكل هذا هو مجرد تمهيد، فلن نتنبأ بإنفلونزا العام المقبل بأي درجة عالية من الدقة، ولكن هذا يشكل تقدماً مهماً في معركتنا السنوية التي نخسرها في كثير من الأحيان. فالناس لا يميلون إلى أخذ الأنفلونزا على محمل الجد، على الرغم من العدد الكبير من الأشخاص الذين تتسبب في وفاتهم سنوياً في الولايات المتحدة وحدها. وإذا كان لدينا توقعات أفضل، فقد نشجع المزيد من الناس للحصول على التطعيم، وربما حفظ عدد قليل من الأرواح خلال هذه العملية.